
بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الدرس العاشر: من
كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث
حكم ترك الصلاة
واختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمدا، فكفره
بذلك أحمد بن حنبل وجماعة من علماء السلف وأخرجوه به من الإسلام، للخبر الصحيح:
«بين العبد والشرك ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر»، وذهب الشافعي وأصحابه
وجماعة من علماء السلف رحمة الله عليهم أجمعين إلى أنه لا يكفر ما دام معتقدا
لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام، وتأولوا الخبر من ترك
الصلاة جاحدا كما أخبر سبحانه عن يوسف عليه السلام أنه قال: ﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ
بِاللهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾، ولم يك تلبس بكفر فارقه، ولكن تركه جاحدا له.
خلق أفعال العباد
ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد أنها مخلوقة لله
تعالى، لا يمترون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول
وينفيه.
الهداية من الله
ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء عنه، لا حجة لمن أضله الله عليه، ولا عذر له لديه. قال الله عز وجل ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ، وقال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ﴾ الآية، وقال: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ ﴾ ، الآية، سبحانه خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فريقين: فريقا للنعيم فضلا، وفريقا للجحيم عدلا. وجعل منهم غويا ورشيدا، وشقيا وسعيدا، وقريبا من رحمته وبعيدا. ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾، قال جل وعلا: ﴿ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ، وقال عز وجل: ﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، وقال جل وعلا: ﴿ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ﴾، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو ما سبق لهم من السعادة والشقاوة.
أخبرنا أبو محمد المجلدي: أخبرنا أبو محمد العباس السراج:
حدثنا يوسف عن موسى: أخبرنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود
قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين
يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك
بأربع كلمات، رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل
بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يدركه ما سبق له في الكتاب
فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه
وبينها إلا ذراع ثم يدركه ما سبق له في الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
وأخبرنا أبو محمد المخلدي: أخبرنا أبو العباس السواد: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي -هو ابن راهويه- أنبأنا عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، وإنه لمكتوب في الكتاب من أهل النار، فإذا كان قبل موته عمل بعمل أهل النار فمات فدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل الجنة، فإذا كان قبل موته عمل بعمل أهل الجنة فمات فدخل الجنة»
مذهب أهل السنة في الخير والشر والنفع والضر
ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر بقضاء
الله وقدره، لا مرد لهما ولا محيص ولا محيد عنهما، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له
ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله له لم يقدروا عليه، ولو
جهدوا أن يضروه بما لم يقضه الله لم يقدروا؛ على ما ورد به الخبر عن عبد الله بن
عباس عن النبي ﷺ. قال الله عز وجل: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ
اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا
رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾.
ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم بأن الخير والشر من الله
وبقضائه أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يُتوهم منه نقص على الانفراد، فيقال: يا
خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان، وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه. وفي
ذلك ورد قول رسول الله ﷺ في دعاء الاستفتاح «تباركت وتعاليت، والخير في يديك،
والشر ليس إليك»، ومعناه والله أعلم والشر ليس مما يضاف إليك إفرادا وقصدا، حتى
يقال لك في المناداة: يا خالق الشر أو يا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر
لهما جميعا، لذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه، فقال فيما أخبر
الله عنه في قوله: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ
لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾، ولما
ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا
وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ ، ولذلك قال مخبرا عن
إبراهيم عليه السلام أنه قال: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ
يَشْفِينِ﴾ ، فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه.
أنواع الإرادة
ومن مذهب أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال
العباد خيرها وشرها؛ لم يؤمن أحد إلا بمشيئته ولم يكفر أحد إلا بمشيئته. ولو شاء
لجعل الناس أمة واحدة. ولو شاء أن لا يُعصى ما خلق إبليس. فكفر الكافرين وإيمان
المؤمنين بقضائه سبحانه وتعالى وقدره وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه.
ويرضى الإيمان والطاعة، ويسخط الكفر والمعصية. قال الله عز وجل: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى
لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾.
الاستثناء في الإيمان والشهادة على المعين بأنه
في الجنة أو النار
ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث
أن عواقب العباد مبهمة، لا يدري أحد بم يختم له، ولا يحكمون لواحد بعينه أنه من
أهل الجنة، ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل النار، لأن ذلك مغيب عنهم، لا
يعرفون على ما يموت عليه الإنسان؛ أعلى إسلام أم على كفر، ولذلك يقولون: إنا
مؤمنون إن شاء الله، أي من المؤمنين الذين يختم لهم بخير إن شاء الله
يوم الاثنين 23 ربيع
الأول 1447 هجرية
مسجد إبراهيم _شحوح _ سيئون