2025/09/18
الدرس الثالث عشر والأخير: من كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 

الدرس الثالث عشر والأخير: من كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث

 

علامات أصحاب الحديث

ويحرم أصحاب الحديث المسكر من الأشربة المتخذ من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر؛ يحرمون قليله وكثيره ويجتنبونه وينجسونه ويوجبون به الحد.

ويرون المسارعة إلى أداء الصلوات وإقامتها في أوائل الأوقات أفضل من تأخيرها إلى آخر الأوقات إحرازًا للأجور الجميلة بها والمثوبات. ويوجبون قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام. ويأمرون بإتمام الركوع والسجود حتما واجبا، ويعدون إتمام الركوع والسجود بالطمأنينة فيهما والارتفاع من الركوع والانتصاب منه والطمأنينة فيه وكذلك الارتفاع من السجود والجلوس بين السجدتين مطمئنين فيه من أركان الصلاة التي لا تصح إلا بها.

ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين، والتعفف في المأكل والمشرب والمنكح والملبس، والسعي في الخيرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع، واتقاء سوء عاقبة الطمع، ويتواصون بالحق والصبر.

ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه، ويتقون الجدال في الله، والخصومات فيه. ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات.  

الاقتداء بالرسول والصحابة والسلف الصالح

ويقتدون بالنبي ﷺ وبأصحابه الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا، كما كان رسول الله ﷺ يقوله فيهم، ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين.

بغض أهل البدع ومجانبتهم

ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم؛ ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرّت في القلوب ضرت وجرت إليها الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾.

علامات أهل البدع

وعلامات البدع على أهلها ظاهرة بادية. وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي ﷺ واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة، اعتقادا منهم في أخبار الرسول ﷺ أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتاج عقولهم الفاسدة ووساوس صدورهم المظلمة وهواجس قلوبهم الخالية من الخير والعاطلة وحججهم بل شبههم الداحضة الباطلة، ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ .

أهل البدع يردون الآثار

سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه.

وسمعت الحاكم يقول: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند إمام الدين أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق زنديق زنديق، حتى دخل البيت.

وسمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول: سمعت أبا نصر بن سلام الفقيه يقول: ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناده.

وسمعت الحاكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه وهو يناظر رجلا فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: قم يا كافر، فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبدا، ثم التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد ما تدخل داري إلا هذا.

نبز المبتدعة لأهل الحق

وسمعت أبا منصور محمد بن عبد الله بن حمشاد العالم الزاهد يقول: سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد المقري الرازي يقول: قرئ على عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وأنا أسمع: سمعت أبي يقول -عنى به الإمام في بلده أباه أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي يقول-: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر حشوية، يريدون بذلك إبطال الأثر، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة الجهمية تسميهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة، قلت: وكل ذلك عصبية، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث.

قلت أنا: رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة سلكوا معهم مسلك المشركين مع رسول الله ﷺ، فإنهم اقتسموا القول فيه، فسماه بعضهم ساحرا، وبعضهم كاهنا، وبعضهم شاعرا، وبعضهم مجنونا، وبعضهم مفتونا، وبعضهم مفتريا مختلقا كذابا؛ وكان النبي ﷺ من تلك المعائب بعيدا بريئا، ولم يكن إلا رسولا مصطفى نبيا، قال الله عز وجل: ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾، كذلك المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول في حملة أخباره ونقلة آثاره ورواة أحاديثه المقتدين المهتدين بسنته، فسماهم بعضها حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم نابتة، وبعضهم ناصبة، وبعضهم جبرية؛ وأصحاب الحديث عصابة من هذه المعايب بريئة زكية نقية، وليسوا إلا أهل السنة المضية والسيرة المرضية والسبل السوية والحجج البالغة القوية؛ قد وفقهم الله جل جلاله لاتباع كتابه ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله ﷺ في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منهما، وأعانهم على التمسك بسيرته والاهتداء بملازمة سنته، وشرح صدورهم لمحبته ومحبة أئمة شريعته وعلماء أمته. ومن أحب قوما فهو معهم يوم القيامة بحكم قول رسول الله ﷺ: «المرء مع من أحب».

علامات أهل السنة

وإحدى علامات أهل السنة حبهم لأئمة السنة وعلمائها وأنصارها وأوليائها، وبغضهم لأئمة البدع، الذين يدعون إلى النار ويدلون أصحابهم على دار البوار. وقد زين الله سبحانه قلوب أهل السنة ونورها بحب علماء السنة فضلا منه جل جلاله ومنة.

حب أهل الحق وذكر بعض أسمائهم

أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أسكنه الله وإيانا الجنة: حدثنا محمد بن إبراهيم بن الفضل المزكي: حدثنا أحمد بن سلمة: قرأ علينا أبو رجاء قتيبة بن سعيد كتاب الإيمان له، فكان في آخره: فإذا رأيت الرجل يحب سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وشعبة وابن المبارك وأبا الأحوص وشريكا ووكيعا ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، فاعلم أنه صاحب سنة. قال أحمد بن سلمة رحمه الله: فألحقت بخطي تحته: ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فلما انتهى إلى هذا الموضع نظر إلينا أهل نيسابور، وقال: هؤلاء القوم يبغضون يحيى بن يحيى، فقلنا له: يا أبا رجاء ما يحيى بن يحيى؟ قال: رجل صالح إمام المسلمين، وإسحاق بن إبراهيم إمام، وأحمد بن حنبل أكبر من سميتهم كلهم.

وأنا ألحقت بهؤلاء الذين ذكر قتيبة رحمه الله أن من أحبهم فهو صاحب سنة من أئمة أهل الحديث الذين بهم يقتدون وبهديهم يهتدون ومن جملتهم وشيعتهم أنفسهم يعدون وفي اتباعهم آثارهم يجدّون جماعةً آخرين، منهم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي الإمام المقدم والسيد المعظم، العظيم المنة على أهل الإسلام والسنة، الموفق الملقن الملهم المسدد، الذي عمل في دين الله وسنة رسوله ﷺ من النصر لهما والذب عنهما ما لم يعمله أحد من علماء عصره ومن بعدهم. ومنهم الذين كانوا قبل الشافعي رحمه الله، كسعيد بن جبير والزهري والشعبي والتيمي؛ ومن بعدهم كالليث بن سعد والأوزاعي والثوري وسفيان بن عيينة الهلالي وحماد بن سلمة وحماد بن زيد ويونس بن عبيد وأيوب وابن عون ونظرائهم؛ ومن بعدهم مثل يزيد بن هارون وعبد الرزاق وجرير بن عبد الحميد؛ ومن بعدهم مثل محمد بن يحيى الذهلي ومحمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري وأبي داود السجستاني وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم وابنه ومحمد بن مسلم بن وارة ومحمد بن أسلم الطوسي وعثمان بن سعيد الدارمي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة الذي كان يدعى إمام الأئمة، ولعمري كان إمام الإئمة في عصره ووقته، وأبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل البستي، وجدي -من قبل أبي- أبي سعيد يحيى بن منصور الزاهد الهروي، وعدي بن حمدويه الصابوني، وولديه سيفي السنة أبي عبد الله الصابوني وأبي عبد الرحمن الصابوني، وغيرهم من أئمة السنة الذين كانوا متمسكين بها ناصرين لها داعين إليها والين عليها.

وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم بعضا؛ بل أجمعوا عليها كلها. واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم.

نصيحة أبي عثمان الصابوني

قال الأستاذ الإمام رحمه الله: وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارهم مستضيء بأنوارهم، ناصح إخواني وأصحابي أن لا يزيغوا عن منارهم، ولايتبعوا غير أقوالهم، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فما بين المسلمين وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه وبدعوه، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه. ولا يغرن إخواني حفظهم الله كثرة أهل البدع ووفور عددهم، فإن وفور أهل الباطل وقلة عدد أهل الحق من علامات اقتراب يوم الحق، فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة، إذ الرسول المصطفى ﷺ قال: «إن من علامات الساعة واقترابها أن يقل العلم ويكثر الجهل» والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة، قال ﷺ: «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها» وقال ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله»، ومن تمسك اليوم بسنة رسول الله ﷺ وعمل بها واستقام عليها ودعا إليها كان أجره أوفر وأكثر من أجر من جرى على هذه الجملة في أوائل الإسلام والملة، إذ الرسول المصطفى ﷺ قال: «له أجر خمسين» فقيل: خمسين منهم؟ قال: «بل منكم». وإنما قال ﷺ ذلك لمن يعمل بسنته عند فساد أمته.

وجدت في كتاب الشيخ الإمام جدي أبي عبد الله محمد بن عدي بن حمدويه الصابوني رحمه الله: أخبرنا أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي أن العباس بن صبيح حدثهم: حدثنا عبد الجبار بن مظاهر: حدثني معمر بن راشد: سمعت ابن شهاب الزهري يقول: تعليم سنة أفضل من عبادة مائتي سنة.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني: أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي: سمعت محمد بن حاتم المظفري يقول: سمعت عمرو بن محمد يقول: كان أبو معاوية الضرير يحدث هارون الرشيد فحدثه بحديث أبي هريرة: «احتج آدم وموسى»، فقال عيسى بن جعفر: كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟ قال فوثب به هارون وقال: يحدثك عن الرسول ﷺ وتعارضه بكيف؟ قال: فما زال يقول حتى سكت عنه.

هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله ﷺ، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق؛ وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرشيد رحمه الله مع من اعترض على الخبر الصحيح الذي سمعه بكيف على طريق الإنكار والاستبعاد له، ولم يتلقه بالقبول كما يجب أن يتلقى جميع ما يرد من الرسول ﷺ.

جعلنا الله سبحانه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويتمسكون في دنياهم مدة محياهم بالكتاب والسنة، وجنبنا الأهواء المضلة والآراء المضمحلة والأسواء المذلة، فضلا منه ومنة.


آخره والحمد لله وحده.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

يوم الخميس 26 ربيع الأول 1447 هجرية

مسجد إبراهيم _شحوح _ سيئون









تمت الطباعه من - https://sh-yahia.net/show_sound_16647.html