بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورجمة الله وبركاته:
شيخنا حفظكم الله عندنا سؤال وهو:
أنَّ بعض إخواننا السلفيين لما فتح تسجيل المعسكرات و القادة و انشأت الألوية، بعضهم دخل في هذا التسجيل، سجل أسمه و يستلم له راتبا، و نصحوا ونصحناهم، فاذا ببعضهم يقول:
الدولة قد أذنت بهذا، أنها تسجل معسكرات، و هم جالسون في بيوتهم إلى وقت الحاجة، و هذا بأذن من ولي الأمر و هذا من مال ولي الأمر ، ثم أنهم إنْ طلبونا في يوم من الأيام أننا نذهب نترقم و نتعسكر و نحضر و نلتزم بالمخالفات التي يريدونها سنترك .
و هذا فعلا استدراج من الشيطان لهم ، لكن يقولون، لما نصحنا بعضهم يقولون: " هذا المال الذي نستلمه ليس بحرام هذا من ولي الأمر ، اذا طالبونا بالعسكرة تركنا ".
فما هو توجيه الشيخ في هذا بارك الله فيك؛ فإننا وجدنا من بعض إخواننا الاعتراض على هذا أو عدم المبالاة.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذا التسجيل الذي ذكرته وأشرت إليه بأنه استدراج من الشيطان، ينطبق عليه ذلك؛ لاسيما أنه بداية عسكرة، و إذا أدخلوا أنفسهم في العسكرة سواء كان حاليا أو مآليا أو مجرد ترقيم؛ فأنهم مصير ذلك إلى أنهم عساكر وأنهم يأخذون هذه الأموال مقابل عسكرة، مقابل ما يتمرنون عليه فيما بعد، و يجرون غيرهم إليه، و يكون مدعاة إلى أن ينهمر الصالحون طلاب العلم فيه و يدخلون في أشياء لم يكونوا سلكوها من قبل.
فدعوتهم معروفة أنها مع العلم والدعوة وبعيدة عن العسكرة وعن السياسات الدنيوية، والانفلات الذي ضرره على الدعوة محقق، وأنه مصير ضياع لطلاب العلم، ضياع لعلومهم وأوقاتهم، واستقامتهم، من أجل دنيا زائلة، قال الله تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل: 96] ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾ [الضحى: 4] .
فهذه الاستدراجات و الاسترسالات في أمور عواقبها قد عرفنا بعضها و راينا سبل و وسائل التفلت فيها.
كان ينبغي لهم أن يتحفظوا عن هذا و أن يزهدوا أكثر من ذلك، وأنصح وأكرر وينصح إخواننا حفظهم الله بالحذر من ذلك من باب قول الله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [ العصر:3 ].
وليعلم الطالب والداعي إلى الله أنه في خير عظيم لا يجوز له التغافل عنه، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، و قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الملائكة لتضع اجنحتها رضا بما يطلب" ،
فمن كان يسمع نصحنا و توجيهنا من إخواننا طلاب العلم؛ هذا هو التوجيه الذي نرى أنهم ينفعهم إن شاء الله وينفع المجتمع.
فالمجتمع بحاجة إلى دعاة إلى الله، فنحن نبحث للواحد نسد به فراغا في مسجد مهم، بل في بلد ينفع الله به فيه، ما نجد لقلة الدعاة إلى الله، ولكثرة الانهمار في الدنيا وقلة المقبلين على العلم النافع، وعلى التفقه في دين الله.
وإن كانت توجد سطحيات بين طلاب العلم أنهم كثير، لكن عند المحاققة ما تجد متمكنا، رابضا للعلم مجتهدا، ينفع خطابة و كتابة و دعوة و نفعا يؤثر في المجتمع ويجعل الله فيه بركة إلا القليل بالنسبة لاحتياج الأمة.
هذا الذي نتواصى به و نسأل الله التوفيق لما يحبه الله و يرضاه وأن يحفظ الجميع من فتنة الدنيا وغيرها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: «لكل أمة فتنة و فتنة أمتي المال».
وبخصوص المال المسؤول عنه: فإن رضيتم بالعسكرة فقد سبق الجواب.
وإن كان على ما ذكرتم، فأخذ المال بما ذكر في السؤال يتضمن احتيالا، وعدم وفاء بالوعد، وكذبا، فيأخذ الواحد المال على أنه عسكري، ثم بعد ذلك يقول: "لا يتعسكر"، فمن استطاع أن ينفلت منهم بغير أن يدفع ما قد أخذه، والله أعلم هل يتمكن أم لا، فإنه بذلك أخذ المال على غير كسب شرعي واضح فيما يليق بمقام السلفي، من الصدق الذي قد دلت الأدلة على فضله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" و لا يزال الرجل يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا"، و قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الصدق طمأنينة و الكذب ريبة".
والناس واثقون بأهل السنة لصدقهم وأمانتهم فهذا يخلخل الثقة فيهم و ما كان يخلخل الثقة في المؤمن وجب عليه اجتنابه والله الموفق.
أبو عبد الرحمن
يحيى بن علي الحجوري
1440/5/19 هجرية