2009/03/27
خطبة عيد الفطر لعام 1429هـ

[(175خطبة العيد الفطر 1429هـ)]

خطبة عيد الفطر لعام: (1429هـ)

(للشيخ المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)

=================================

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس! في هذا اليوم العظيم شرع عيد وتذكر لنعمة الله عز وجل، وشعور بالفرح؛ وما ذلك إلا ما دل عليه مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما في الحديث القدسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».

«الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه».

فهذا العيد شرع فرحاً لفطره من شهر عظيم مبارك يعتبر من خصائص هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ميزها الله وكرمها الله واختصها الله عز وجل بخصائص، ومن تلك الخصائص أن جعلها خير أمة أخرجت للناس، قال الله عز وجل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾[آل عمران:110]، وأن جعلها عدلاً خياراً الأمة الوسط، قال الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة:143]، ميزها الله سبحانه وتعالى، وجعل فيها الطائفة المنصورة كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تزال طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى قيام الساعة»، ميزها الله سبحانه وجعلها من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل نبيها خير الأنبياء وهي خير الأمم ودينها هو الدين الكامل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:3]، وجعله الدين الشامل: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾[الأنعام:38]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار»، وجعله الدين الباقي إلى قيام الساعة لا ينسخ ولا يبدل، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾[الإسراء:9].

اختص الله هذه الأمة بهذا الشهر العظيم، شهر ليس من الشهور مثله، فرض الله صيامه وسن قيامه: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، وقال عليه الصلاة والسلام: «ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».

شهر مكفر من مكفرات الذنوب، يقترف الإنسان الآثام ثم قد مَنَّ الله عز وجل على العباد بمكفرات لذنوبهم، من ذلك هذا الشهر الكريم، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر»، شهر تصفد فيه الشياطين، مردة الشياطين تصفد أي: تغلغل وتسلسل، تصفد فيه الشياطين وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، كما ثبت ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين».

شهر من صامه مع توحيد الله كان ذلك من أسباب دخول الجنة له بإذن الله سبحانه وتعالى، كما ثبت عند أحمد والترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في منى في أعظم جمع في ذلك الوقت، في أعظم موضع هناك، فقال: «اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم».

فهذا الشهر يعتبر خصوصية عظيمة لهذه الأمة، ينبغي أن يحرص عليه المسلم، وإنه لحرمان والله أن يفوت الإنسان هذا الشهر، فينصرم الشهر دون أن يغفر للعبد، دون أن يقبل على طاعة الله، ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر يوم الجمعة، فقال: آمين، ثم الدرجة الأخرى، فقال: آمين، ثم الدرجة الثالثة، فقال: آمين، قالوا: يا رسول الله سمعناك تقول: آمين.. آمين.. آمين؟ قال: إني صعدت الدرجة الأولى، فقال جبريل: بعد من أدركه رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، فقال جبريل: بعد من أدرك والديه عند الكبر فلم يغفر له، فقلت: آمين، فقال جبريل: بعد من ذُكِرتَ عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين».

فهذا من أسباب البعد أن يمر رمضان بغفلة وينشغل الناس عن ذكر الله فيه، إنه شهر عظيم، شهر للتوبة، شهر كذلك أيضاً لكسح الشهوات، شهر لجمع الحسنات ومضاعفة الحسنات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل القرآن كل شهر مرة، وقبل موته دارسه مرتين، واعتكف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، لا يمكن هذا إلا أن تكون في شهر من الشهور على الصحيح، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾[القدر:1-5]، أي: من غروب الشمس إلى وقت طلوع الفجر، وهي في رمضان، بدليل قول الله عز وجل: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾[الدخان:1-5]، أي: في ليلة القدر يفرق كل أمر حكيم، وربما يجعل الله سبحانه وتعالى عبداً من عباده كان مسيئاً، فيقلب قلبه إلى طاعة الله، وتفرق الأمور في ذلك اليوم، هنيئاً لمن قام تلك الليلة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، أي: إيماناً بشرعيتها واستعذابها، واحتساباً للأجر عند الله سبحانه وتعالى فيها.

أيها الناس! إن هذا الشهر الكريم بصيامه وقيامه والفطر منه من دواعي الفرح في هذا اليوم، والناس يفرحون بذلك فرحاً عظيماً، وهذا أمر مشروع، وهو عيد المسلمين، كما أن عيد الأضحى هو عيد المسلمين، كما أن يوم الجمعة عيد المسلمين، كل ذلك ثابتة به الأدلة، وليس هناك أعياد غير هذه الأعياد، الأضحى والفطر وأيام التشريق، ويوم الجمعة، فينبغي للمسلمين أن يعظموا ما عظم الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام المباركة: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحج:32]، ويحذرون عن تقليد الكفار من الأعياد المخالفة المبتدعة، ويتجنبون ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وقال عليه الصلاة والسلام: «ومن تشبه بقوم فهو منهم».

هذا هو موطن الفرح بطاعة الله سبحانه وتعالى، الناس يفرحون بالدنيا كما أخبر الله عن الكافرين والمشركين، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾[الرعد:26]، وقال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[آل عمران:14-15]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[الحديد:20]، لكن الفرح الأعظم الذي قد أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الفرح برضاء الله سبحانه وتعالى، كما دل عليه الحديث المذكور: «وفرح عند لقاء ربه»، هذا هو فرح المؤمنين حقاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن إذا بشر بلقاء الله فرح بذلك»، وثبت ذلك في حديث أبي هريرة ، وفي حديث أبي سعيد في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وضعت الجنازة واحتملها الناس على الأعناق، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير ذلك قالت: يا وليها أين يذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها لصعق».

هذا فرح الآن، هذا خروج من السجن، فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فإذا تخلص ذلك المؤمن من هذا السجن»، وصار مستبشراً بلقاء الله يفرح فرحاً عظيماً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾[فصلت:30-31].

هكذا أيضاً فرحه في القبر حين أن يوضع في قبره، وتفتح له نافذة إلى الجنة، فيرى ما أعد الله له، ويرى مقعده من الجنة، فيقول: رب أقم الساعة.. رب أقم الساعة لأذهب إلى أهلي ومالي، فهو فرح مستبشر بلقاء ربه من حين إلى آخر، ويزداد فرحه بذلك، يحب لقاء الله: «أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه»، فرحه عند أن يأخذ كتابه بيمينه، وصف الله ذلك في قوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾[الانشقاق:7-13]، لطالما فرح بغير ما يستحق الفرح، فلهذا يحزن في ذلك اليوم، أما المؤمن ففرحه أعظم بلقاء ربه سبحانه وتعالى، ووصف الله ذلك بقوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾[الحاقة:19-24]، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[الروم:56]، وقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾[القصص:80]، ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾[فصلت:35]، كيف لا يفرحون بسعادة عظيمة إذ يقول لهم رب العزة سبحانه: «يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً»، هذا هو الفرح حقاً.

عباد الله! الحرص الحرص على الفرح الحقيقي، هذا فرح بفطر من رمضان وفرح بفضل الله وبرحمته: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس:58]، خير والله من متاع الدنيا الزائل: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾[النساء:77]، ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾[النحل:96]، فرح بأن من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله، كذا ثبت من حديث أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر»، فهذا من المفرحات، ولكن أعظم فرح ما تقدم ذكره أن هذا إعداد يعتبر.

إن هذا الفرح والله هو عبارة عن إشعار لك أيها المسلم وعبارة عن إعلام ولفتة نظر إلى أعظم فرح أنت تقدم عليه، إن هذا الاجتماع هو لفتة نظر إلى أعظم اجتماع فيه يسعد أناس ويشقى آخرون: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾[هود:105-108]، أي: غير مقطوع، ﴿لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾[الواقعة:33]، ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾[القمر:54-55].

أيها الناس! هذا هو الفرح حقاً الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بحديث أبي هريرة قال: «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه».

فليكن هم الإنسان الأعظم هو ذلك الفرح، وليكن هذا الفرح عبارة عن لفتة نظر إلى ذلك الفرح العظيم في يوم فيه فريقان: فريق في الجنة وفريق في السعير، في يوم تظهر فيه الفضائح، في يوم فيه يسعد عباد الله المؤمنون، ويجازون بأعمالهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾[الكهف:107-108].

إن الإنسان في هذه الدنيا إذا فضح بفضيحة خجل، فكيف بفضائح يوم القيامة ومواقف يوم القيامة، إن الإنسان إذا استبشر بهذه الدنيا سر وارتفعت معنوية، فكيف بعزة يوم القيامة؟ العزة لله، ولرسوله وللمؤمنين: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾[فاطر:10].

هذا معنى هذا الحديث: «فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه».

نسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.

والسلام عليكم ورحمة الله.

تمت الطباعه من - https://sh-yahia.net/show_sound_384.html