2019/04/12
خطبة جمعة _ مفرغة _ بعنوان: (( الإعلام بفضل نعمة دين الإسلام ))

 

 

 

 

 

 

 

 

الإعلام بفضل نعمة دين الإسلام

 

 

 

لفضيلة الشيخ

 

يحيى بن علي الحجوري 

 

7  شعبان 1440 هجرية

 

 

الخطبة الأولي:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[آل عمران:102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾[الأحزاب:70-71].

أمَّا بعد :

فإن نعم  الله على عباده لا تحصى ولا تعد، قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم:34].

كيف و الانسان يتقلب في نعمة الله الظاهرة والباطنة فما من نعمة هو فيها إلا وهي من الله سبحانه وتعالى؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾[النحل:53].

فنعمة السمع والبصر , ونعمة الشم والطعم ونعم الصحة والعافية التي يغبن فيها كثير من الناس كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ "([1]).

ونعمة الولد والأهل و المال ونعمة الوقت والحفاظ عليه وغير ذلك من النعم التي لا يستطاع حصرها كما أخبر الله سبحانه وتعالى , ولكن عباد الله إن أعظم نعمة على العباد هي  نعمة دين الإسلام؛ نعمة كاملة وغيرها من النعم قاصرة، المال و الولد و الأهل, كلها نعم زائلة ؛ لكن نعمة الاسلام نعمة دائمة كاملة ؛ قال الله عز وجل:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ﴾[المائدة:3].

وهذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه و سلم في يوم عرفة وهو بعرفة في حجة الوداع , فأبان الله عز وجل له أنه أكمل له الدين وأتم له النعم ولأمته واشتملت هذه الآية على أن هذا الدين دين نعمة وأنه كامل , هذه النعمة نعمة ليست مخصوصة بل هي شاملة عامة قال تعالى : ﴿ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾[الأنعام:19].

وقال الله : ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام:38] ,أي من أمور دين الله عز وجل , فهي نعمة شاملة وأيضا هي نعمة مستمرة دائمة.

هذه النعمة لا تنقطع ولا تتغير ولا تتبدل فهي دين الله , إلا أن يحصل التبديل أو التغيير من الشخص نفسه بنفسه كما قال الله عز وجل : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال:53].

 فإذا غير الإنسان بنفسه تغير حاله , أمَّا دين  الله عز وجل فهو لا يتغير ولا يتبدل.

 هذه النعمة نعمة النور و انشراح الصدور ؛ يعيش بها الإنسان ,  و غير ذوي النعمة يعيشون في حنادس الظلمات والجهل والمتاهات قال الله : ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام:122].

  فمثل المؤمنين بأنهم في نور ومثل الكافرين بأنهم في ظلمات لا يخرجون منها , وقال الله عز وجل: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر:22].

هذه النعمة نعمة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اختصهم الله بها , وبمن سلك مسلكهم في ذلك قال الله: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [النساء:69] , أنعم الله عليهم بالهداية، أنعم الله عليهم بالعلم  بالإسلام، أنعم الله عليهم بطاعته حتى أدخلهم الله أعظم نعمة وهي الجنة , قال: ﴿ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء:69].

 هذه النعمة أمر الله عز وجل العبد أن يسألها  في كل ركعة : ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة:6].

أي الاسلام , فإن الصراط المستقيم المؤصل إلى جنات النعيم هو الاسلام : ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة:7], وهم اليهود (وَلا الضَّالِّينَ) وهم النصارى.

ففسر المغضوب عليهم باليهود , ولا الضالين النصارى وهذا بلا خلاف عند المفسرين .

هذه النعمة عباد الله تجعلك متميزا على غيرك , من ذوي الجهالات ومن لم يُهدى لها , فالله عز وجل ميزك إيَّها المسلم وكرمك ؛ قال الله : ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [القلم:35-36]، أي: أنكم قد اسأتم الحكم، فحكمكم باطل أن يساوي المسلم بالمجرم، و قال تعالى: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ *وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ  [فاطر:19-22].

 كما أن هذه الأشياء لا تستوي فكذلك لا يستوي مسلم بغير مسلم أبدًا , ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم: «لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ» ([2]) وقال النبي صلى الله عليه و سلم عن رجل مسلم: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا» ([3]).

إنها نعمة عظيمة يجب العناية بها و التفهم لها ، يجب الدعوة إليها و الثبات عليها , إنها نعمة تعصم النفس و الدم وتعصم و المال والعرض ، قال النبي صلى الله عليه و سلم: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ " ([4])  .

وقال النبي صلى الله عليه و سلم : "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ"([5]).

 قال النبي صلى الله عليه و سلمكُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»([6]) و خطب النبي صلى الله عليه و سلم خطبته العظيمة في منى في حجة الوداع فكان مما قال النبي صلى الله عليه و سلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا»([7])،  «وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ» وكان يرفع أصبع للسماء وينكثها للأرض: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ" ([8]) أي أنني بلغتكم هذا إن دماءكم محرمة على بعضكم وأموالكم محرمة على بعضكم إلا بما أحله الله , وأعراضكم إلا بما أباحه الشرع.

نعمة تجعل المسلم له حق على المسلم قال النبي صلى الله عليه و سلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» ([9])، فكفى به إثماً أن يحقره أو أن يُسلمه إلى عدوه , بل يجب عليه أن يحافظ عليه كما يُحب لنفسه من الخير كما قال  النبي صلى الله عليه وسلم: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " ([10]) متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه , اي يُحب لأخيه "مِنَ الْخَيْرِ" ([11]) كما جاء في بض الروايات .

نعمة شملت حقوق العباد بل و حقوق الحيوان؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم حين مرَّ النبي صلى الله عليه و سلم جاء جمل فمدّ جرينه فجعل يجرجر عند النبي صلى الله عليه و سلم، فقال: " أين صاحب هذا الجمل __ وفي لفظ: (أين رب هذا الجمل ربه : بمعنى صاحبه , قال: أنا يا رسول الله , قال: (فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» ([12])   «اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً» ([13]) .

وهكذا ما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ، فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا» .

وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ» ([14]).

إنها نعمة تبعث للإنسان طعمًا وراحة إذا انشرح صدره لها كم قال النبي صلى الله عليه و سلم ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» ([15])  أخرجه مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

وكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن محمدًا رسول الله : «رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ» ([16])  .

نعمة  يُسأل العبد يوم القيامة عنها فمن فرَّط فيها فرَّط  في سائر الخير وفي سائر حياته  الدنيوية والأخروية , إذا وضع في قبره يسأل عنها : "من ربك ما دينك ومن الذي بعث فيكم" , فالسؤال عنها يوم القيامة .

هذه النعمة لا يقبل الله من عبد سواها , قال الله سبحانه : ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85] , فأي دين سوى هذا الدين باطل , الدين عند  الله الإسلام، قال تعالى : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ﴾ [آل عمران:19] ,  دين الملائكة ودين الإنس ودين جميع المكلفين من لدن آدم  إلى قيام الساعة , ولكن الدين في هذا الإسلام بهذا الملة بالمعنى الخاص  وفي الملل المتقدمة على معنى عام.

فمن فارق هذه النعمة فارق الصراط المستقيم , وصار من أصحاب الجحيم ؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85] ، قال الله تعالى : مبينًا أن دين الأنبياء هو دين الإسلام : ﴿ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة:132-133].

 أي أن الأنبياء يوصون بهذه النعمة والحفاظ عليها , ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة:132] , فهي نعمة مصطفاة:﴿ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة:132].

نعمة لا يُعطاها إلا السعداء ولا يثبت عليه إلا ذو الهدى ؛  فهي نعمة التمكين : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور:55].

نعمة لا ترث الآخرة إلا بها : ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء:105].

فلا يرث الجنة ولا الآخرة إلا ذو نعمة الاسلام .

أرسل الله بها الرُّسل وأنزل الله بها الكتب وأقام الله بها الحجج , ومن أجلها قامت السموات والأرض : ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الدخان:38-39].

 وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ [ص:27].

أيُّها الناس إن نعمة الاسلام لا تعدلها نعمة لا في الدنيا ولا في الآخرة فيجب الحفاظ عليها , وعلى شرائعها وعلى مناراتها , وعلى شعائرها : ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج:32].

 يجب الحفاظ على نعمة الاسلام , والحذر من الإحداث فيه ، قال النبي صلى الله عليه و سلم: " أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ" ([17])

نعمة العز و الظهور لمن تمسك بها ، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح:28].

فهذه النعمة عباد الله نعمة يحذر المسلم على نفسه ان يحصل له فيها نقص، أو ضعف , على المسلم  أن يكون فيها قويًا بنعمة الاسلام كما قال الله عز وجل لموسى ;: ﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الأعراف:145].

وقال الله ليحيى ;: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم:12].

وقال النبي صلى الله عليه و سلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ »([18]).

فكل ما كان دينك قويًا متينا كان ذلك أقرب لك إلى ربك سبحانه وتعالى , وضعيف الإيمان فيه خير على قدر ضعف دينه، فاللازم على العبد أن يعتني بدينه وأن يقيم دينه ؛ فالله عز وجل قال:  ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى:13].

هذا هو دين الملة القيمة الملة الحنفية ﴿ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام:161].

وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة:36].

فهذا الدين يُقيم الله من أقامه ويُذل الله من تنكب عنه : ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر:10].

 وقال تعالى: ﴿ وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون:8].

هذا دين الفطر السليمة قال الله : ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم:30].

و قال النبي صلى الله عليه و سلممَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهَِ».

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله , الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه , الحمد لله كما يُحب ربنا ويرضاه.

أمَّا بعدُ: أيُّها الناس اعتزوا بهذه النعمة وحافظوا عليها؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له سفيان بن عبدالله رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ , قَالَ: " قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ " ([19])  أي أخبرني في الاسلام بخبر أثبت فيه وأبقى فيه ثابتًا على ديني أدخل به الجنة .

وقال معاذ رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم:"يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّار" ([20])  أي أعمال الاسلام , فدله على أعمال عظيمة من أركان الاسلام وشعائر الدين .

عباد الله الحذر الحذر من الاخلال بنعمة الاسلام , والاسلام هو السنة والسنة هي الاسلام , فلا انفكاك للسنة عن دين الله ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم مبلغ عن ربه عز وجل وقال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ﴾ [الأحزاب:21]. و قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[المائدة: 67] و قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[النساء: 113] و قال تعالى: ﴿ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44]

 وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب:36].

و الحفاظ على هذا الدين بإقامة أركان الإسلام و أركان الإيمان، و يتعلم ما دل عليه كتاب الله و سنة رسوله و سار عليه أئمة الهدى من المعتقد الصحيح وسائر  مكارم الاخلاق وبر الوالدين , فقد قرن الله حقهما بحقه فقال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23] و صلة الرحم و حسن الجوار و سائر شعب الإيمان ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» ([21]), وهذه كلها إذا أنفرد الايمان شمل الاسلام ؛ لأنه لا يكون مؤمنا إلا بإسلام , ولا يكون مسلمًا إلا بأصل الإيمان , فبين الاسلام والايمان افتراق واتفاق , إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا , هكذا يقول أهل العلم، أمّا قول الله تعالى: ﴿ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات:14] , أي يتمكن ويقوى .

فحافظوا على هذا الدين بالتفقه فيه , والتفهم له : فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ([22])  .

حافظوا عليه بالأخوة في الله، فالبغض في  الله والحب في الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أوثق عري الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله " ([23]).

واعلموا أن هذا الدين لا يُعطاه إلا من أكرمه الله وأراد به خيرًا : "وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب" ([24])  .

ففي الصحيحين أَنَّ النبي صلى الله عليه و سلم قال: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"([25])، و هذا هو الواجب هو ذروة الحب في الله أن يحب العبد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من كل محبوب في الدنيا، و هذا لا خلاف في وجوبه، و لا يجد عبد حلاوة الإيمان إلا باجتماع ثلاثة أمور، و هي كما في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ - ثلاث: أي خلال وخصال -: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " ([26]), لو توقد نارًا عظيمة ويُجعل فيها أهون عليه من أن يحصل في دينه خلل أو يرجع عن دينه ؛ لأن الرجوع الحور بعد الكور والرجوع عن الدين خسارة الدنيا والآخرة، قال تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر:15].

 وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة:217].

حافظوا على هذا الدين بالدعوة إليه قال النبي صلى الله عليه و سلم قال لعلي رضي الله عنه: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» ([27]).

و إن هذا الدين صار من حين إلى حين وأهله في غربة , فلا تستوحشوا الطريق فإنها طريق عز و نصر، قال النبي صلى الله عليه و سلم: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» ([28]) .

والشاهد أنهم موعدون بطوبى التي هي الذكر الحسن والطيب الحسن ومنتهى ذلك الجنة ﴿ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [الرعد:29].

حافظوا على هذا الدين بالدعاء بالثبات عليه و بنصره: فقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم :" يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " ([29]) قال "اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي" ([30]), كان النبي صلى الله عليه و سلم  يدعوا بالتثبيت على هذا الدين.

وحافظوا عليه بالقناعة به و الثبات عليه:  لما أتوا النبي صلى الله عليه و سلم وهو متوسد ببرد في ظل الكعبة فشكو عليه ظلم المشركين قال النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» ([31])  , وإنما ثبتهم، وذكر النبي صلى الله عليه و سلم الدجال و فتنته وقال : "يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا" ([32]) .

          وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ» ([33])  أي رأس مال الإنسان دينه فعليه أن يفر به , وما شُرعت الهجرة من أوساط  المشركين إلا فرارًا بالدين , وذاك الذي فرَّ بدينه من أرض السوء ومات في وسط الطريق أخذته ملائكة الرحمة , يفرُّ بدينه من الفتن مما تضر دينه , وإذا حصل للإنسان فتنة في دينه فالموت خيرُ له ؛ كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: "والموت خير للمؤمن من الفتنة" ([34])  وفي الحديث: " وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ" ([35]) , وهذا كله يدل على أهمية الحفاظ على الدين، الحفاظ على السنة، الحفاظ على العمل الصالح , والتفقه في الدين , العلم والعمل , الدعوة إلى ذلك .

كل هذا من دين الله , وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان مسافرًا واستودع دينه حفاظًا على دينه , كان إذا سافر أحد من عنده قال : «أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمْ وَأَمَانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمْ» ([36])  أي أسال الله ان يحفظ  عليك دينك ويحفظ عليك أمانتك ويحفظ عليك خواتيم أعمالك، و قال عليه الصلاة و السلام لابن عباس: " يا غلام أحفظ الله يحفظك"، أي: أحفظ حقوق الله و حدوده و أوامره و نواهيه و دينه.

هذا رأس الأمر أمَّا الدنيا فمتاعها قليل، قال الله تعالى : ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء:77].

من خسر دينه فقد خسر نفسه و  دنياه وآخرته : ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر:15].

وقال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ [المؤمنون:101-104].

اللهم ثبتنا على دينك , اللهم إنَّا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى , اللهم إنَّا نعوذ بك أن نفتن في ديننا , اللهم إنَّا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن , اللهم أحفظنا بحفظك يا خير الحافظين , اللهم أصلح العباد والبلاد , اللهم إنَّا نسألك من فضلك , اللهم أحفظ علينا ديننا ودعوتنا وسائر ما هو خير لنا في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين .

انتهت والحمد لله

 

حمّل الخبطة بصيغة  pdf

 

من هنا 

 

 



([1]) البخاري(2412)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

([2]) البخاري(6764) ومسلم (1614)عَنِ أسامة بن زيد رضي الله عنه.

([3]) البخاري(5091)عَنِ سهل بن سعد رضي الله عنه.

([4]) البخاري(1399) مسلم(20) عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنه.

([5]) البخاري(6878) وسلم(1676)عَنِ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

([6]) البخاري(1218)عَنِ جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

([7]) البخاري(2564)عَنِ أبي هريرة رضي الله عنه.

([8]) البخاري(1741)عَنِ أبي بكرة رضي الله عنه.

([9])البخاري(2564)عَنِ أبي هريرة رضي الله عنه.

([10]) البخاري (13)مسلم (45) عن أنس رضي الله عنه.

([11]) صحيح: أخرجه أحمد في مسنده(13629)

([12]) صحيح: اخرجه أبو داود (2549)عن عبد الله بن جعفر

([13])صحيح: اخرجه أبو داود (2548) عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه.

([14]) صحيح: أخرجه أبو داود (5268).

([15]) مسلم (34).

([16]) مسلم (386).

([17])  البخاري ( 6882 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

([18]) مسلم (2664) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([19]) مسلم(38) عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه.

([20]) صحيح: أخرجه الترمذي (2616).

([21]) البخاري(9)  مسلم(35) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([22]) البخاري(71) مسلم(1037) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

([23]) السلسلة الصحيحة (998) عن ابن عباس رضي الله عنه.

([24]) السلسلة الصحيحة(2714) عن ابن مسعود رضي الله عنه.

([25]) البخاري (15) , مسلم (70) عن أنس رضي الله عنه.

([26])البخاري (16) , مسلم (43) عن أنس رضي الله عنه.

([27]) البخاري(3009) , مسلم(2406)عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

([28])مسلم (232) عن ابي هريرة رضي الله عنه.

([29]) صحيح: الترمذي(3522) عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنه.

([30]) مسلم (2720) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([31]) البخاري (3612) عن خباب بن الأرت رضي الله عنه.

([32]) مسلم (2937) عن النواس بن سمعان رضي الله عنه.

([33]) البخاري (19) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

([34]) السلسلة الصحيحة (813) عن حمود بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه.

([35]) صحيح: أخرجه الترمذي (3233) عن ابن عباس رضي الله عنه.

([36]) صحيح: أخرجه أبو داود (2601) عن عبد الله الخطمي رضي الله عنه.

تمت الطباعه من - https://sh-yahia.net/show_sound_8742.html