2008/12/24
السبل السوية للإستفادة العلمية

 الفهرس

المقدمة    

*- السبيل الأول ، الإخلاص لله وتصفية النية .        

* - السبيل الثاني : الاستعانة بالله سبحانه وتعالى.      

*- السبيل الثالث : لزوم سنة رسول الله  .         

* - السبيل الرابع : لزوم منهج السلف الصالح.       

* - السبيل الخامس : تقوى الله تعالى .     

* - السبيل السادس : اليقين مع الصبر والحرص على تحصيله .   

*- السبيل السابع: كتابة العلم. 

*- السبيل الثامن : الدنو والإنصات للمعلم وشكره.  

* - السبيل التاسع : التواضع وعدم الكبر. 

*- السبيل العاشر : العمل بالعلم.          

*- السبيل الحادي عشر : العناية بالقرآن.  

* - السبيل الثاني عشر : اختيار العالم الناصح الصالح   

* - السبيل الثالث عشر : بذل العلم للناس وتعليمهم.

* - السبيل الرابع عشر :التفرغ للعلم بالبعد عن زهرة الحياة الدنيا .         

- السبيل الخامس عشر : الإكثار من ذكر الله والاستغفار .      

*   السبيل السادس عشر : العناية بالعبادة. 

* - السبيل السابع عشر : البعد عن البدع والشبهات.

 المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه . أما بعد:
فهذه محاضرة هاتفية لشيخنا العلامة أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري - حفظه الله- إلى أهل الحبشة سجلت ليلة الأحد 22 من ذي الحجة 1429 هـ بعنوان :" السبل السوية للاستفادة العلمية".
وقد قمت بتفريغها ؛ لما رأيت فيها من الفوائد الجمة والعلوم والتوجيهات المهمة ، للمسلمين عموما ولطلاب العلم خصوصا ، راجيا من الله عز وجل أن ينفع بها ، واعتنيت بها بعض الاعتناء وأضفت إليها من بابها بعض الأشياء المناسبة مما رأيته مناسبا تتميما للفائدة ، ثم أردفت في الأخير بـ" الكلمات الذهبية لناصح الأمة" وهي عبارة عن كلمات مفيدة للشيخ - حفظه الله- اقتطفتها من خلال دروسه العامة .
هذا ، وأسأل الله السداد والإخلاص والمثوبة في كل أموري ، إنه كريم مجيب.
 
كتبه
أبو تراب سيف بن حضر الجاوي
27 ذي الحجة 1429 هـ
دار الحديث بدماج حرسها الله من كل سوء ومكروه.


 

المحاضرة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده روسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء:1].
 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فلفد سمعنا - ولله الحمد - بدعوة طيبة يرجى نفعها في بلاد الحبشة وذلك حين قدوم الشيخين الفاضلين الشيخ أبي عمرو والشيخ زايد حفظهما الله منها فأخبرونا بما يبشر بخير من محبة السنة ومحبة العلم والإقبال على ذلك والتلهف لأن يصير كثيرا منهم عالما نافعا وهذا في الحقيقة يدل على همة طية ، عند هؤلاء الإخوة حفظهم الله وفقهم الله مما لو صاروا عليه وعملوا بأسبابه وسبله يرجى أن يخرج الله منهم وفيهم من يحمل الدعوة السلفية حملا صحيحا هناك وغير هناك ، لأن الله عزوجل يقول ﴿ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم﴾ [الحديد/21] ويقول: ﴿ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ [الإسراء/20] ومذاكرتنا مع من يسمع هنا وغير هنا في هذه الليلة المباركة تحت عنوان :" السبل السوية للاستفادة العلمية" فإن هذا في الحقيقة مطلب كل طالب علم ونفسه تتوق إليه وتتلهف أن يكون مستفيدا من العلم النافع، لكن لابد لكل أمر من سبب ؛ فالعلم له أسباب والخير له طرق وأسباب والسلامة لها أسباب والجنة لها أسباب والنار لها أسباب وكل ذلك قد بينه الله عز وجلفي كتابه  وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
          ألا وإن السبل السوية للإستفادة العلمية كثيرة وأهما ما يلي :
`- السبيل الأول ، وهو الإخلاص لله وتصفية النية من شوائب ما تعتريها .
ومن الدخائن والأضغان الخفية مما لا يطلع عليه  إلا رب البرية سبحانه وتعالى ، فالله عز وجل يقول : ﴿ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنفال/70]في هذه الآية أن الله إذا علم من عبده خيرا بما اطلع عليه منه ، فإن وعد الله حق فقد وعده أنه سيؤتيه خيرا ، وهذا الخير لفظ شامل وأعظمه الخير الموصل إلى رضوان الله سبحانه والجنة ، وفي الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".(1)
وهذا الحديث يبين أن من كانت له هجرة ونية وقصد إلى الله لتعلم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإن هجرته تلك ماضية وسائرة، ولن يضيع سعيه بل سينال من تلك الهجرة ما قد كتبه وأراده سبحانه له .
وليعلم أن العلم عبادة لا خلاف في ذلك بل هو يعتبر أعظم عبادة لمن صلحت نيته ، قال الإمام أحمد رحمه الله : ليس مثل العلم شيء لمن صلحت نيته(2) ، فالعبادة إن صلحت وصحت نفعت صاحبها ، وإن لم تصح لم تنفع صاحبها ولم يحصل فيها على خير بل تصير تلك العبادة ردا عليه ، قال تعالى :﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة ﴾ [البينة/5].
 وروى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" قال الله أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه"(3) 
هذا دليل على أن من طلب العلم لغير الله فقد أشرك في عبادته تلك مع الله غيره وأن الله يتركه ولا يعينه ولا يوفقه ، وإذا تركه الله من الذي يستطيع أن يعلمه ومن الذي يستطيع أن ينفعه ، ومن الذي يستطيع أن يفتح عليه ، وهذا أمر خطير على طالب العلم وعلى سائر المسلمين وهو أنه إن عمل هذا العمل المبارك ودخل فيه الرياء أو مقاصد أخرى لغير الله تعالى فإن الله يتركه  (4) .
______________________
(1) البخارى (6/2551 ، رقم 6553) ، ومسلم (3/1515 ، رقم 1907)].
(2) أورده ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (ج 1 / ص 154): قال: وقال مهنا قلت: لأحمد بن حنبل ما أفضل الأعمال قال: طلب العلم قال لمن صحت نيته قلت: وأي شيء تصحيح النية قال: ينوي يتواضع فيه وينفي عنه الجهل. اهـ و ذكر ابن مفلح في الآداب الشرعية(ج 2 / ص 104) قال: وقال بشر الحافي : لا أعلم على وجه الأرض عملا أفضل من طلب العلم والحديث لمن اتقى الله وحسنت نيته وقال سفيان : ما أعلم شيئا يراد الله به أفضل من طلب العلم . وعن ابن المبارك قال : ما من شيء أفضل من طلب العلم لله وما من شيء أبغض إلى الله من طلب العلم لغير الله .
(3) أخرجه مسلم (4/2289 ، رقم 2985) ، وابن ماجه (2/1405 ، رقم 4202)]
(4) وقد روي عن مجاهد قال : طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية ثم رزق الله النية بعد وروي هذا المعنى عن جماعة منهم حبيب بن أبي ثابت وسماك بن حرب وقال يزيد بن هارون : طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يردنا إلا إلى الله وقال عبد الرزاق إن معمرا قال : كان يقال إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله .[ انظر : الآداب الشرعية(ج 2 / ص 104)]
قال الشيخ معلقا عليه: وهذا محمول على الرغبة فيه ، ولو لم يكن في بدأ الأمر كبير احتساب ، ثم إذا صار الشخص عالما ازدادت خشيته وإخلاصه لله تعالى ، بقدر علمه النافع ولجوئه إلى الله عز وجل وتعبده له سبحانه.
` - السبيل الثاني : الاستعانة بالله سبحانه وتعالى.
          فإن الإنسان إذا لم يستعن بالله يكله الله إلى نفسه ، ومن الذي يستطيع أن يعلمه ومن الذي يستطيع أن ينفعه ، ومن الذي يستطيع أن يفتح عليه إذا وكله الله إلى نفسه ، وتقدم ذكره أن العلم عبادة ، والله علمنا أن نقول :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة/5] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "رب أعنى ولا تعن على وانصرنى ولا تنصر على وامكر لى ولا تمكر على واهدنى ويسر الهدى إلى وانصرنى على من بغى على اللهم اجعلنى لك شاكرا لك ذاكرا لك راهبا لك مطواعا إليك مخبتا إليك أواها منيبا رب تقبل توبتى واغسل حوبتى وأجب دعوتى وثبت حجتى واهد قلبى وسدد لسانى واسلل سخيمة قلبى." (1)
وعلم صلى الله عليه وسلم  معاذا رضي الله عنه وقال : " يا معاذ والله إنى لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعن فى دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". (2)
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شىء فلا تقل لو أنى فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان" .(3) . وشاهدنا من الحديث :" احرص على ما ينفعك واستعن بالله " .
و أفضل ما يحرص عليه العبد (4) ويستعان على تحصيله بالله سبحانه  هو علم كتاب الله وسنة رسوبه صلى الله عليه وسلم .
______________________
(1) عن ابن عباس ت أخرجه ابن أبى شيبة (6/50 ، رقم 29390) ، وأحمد (1/227 ، رقم 1997) ، وأبو داود (2/83 ، رقم 1510) ، والترمذى (5/554 ، رقم 3551) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (2/1259 ، رقم 3830) ، عبد بن حميد (ص 236 ، رقم 717) ، والبخارى فى الأدب المفرد (ص 232 ، رقم 665) . وهو في الصحيح المسند).
(2) عن معاذ بن جبل ت أخرجه أحمد (5/244 ، رقم 22172) ، وأبو داود (2/86 ، رقم 1522) ، والنسائى فى الكبرى (6/32 ، رقم 9937) وهو في الصحيح المسند.
(3) أخرجه مسلم (4/2052 ، رقم 2664)و أحمد (2/366 ، رقم 8777) وابن ماجه (2/1395 ، رقم 4168).
(4) وفي الآداب الشرعية (ج 2 / ص 104) وقال الحسن بن ثواب قال لي أحمد بن حنبل : ما أعلم الناس في زمان أحوج منهم إلى طلب الحديث من هذا الزمان قلت ولم ؟ قال : ظهرت بدع فمن لم يكن عنده حديث وقع فيها . يحيى بن يمان قال : قالوا لسفيان إن أصحاب الحديث يطلبون الحديث بغير نية ، قال طلبهم له نية .[إسناد صحيح] .
`- السبيل الثالث : لزوم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا سبيل نافع بإذن الله لحصول العلم النافع، فإن لزوم سنة النبي صلى الله عليه وسلم بركة عظيمة ، يدل ذلك على أن العبد عنده رغبة ونهمة في الوصول إلى معرفة السنة وهذا الخير وانتفع بذلك ، (1)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " (2)مهما عمل الإنسان من الأعمال ما لم تكن على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة لا فائدة فيها للعبد ، ولا يعتبر مستفيدا مهما تحصل على شيء من ذلك (3)، فلزوم السنة والتمسك بها أمر مهم لطالب علم ولسائر المسلمين لقول الله :﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء/115] ولقوله : ﴿ فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم ﴾ [البقرة/137] وكذلك الله يقول : ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر/7] وما يستفيد أحد إلا بأخذ ما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه .وقد توعد من تعمد مخالفة السنة بالفتنة والعذاب الأليم ، فأي استفادة له بعذ لك ، قال الله : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور/63]
` - السبيل الرابع : لزوم منهج السلف الصالح.
وفيه فائدة عظيمة للطالب ويتحصل على شيئ كثير في وقت قصير ، وما ذلك إلا ما دلت تلك الأدلة إضافة إلى ما في الصحيحين من حديث المغيرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله."(4). قال أهل العلم هم أهل الحديث . وقال بعضهم :إن لم يكونوا أهل الحديث فما أدري من هم ؟؟.
والشاهد من الحديث أن الظهور لا يكون إلا بالحق والهدى والعلم ، قال الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا  ﴾ [الفتح/28] فلما مكنه الله بالهدى ودين الحق أظهره الله على الدين كله ، فسبيل الظهور وسبيل النصر وسبيل الاستفادة هو ما تقدم ذكره من الأدلة مع طريقة السلف رضوان الله عليهم الذين حفظوا هذا الدين(5)، استفادوا فائدة عظيمة في ذلك،ولا تكاد تجد على وجه البسيطة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى ماشاء الله من حمل الدين حملا صحيحا غير أهل العلم بالكتاب والسنة والعمل بذلك ، أما أهل الأهواء وإن أفادوا بشيء من العلم شابوه بالبدع والضلالات فضيعوا فائدته ونفعه على المسلمين بل جلبوا لهم النكبات .
` - السبيل الخامس : تقوى الله تعالى .
فهو سبيل للاستفادة في الدنيا والآخرة (6) أبانه الله عز وجل بقوله :﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق/2] والجهل لا شك أنه ضيق ومأزق ، وأنه يعتبر شدة وضياعا لصاحبه فمن أعظم المخارج الذي يتحصل عليها الإنسان هو المخرج من الجهل إلى العلم ،(7) والمخرج من الضلال إلى الهدى والمخرج من الغي إلى الرشد والمخرج من البدعة إلى السنة المخرج من الكفر إلى الإسلام والاستقامة ، هذه هي المخارج النافعة في الدنيا والآخرة .التي مما وعد الله سبحانه وتعالى بها في كتابه لمن اتقى ، ومع هذا كله وعده الله عز وجل بأن يفرق بين الحق والباطل ، وهذا لا يتأتى إلا لذوي العلم الذين يعقلون الأمور ، قال الله تعالى : ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾[العنكبوت/43] وقال تعالى : ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء/83] فدل هذا على أن التفريق بين الحق والباطل كما أراد الله عز وجل هذا وظيفة الأنبياء ووظيفة ورثة الأنبياء ، لأن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر (8)، يؤيد ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله ، و من عصى محمدا فقد عصى الله ، و محمد فرق بين الناس" (9). أي فرق بين الحق والباطل .
` - السبيل السادس : اليقين مع الصبر والحرص على تحصيله .
والله سبحانه وتعالى وعد بذلك أن من سلك اليقين مع الصبر سيمن عليه بالإمامة في الدين ، ولا يكون ذلك إلا لمن بلغ ذروة في العلم ، أخبر الله تعالى لمن قبلنا بقوله :﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة/24] (10)، فعلى المسلم أن يعلم يقينا أن الله سبحانه وتعالى كريم وأكرم وأن يعتقد ذلك ، قال الله تعالى : ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾[العلق/3-5] وقال :﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الإنفطار/6] .
فالله هو الكريم والأكرم سبحانه ، فمن كان على يقين أن الله لن يضيع من في سبيله فلن يضيعه ، وسيمن الله عزوجل بما قد قدره الله من العلم ، وهذا اليقين دل عليه ما علمتموه من ثبات الأنبياء ويقينهم بالحق ، فنبي الله نوح صلى الله عليه وسلم يقول :﴿ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس/72]  ونبي الله هود صلى الله عليه وسلم يقول :﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود/54-57]
          أمر مهم ، اليقين فإن الله سبحانه أمر بذلك ، قال الله عز وجل:﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين﴾ [يوسف/108] سبيل الإمامة في الدين ، اليقين والاقتناع بهذا الحق المبين والاجتهاد في تحقيقه: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس/32]
إياك أيها السني والذبذبة ، إياك أيها السني والتقلبات ،إياك أيها السني والتأرجحات ، فإن هذا حاجز بينك وبين الاستفادة مهما طلبت العلم واجتهدت وقد ذم الله عز وجل هذه الأفعال بقوله :﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُون﴾ [الدخان/9] وقوله :﴿ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة/45]
 والصبر على تحصيل العلم ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران/200] وأعظم ما تتحصل به العلم النافع بما تبذله من الصبر ، اصبر على العلم وعلى تلقيه وعلى تحصيله .
 أبو هريرة رضي الله عنه صبر على الجوع وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من خمسة آلاف حديث ، فكأن بعض الناس تعجبوا من هذه الكثرة ، قال أبو هريرة ت:  يقولون إن أبا هريرة قد أكثر والله الموعد، ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه وسأخبركم عن ذلك إن إخوانى من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضيهم وإن إخوانى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ملء بطنى فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا .[رواه مسلم]
ثابر على تحصيل العلم ، وحرص على الاستفادة فيه ، ففي الصحيح عن أبي هريرة أنه قال : قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة فقال « لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألنى عن هذا الحديث أحد أول منك ، لما رأيت من حرصك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال لا إله إلا الله . خالصا من قبل نفسه »(11)
وبوب الإمام البخاري باب الحرص على العلم وذكر هذا الحديث .
 ومن الحرص على العلم كتابته وحفظه ، وهذا من أعظم الوسائل للحصول عليه ، وفي صحيح مسلم عن عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا.
والرحبي رحمه الله يقول :
واعـــلم بأن الإرث نوعان هـما
فالفـــرض في نص الكتاب سته
نصف وربع ثم نصف الــــربع
والثلثان هـــمــــا التمـــــام
 
فــرض وتعصيب عــلى ما قُسمَا
لا فـرض في الإرث سواها البتـه
والثلث والسدس بنص الشــرع
فاحــفظ فـكل حـــافظ إمـــام
ومن الحرص عليه وتحصيله ، وابن عباس رضي الله عنه كان يدور من شيخ إلى شيخ من الصحابة ي أجمعين، وربما ذهب إلى مكان الصحابي عند بابه حتى يخرج، ويأخذ منه بعض المعلومات وبعض الأحاديث، ويقول الصحابي: يا ابن عم رسول الله، لو دعوتنا لأجبناك، فيقول: العلم يؤتى((12)) ، وكذلك حرص على العلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى صار يلقب بترجمان القرآن وبحبر الأمة كل ذلك بسبب صبره وتلقيه وحرصه عليه .
وعن عمران بن حصين - رضى الله عنهما - قال دخلت على النبى - صلى الله عليه وسلم - وعقلت ناقتى بالباب ، فأتاه ناس من بنى تميم فقال « اقبلوا البشرى يا بنى تميم » . قالوا قد بشرتنا فأعطنا . مرتين ، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال « اقبلوا البشرى يا أهل اليمن ، إذ لم يقبلها بنو تميم » . قالوا قد قبلنا يا رسول الله ، قالوا جئناك نسألك عن هذا الأمر قال « كان الله ولم يكن شىء غيره ، وكان عرشه على الماء ، وكتب فى الذكر كل شىء ، وخلق السموات والأرض » . فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين . فانطلقت فإذا هى يقطع دونها السراب ، فوالله لوددت أنى كنت تركتها .(13)
فلما كانوا حارصين إلى العلم انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يحدثهم ، ويفيدهم بذلك العلم الذي هو خير من الدنيا وما فيها . هذه نماذج من الحرص على العلم ، والتمسك بالسنة والثبات عليها .(14)
الزهرى رحمه الله  قال : كان من مضى من علمائنا يقولون : الاعتصام بالسنة نجاة ، والعلم يقبض قبضا سريعا ، فنعش العلم ثبات الدين والدنيا ، وفى ذهاب العلم ذهاب ذلك كله. ثبت ذلك في مقدمة سنن الدارمى (ج 1 / ص 114).
______________________
(1) عن حسان بن عطية ، قال : « خمس كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين بإحسان : اتباع السنة ، ولزوم الجماعة ، وتلاوة القرآن ، والجهاد في سبيل الله » قال أبو عبد الله : وأظن قال : وعمارة المساجد. [ أخرجه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (ج 2 / ص 299) وإسناده حسن ]
(2) صحيح البخارى (ج 10 / ص 17 رقم: 2697) و صحيح مسلم - (ج 11 / ص 402 رقم:4589) عن عائشة ل.
(3) في حلية الأولياء (ج 4 / ص 200):حدثنا أبي وأبو محمد بن حيان، قالا: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا أحمد بن محمد بن بكر القرشي، قال: سمعت أبا عبد الله الساجي يقول: خمس خصال ينبغي للمؤمن أن يعرفها؛ إحداهن: معرفة الله تعالى، والثانية: معرفة الحق، والثالثة: إخلاص العمل لله، والرابعة: العمل بالسنة، والخامسة: أكل الحلال فإن عرف الله ولم يعرف الحق لم ينتفع بالمعرفة، وإن عرف ولم يخلص العمل لله لم ينتفع بمعرفة الله، وإن عرف ولم يكن على السنة لم ينفعه، وإن عرف ولم يكن المأكل من حلال لم ينتفع بالخمس.
(4) أخرجه البخارى (6/2667 ، رقم 6881) ، ومسلم (3/1523 ، رقم 1921)
(5) قال ابن رجب رحمه الله في فضل علم السلف على الخلف - (ج 1 / ص 5) وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم. فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله. ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين. وهذا يلزم منه ما قبله لأن هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين أكثر قولا ممن كان قبلهم فإذا كان من بعدهم أعلم منهم لاتساع قوله كان أعلم ممن كان أقل منهم قولا بطريق الأولى. كالثوري والأوزاعي والليث. وابن المبارك. وطبقتهم. وممن قبلهم من التابعين والصحابة أيضاً.
فإن هؤلاء كلهم أقل كلاماً ممن جاء بعدهم وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح وإساءة ظن بهم ونسبته لهم إلى الجهل وقصور العلم ولا حول ولا قوة إلا باللَه ولقد صدق ابن مسعود في قوله في الصحابة أنهم أبر الأمة قلوباً. وأعمقها علوماً. وأقلها تكلفاً. وروي نحوه عن ابن عمر أيضاً. وفي هذا إشارة إلى أن من بعدهم أقل علوماً وأكثر تكلفاً.
وقال ابن مسعوداً أيضاً إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح ومن كان بالعكس فهو مذموم. وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن بالإيمان والفقه. وأهل اليمن أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك. وهذا هو الفقه والعلم النافع فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثوراً عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم الذين سميناهم فيما سبق.
فضبط ما روي عنه في ذلك أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه إلا أن يكون شرحاً لكلام يتعلق من كلامهم وأما ما كان مخالفاً لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه. وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة مالا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم يه.
(6) في الآداب الشرعية(ج 2 / ص 105): وعن سفيان قال : إنما فضل العالم على غيره لأنه يتقي ربه . وقال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة(ج 1 / ص 122): قال بعض السلف الايمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وثمرته العلم.
(7) قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (ج 18 / ص 178): فكل من تعليم الرب وتقوى العبد يقارب الآخر ويلازمه ويقتضه فمتى علمه الله العلم النافع إقترن به التقوى بحسب ذلك ومتى اتقاه زاده من العلم وهلم جرا.
(8) أخرجه أحمد (5/196 ، رقم 21763) ، وأبو داود (3/317 ، رقم 3641) ، والترمذى (5/48 ، رقم 2682) عن أبى الدرداء وهو في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 17) : ( وهو حسن لغيره ).
(9) من حديث جبير بن نفير أخرجه أحمد ( 6 / 2 - 3 ) وغيره وهو حديث صحيح.
(10) قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (ج 3 / ص 358): فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعا لمن بعده كما كان تابعا لمن قبله. قال العلامة ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (ج 1 / ص 81) بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين وهي أرفع مراتب الصديقين واليقين هو كمال العلم وغايته فبتكميل مرتبة العلم تحصل إمامة الدين وهي ولاية آلتها العلم يختص الله بها من يشاء من عباده.اهـ
(11) البخاري (6570)
(12) [1]) أخرجه ابن سعد (2/367‑368)، والفسوي (1/542)، والحاكم (3/538) من طريق جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: لما توفي رسول الله ص، قلت لرجل من الأنصار: هلمَّ نسأل أصحاب رسول الله ص؛ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي ص من ترى؟ فترك ذلك، وأقبلت على المسألة؛ فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح التراب عليَّ، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله، ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسألك. قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس، فقال: هذا الفتى أعقل مني. وهذا إسناد صحيح، وأورده الهيثمي في ”المجمع“ (9/277)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
و في الآداب الشرعية - (ج 2 / ص 121) قال: وقال مالك وجه إلي الرشيد أن أحدثه فقلت يا أمير المؤمنين إن العلم يؤتى ولا يأتي . فصار إلى منزلي فاستند معي على الجدار فقلت له يا أمير المؤمنين إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم ، فقام فجلس بين يدي قال فقال بعد مدة : يا أبا عبد الله تواضعنا لعلمك فانتفعنا به. اهـ
(13) صحيح البخارى (ج 11 / ص 330 رقم: 3191)
(14) في سير أعلام النبلاء (ج 13 / ص 266) وقال الرازي: وسمعت علي بن أحمد الخوارزمي يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل: النسخ والمقابلة. قال: فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا، فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه. ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد .
`- السبيل السابع: كتابة العلم.
و من وسائله كتابته ، فإن الكتابة يستطيع صاحبها أن يراجع ما سقطت ، فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه يقول: ما من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثا عنه منى ، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب .(1) وهذا مشكل في الحقيقة ، إذ ما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أقل مما روى أبو هريرة رضي الله عنه ولا شك في ذلك في أول الأمر أن ما تحصل لعبد الله بن عمرو على كثير من الأحاديث مما تحصل لأبي هريرة لأنه كان يكتب ثم إن النبي  رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال يوما: « أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثى هذا ثم يجمعه إلى صدره فإنه لم ينس شيئا سمعه ». فبسطت بردة على حتى فرغ من حديثه ثم جمعتها إلى صدرى فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثنى به.
فيكون ما صدر أبو هريرة رضي الله عنه أكثر وأثبت مما يكتب في الدفاتر ببركة ما قاله له النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا يدل على أن الكتابة مهمة لطالب العلم(2) .
 يؤيد ذلك ما في الصحيح عن أبي  جحيفة رضي الله عنه قال : سألت عليا هل عندكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شىء بعد القرآن فقال لا والذى فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله رجلا فى القرآن أو ما فى هذه الصحيفة قلت وما فى الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر.(3) 
 وعن على - رضى الله عنه - قال ما عندنا شىء إلا كتاب الله ، وهذه الصحيفة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - « المدينة حرم ، ما بين عائر إلى كذا ، من أحدث فيها حدثا ، أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل » . وقال « ذمة المسلمين واحدة ، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ، ومن تولى قوما بغير إذن مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل »(4)
إذا هذه الصحيحة مع علي بن طالب رضي الله عنه فيها علم نافع جدا ، ربما لو أراد أحد أن يشرح صحيفة علي لكان في مجلد لاستوعب مجلدات ، وربما بعض المجلدات مؤلف في شرح فقرة من فقرات تلك الصحيفة ، فيما يتعلق بالديات وفيما يتعلق بأحكام الكفار وأنه لا يقتل المؤمن بكافر ، فيما يتعلق بحقوق الوالدين وحقوق الموالي وغير ذلك مما اشتملت عليه تلك الصحيفة التي كتبها علي بن أبي طالب رضي الله عنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال لما فتح الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مكة قام فى الناس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ثم قال « إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، فإنها لا تحل لأحد كان قبلى ، وإنها أحلت لى ساعة من نهار ، وإنها لا تحل لأحد بعدى ، فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، إما أن يفدى ، وإما أن يقيد » . فقال العباس إلا الإذخر ، فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إلا الإذخر » . فقام أبو شاه - رجل من أهل اليمن - فقال اكتبوا لى يا رسول الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « اكتبوا لأبى شاه » .(5) وهذا يدل على أن مكة فتحت عنوة .
______________________
(1) صحيح البخارى (113).
(2) قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (ج 1 / ص 278): التعليم بالقلم الذي هو من أعظم نعمه على عباده إذ به تخلد العلوم وتثبت الحقوق وتعلم الوصايا وتحفظ الشهادات ويضبط حساب المعاملات الواقعة بين الناس وبه تقيد أخبار الماضين للباقين اللاحقين، ولولا الكتابة لانقطعت اخبار بعض الأزمنة عن بعض ودرست السنن وتخبطت الأحكام ولم يعرف الخلف مذاهب السلف، وكان معظم الخلل الداخل على الناس في دينهم ودنياهم إنمايعتريهم من النسيان الذي يمحو صور العلم من قلوبهم فجعل لهم الكتاب وعاء حافظا للعلم من الضياع كالأوعية التي تحفظ الامتعة من الذهاب والبطلان فنعمة الله عن وجل بتعليم القلم بعد القرآن من أجل النعم.
(3) البخارى (6/2534 ، رقم 6517)
(4) البخارى (3/1160، رقم 3008) ، ومسلم (2/994 ، رقم 1370)
(5) أخرجه البخارى (2/857 ، رقم 2302) ، ومسلم (2/988 ، رقم 1355)
`- السبيل الثامن : الدنو والإنصات للمعلم وشكره.
وإذا تعلمت عند شخص وهو في واد وأنت في آخر أو تعلمت عنده وأنت مبغض له ،أو تعلمت عنده وهو ليس على استقامة فكل ذلك ليس سبيل الاستفادة البتة.(1)
عن أبى سلمة قال : لو رفقت بابن عباس لأصبت منه علما كثيرا.(2)
وفي الصحيحين  عن أبى واقد الليثى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس فى المسجد والناس معه ، إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد ، قال فوقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما أحدهما فرأى فرجة فى الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « ألا أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى إلى الله ، فآواه الله ، وأما الآخر فاستحيا ، فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض ، فأعرض الله عنه »(3)
وثبت من حديث أبي هريرةتقال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:« من لم يشكر الناس لم يشكر الله ».(4) دل هذا على أنه من لا يشكر الناس لا يشكر الله ودليله منطوق واضح .(5)
______________________
(1) في سير أعلام النبلاء (ج 10 / ص 521) : وبلغنا أن يحيى بن يحيى الليثي كان عند مالك بن أنس رحمه الله، فمر على باب مالك الفيل، فخرج كل من كان في مجلسه لرؤية الفيل، سوى يحيى بن يحيى، فلم يقم، فأعجب به مالك، وسأله: من أنت ؟ وأين بلدك ؟ ثم لم يزل بعد مكرما له. وفي ترجمة أبي عاصم النبيل (ج 9 / ص 482): وكان فيه مزاح، ويقال: إنما قيل له: النبيل، لان فيلا قدم البصرة، فذهب الناس ينظرون إليه، فقال له ابن جريج: مالك لا تنظر ؟ قال: لا أجد منك عوضا، قال: أنت نبيل.
(2) سنن الدارمى (ج 1 / ص 458 رقم: 420): أخبرنا أبو معمر : إسماعيل بن إبراهيم عن سفيان عن الزهرى عن أبى سلمة.و سنده صحيح.
(3) أخرجه البخارى (1/36 ، رقم 66) ، ومسلم (4/1713 ، رقم 2176)
(4) وجاء أيضا من حديث أبى سعيد : أخرجه أحمد (3/32 ، رقم 11298) ، والترمذى (4/339 ، رقم 1955) وقال : حسن صحيح . وأبو يعلى (2/365 ، رقم 1122) ، والطبرانى (2/356 ، رقم 2501) . قال الهيثمى (8/181) : رجاله رجال الصحيح .ومن حديث جرير : أخرجه الطبرانى (2/356 ، رقم 2501) سنن الترمذى (ج 7 / ص 435) وفى الباب عن أبى هريرة والأشعث بن قيس والنعمان بن بشير. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.
(5) قال ابن المفلح رحمه الله في الآداب الشرعية (ج 1 / ص 388): قال في النهاية : معناه أن الله تعالى لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر أمرهم ؛ لاتصال أحد الأمرين بالآخر ، وقيل معناه : أن من كان عادته وطبعه كفران نعمة الناس وترك شكره لهم كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له ، وقيل معناه أن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر الله عز وجل وأن شكره كما تقول لا يحبني من لا يحبك أي : أن محبتك مقرونة بمحبتي فمن أحبني يحبك ، ومن لا يحبك فكأنه لم يحبني . وهذه الأقوال مبنية على رفع اسم الله عز وجل ونصبه .
` - السبيل التاسع : التواضع وعدم الكبر.
إياك - يا طالب العلم - والكبر على العلم والكبر على عباده المؤمنين ، والزم التواضع وهو سبيل مهم من أسباب الاستفادة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أبان أنه " ما تواضع أحد إلا رفعه الله" . رواه مسلم عن أبي هريرة ت(1) ، وهو سنة الله في خلقه أن من تواضع لله رفعه ، وما تكبر أحد إلا وضعه الله .
ومن رفعة الله لك يا طالب العلم أن يفتح الله عليك بالعلم ، قال تعالى :﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة/11] والله أعلم كم مقدار تلك الدرجات والرفعة عامة في الدنيا والآخرة ، وبالمقابل أيضا ما يحصل للمتكبر من الضعف ومن صرفه عن الخير كله ، قال الله سبحانه :﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ﴾ [الأعراف/146] والله قد أخبر أنه سيصرف المتكبر عن آياته ، وهذا الصرف شامل لصرفه عن أخذها حقا ولصرفه عن العمل بها حقا ولصرفه عن فهمها حقا ولصرفه عن الاستفادة منها حقا ، فإذا المصروف غير مستفيد مهما بذل من جهد ، فهو مصروف بكبره.(2)
______________________
(1) صحيح مسلم (4/2001 ، رقم 2588)
(2) في الآداب الشرعية (ج 2 / ص 127) وروى ابن الجوزي بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي قال كان الرجل إذا لقي من هو فوقه في العلم كان يوم غنيمة . وإذا لقي من هو مثله دارسه وتعلم منه ، وإذا لقي من دونه تواضع له وعلمه . وقال وكيع : لا يكون الرجل عالما حتى يسمع ممن هو أسن منه ومن هو مثله ومن هو دونه في السن . هذه طريقة الإمام أحمد على ما ذكره البيهقي في مناقبه وغيره .
`- السبيل العاشر : العمل بالعلم.
علينا وعليكم بالعمل بالعلم ، فإن العمل بالعلم فائدة عظيمة وهو سبيل للاستفادة ، ومن تعلم ولم بيعمل لم يستفد ، وصار علمه حجة عليه ، لما روى مسلم في صحيحه عن أبى مالك الأشعرى قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان. وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السموات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها »(1). أي حجة لك إن أنت تعمل به وحجة عليك إن لم تعمل به .(2)
______________________
(1) أخرجه مسلم (1/203 ، رقم 223) وأحمد (5/342 ، رقم 22953) ، ، والترمذى (5/535 ، رقم 3517) والدارمى (1/174 ، رقم 653)
(2) قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (ج 1 / ص 100): ومن كلام بعض السلف يهتف العلم بالعمل فان اجابه حل والا ارتحل وقال بعض السلف كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به فترك العمل بالعلم من أقوى الأسباب في ذهابه ونسيانه وأيضا فإن العلم يراد للعمل فإنه يمنزلة الدليل للسائر فإذا لم يسر خلف الدليل لم ينتفع بدلالته فنزل منزلة من لم يعلم شيئا لأن من علم ولم يعمل بمنزلة الجاهل الذي لا يعلم كما ان من ملك ذهبا وفضة وجاع وعرى ولم يشتر منها ما يأكل ويلبس فهو بمنزلة الفقير العادم كما قيل :                      
ومن ترك الانفاق عند احتياجه ... مخافة فقر فالــذي فعل الفقر
وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 40) فالعلم النافع هو أصل الهدى والعمل بالحق هوالرشاد وضد الاول الضلال وضد الثانى الغى فالضلال العمل بغير علم والغى اتباع الهوى.اهـ
`- السبيل الحادي عشر : العناية بالقرآن.
وهو من أعظم أسباب الاستفادة ، قال تعالى :﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك ﴾[الأنعام/92] وقال سبحانه :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء/9] وقال تعالى :﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون ﴾[يونس/57-58].
 فهذه فائدة عظيمة تتحصل عليها بإقبالها على أهم العلوم ، الأهم فالأهم(1) ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن قال : « إنك ستأتى قوما أهل كتاب ، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك ، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب » (2)
          وفعلا أن الظلم من أسباب البعد والصرف عن الهدى ، لقول الله عز وجل :﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه/111] فأنت أيها الطالب تحتاج إلى أن تصفي نفسك عن الظلم حتى لا تصيبك الخيبة ، وتحتاج إلى أن تقيم دين الله في نفسك وغيرتستطيع بقدر ما تست ، حتى يمكنك الله من العلم. قال تعالى :﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى/13]
التفرق في الدين سبب الضعف على العباد ، قال تعالى :﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم﴾ [الأنفال/46] أنت بحاجة أن تعتصم بحبل الله ، قال تعالى : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ ا
تمت الطباعه من - https://sh-yahia.net/show_sound_338.html