الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ -
الصوتيات

إتحاف الافاضل ببيان وجوب مولاة الحق والبراءة من الباطل

18-08-2008 | عدد المشاهدات 6188 | عدد التنزيلات 1293

 

إتحاف الأفاضل
بوجوب موالاة الحق والبراءة من الباطل
([1])

لاستماع الخطبة أضغط هنا

عرض عام:

أرسل الله الرسل وأنزل الكتب من أجل الدعوة إلى توحيد الله وعبادته، ولا يكمل التوحيد ولا يقبل العمل حتى يؤمن المسلم بالله ويكفر بالطاغوت، وموالاة الحق وأهله ومناصرته، والبراءة من الشرك وأهله والبدع وأهلها، ولذلك كان من أهم ركائز دعوة أهل السنة والجماعة (التصفية قبل التربية)، وذلك استنادًا إلى نصوص من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وعمل سلف الأمة رضوان الله عليهم.

العناصر الرئيسية:

دعوة المرسلين

خطر الدعوة إلى الباطل

وجوب البراءة من الباطل

براءة الأنبياء من المبطلين

 [الخطبة الثانية]

براءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن رفض الهدى

عبادة الله لا تكون إلا بموالاة الحق والبراءة من الباطل

 

***

إتحاف الأفاضل بوجوب موالاة الحق والبراءة من الباطل

دعوة المرسلين:

لاستماع الخطبة ابتداء من هذا الموضع أضغط هنا

الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران:102]

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار([2]).

* إخلاص الدعوة إلى الله:

أيها الناس:يقول الله تعالى في كتابه الكريم:  ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ[يوسف:108]، اشتملت هذه الآية على شرح دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبيان طريقته وسبيله الذي أمره الله أن يوضحه لأمته، وأن سبيله هو الدعوة إلى الله؛ قال جل في علاه: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ[فصلت:33]، الدعوة إلى الله أي: خالصة له سبحانه وتعالى، ومن أجله، من دعوة إلى توحيده جل وعلا في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وإخلاص العبادة له تبارك وتعالى، وهذه سبيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، فما بعث الله نبيًّا ولا أرسل رسولًا إلا دعاهم إلى الله.

قال جل شأنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[الأنبياء:25]، أوحى إلى كافة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أن يعبدوا الله عز وجل على ذلك ويدعوا الناس إلى ذلك.

وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ[النحل:36].. ودلت هذه الآية أن دعوة سائر الأنبياء والمرسلين إلى عبادة الله عز وجل، وإلى اجتناب الطاغوت والباطل، كما أن دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخرهم وأفضلهم، وخاتمهم كانت إلى عبادة الله والتحذير من الباطل والشرك والمعاصي.

وقوله تعالى: ﴿أَدْعُوا إِلَى اللهِ[يوسف:108]؛ تدل على الإخلاص له سبحانه وتعالى، فلا يدعى إلى غيره، ومن دعا إلى غير الله من صنم أو وثن أو شخص فإنه يكون مشركًا بالله سبحانه.

ولكن إلى الله تعالى يجب أن تكون الدعوة كل الدعوة، ولا يكون داعيًّا إلى الله إلا إذا كان على هذه الحال وهذه الطريقة -طريقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم-، ومن كان على خلاف ذلك فهو معرض للوعيد الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»([3])، وقبل ذلك قول الحق جل وعلا: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ المَقْبُوحِينَ[القصص: 41-42].

أيها الناس: هذه هي دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، التي أمره ربه ببيانها فقال جل ذكره: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ[يوسف: 108]، (هذه سبيلي) أي: طريقي ودعوتي، (أدعو إلى الله) مخلصًا له، قال سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة: 5]، وقال جل شأنه: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ المُبِينُ[الزمر: 11-15]، فعقب بالخسارة لمن دعا إلى غير الله سبحانه وتعالى، في جلسة أو محاضرة أو خطبة، أو حتى كلمة واحدة لم يقصد بها مرضاة الله سبحانه وتعالى فإنه يكون مشركًا بالله؛ لأن الدعوة إلى الله عز وجل عبادة، وهي سبيل المرسلين، ومن صرف من عبادة الله تبارك وتعالى شيئًا لغيره أشرك بالله، قال عز من قائل: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا[النساء: 36]، وقال جل في علاه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[الإسراء: 23].

خطر الدعوة إلى الباطل

 

لاستماع الخطبة ابتداء من هذا الموضع أضغط هنا

وهنا يعلم أن هناك أناسًا أشركوا بالله في الدعوة، يدعون إلى أشخاص، لا يدعون إلى الله خالصين منيبين مقبلين حنفاء، سواءً دعوا إلى فرعون أو إلى هامان أو إلى اليهود أو إلى النصارى، أو إلى طاغوت من الطواغيت، أو إلى شيء -أيّ شيء- مخالف للحق، وكل دعوة إلى غير الله -كدعوة إلى الشرك أو المعاصي- باطلة، وشرك بالله تعالى، قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ[الحج: 62]، وقال جل جلاله -مبينًا خطر الدعوة إلى الباطل من شرك وغيره-: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[التوبة: 31-32]، دل هذا على أن من دعا إلى شخص من الأشخاص في مخالفة دعوة الله ورسله، أنه تقديس لذلك الشخص، وأنه أمر لا يجوز بحال من الأحوال، ولو كان نبيًّا من الأنبياء، أو رسول من الرسل.. فكيف بمن عدا ذلك؟! الدعوة يجب أن تكون إلى الله من أجل مرضاته عز وجل.

* ذم من دعا إلى الباطل:

وهكذا ذم الله تعالى أناسًا من أهل الكتاب لدعوتهم إلى الباطل فقال جل وعلا: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[آل عمران: 71]، وقال تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهمْ[محمد: 1-3]، ثم أباح أعناق أولئك الذين يدعون إلى الباطل فقال عز من قائل: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ[محمد: 4]، أعناقهم أبيحت من أجل الباطل الذي دعوا إليه.

فلابد من سلوك دعوة رسل الله عليهم الصلاة والسلام.

وجوب البراءة من الباطل:

 

لاستماع الخطبة ابتداء من هذا الموضع أضغط هنا

البراءة من الباطل أمر لابد منه، والتوحيد هو: إفراد الله بالعبادة ويستلزم الكفر بالطاغوت أيضًا، وترك عبادة ما سواه جل في علاه، ولهذا قدم الله تعالى الكفر بالطاغوت قبل الإيمان به سبحانه فقال: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[البقرة: 256]؛ لأنه إن لم يكفر بالطاغوت فلن يصح له إيمان، ولن تقبل له طاعة إلا بعد أن يكفر الباطل، ولا هذا كانت (التصفية قبل التربية)، فبعد الكفر بالطاغوت والبراءة من الباطل يصفو لك أن تؤمن بالله إيمانًا صحيحًا، أما أن تشرك بالله غيره، أو تؤمن بالباطل وتدعي إيمانك بالحق؛ فهذا غير مقبول منك، قال تعالى بعد أن ذكر بعض أنبيائه: ﴿ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأنعام: 88]، وما ذلك إلا شرك العرب -قريش وغيرها- عبدوا الله وعبدوا غيره معه، ومن أجله عذب من مات عليه، وحذر منه الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء، قال جل جلاله: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[الزمر: 65-66].

* بطلان أي عمل بالشرك:

أي عمل لك -أيها المسلم- لا يقبل، فصلاتك باطلة، وصومك باطل، وزكاتك وصدقتك باطلة، وحجك ونسكك باطل، وبرك بوالديك، وحسن جوارك، ودماثة أخلاقك مع الناس، وطلبك للعلم، وحتى لو كنت عالمًا.. كل ذلك لن ينفعك في قليل ولا كثير، ولا نقير ولا قطمير؛ إلا أن تصحح توحيدك لله سبحانه وتعالى توحيدًا خالصًا لله سبحانه وتعالى، مع الكفر بالطاغوت، فإن الإيمان بالطاغوت ناقض للتوحيد من أصله وأساسه.. وأمر مهم -عباد الله- أن يبرأ المسلم من الباطل ومن الشرك ومن أهل الشرك، وكافة أهل الباطل بشتى أنواعهم، كل بحسبه.. قال سبحانه وتعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ[المجادلة: 22]، هذه عقيدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذه هي العقيدة التي أنزلها الله وتعبدنا سبحانه بها.. براءة ونفي لكل منكر وباطل، من عصبية وحزبية وكل ما يخالف دين الله جل في علاه، حتى وإن كان من الوالدين أو الأقربين، فلا تتعصب لأحد ولا تقدم قوله على الحق؛ فإن ذلك منك شرك، قال تبارك وتعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا[البقرة: 166-167].

* خسارة من دعا إلى الباطل يوم القيامة:

يا أخي المسلم! سيتبرأ منك أبوك وأخوك وأمك وأقرب الأقربين إليك.. كلهم يوم القيامة لن يغنوا عنك من الله شيئًا، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ[عبس: 34-37]، وقال سبحانه: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى[المعارج: 11-15]، شرك في الدعوة ضعف في الولاء والبراء عند الناس كثير إلا من رحم الله.

لابد من الكفر بالباطل والإيمان بالله، وقد جعل سبحانه وتعالى من كفر به وآمن بالباطل خاسرًا فقال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[العنكبوت: 52]، فلا تعرض نفسك للخسارة يا عبد الله!

وقال سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ المُبْطِلُونَ[غافر: 78]، الباطل وأهله في خسارة، ولذا أوجب الباري تعالى البراءة من ذلك فقال عز من قائل: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ[الكافرون: 1-6]، وقال سبحانه وتعالى -مبينًا دعوة أبي الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم-: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ[الممتحنة: 4]، أبدًا.. فلا هوادة في دين الله تعالى، لابد من البراءة من الباطل وأهله، ونصرة الحق وأهله في كل قليل وكثير، وصغير وكبير، ﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ﴾.

وقد تبرَّأ إبراهيم عليه الصلاة والسلام من أبيه قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ[التوبة: 113-114]، وقد تبرأ منه براءة صريحة، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ[الزخرف: 26-27]، والبراءة من الشرك وأهله شأن الحنفاء الأواهين.

* براءة الله ممن دعا إلى الباطل:

 وقال عز من قائل: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ المُشْرِكِينَ[التوبة:1]، سورة براءة سورة كاملة فيها البراءة من الشرك والباطل، قد أخل بذلك كثيرة من الناس، حتى ممن يعتبرون من الدعاة إلى الله عز وجل فضلًا عن غيرهم، وقال الله جل ثناؤه: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ[التوبة:3]، فقد تبرأ رب العالمين ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من الشرك وأهله.

* الأمر الإلهي بالبراءة من المبطلين:

وأمر سبحانه بذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَهمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[التوبة: 23-24]، وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ[الممتحنة:1]، ثم هيجهم على البعد عنهم وعلى هجرهم وعلى بغضهم فقال: ﴿إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ[الممتحنة:2]، البسط بالأيدي معناه الضرب والقتل، وبالألسن معناه السب والشتم والشماتة.. وما إلى ذلك، وقال: ﴿لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[الممتحنة: 3]، يا لها من آيات!! لابد -عباد الله- من البراءة من الباطل.

* الباطل زاهق ومن دعا إليه:

زاهق فلا تتشبث به أبدًا، ولا تظن أنه ينصرك، الباطل ليس نصرًا يومًا من الدهر، قال سبحانه: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا[الإسراء: 81]، وقال عز وجل: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ[الأنبياء: 18]، كل من تشبث بالباطل عرض نفسه للويل مما وصف أو كذب أو لفق أو قال أو عمل.. كل ذلك ما يعرض نفسه إلا إلى الويل، خسارة.. وأية خسارة!!

* الجدال بالباطل سمة للمكذبين:

حتى الجدال به هزيمة، قال جل في علاه: ﴿حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ * مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ[غافر: 1-5].

* براءة المبطلين من بعضهم يوم القيامة:

قال سبحانه وتعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ[القصص: 62-63]، يتبرّأ المتبوع من التابع يوم القيامة، وقال جل ثناؤه: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[سبأ: 31-33]، حتى الشيطان يتبرأ ممن اتبعه قال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[إبراهيم: 22]، كفر وتبرّأ من اتباعهم ومتابعتهم له واغترارهم به، كل ذلك نسفه عليهم في خطبته التي يخطبهم بها في نار جهنم.. وهذا شأن المبطلين يتبرّءون ممن أردوه.

* المبطلون في ريبة وشك:

المبطلون أصحاب ريبة، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ المُبْطِلُونَ[العنكبوت:48]، فهم دائمًا أصحاب تشككات وارتياب، ليسوا أصحاب قناعة، بخلاف المؤمن الصادق مع الله، ولذا قال سبحانه بعدها: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ[العنكبوت:49].

براءة الأنبياء من المبطلين:

 

لاستماع الخطبة ابتداء من هذا الموضع أضغط هنا

والبراءة من الباطل واجبة، وقد عمل بمقتضى ذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهذا أبو الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وأول الحنفاء يقول الله جل جلاله عنه: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ[الأنعام:74-79]، وهكذا هود عليه الصلاة والسلام يتبرّأ من أباطيل قومه، قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ * قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ[هود:52-54]، هذا دين الله سبحانه البراءة من الشرك والباطل من بدع ومعاصٍ.. وسائر ما خالف الحق. وتحداهم عليه الصلاة والسلام فقال: ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ[هود:55]، أيًّا كان الكيد بقتل أو أسر.. أو غير ذلك؛ ثقة بالله وبراءة من الباطل، وقال تعالى: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ[هود: 56-57]، خطاب عظيم منه عليه الصلاة والسلام.

ويوسف عليه الصلاة السلام يقول أيضًا: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[يوسف: 38-40].

* الدين الحق ينافي الولاء للباطل:

هذا الدين القيم، هذا الذي شرعه الله، توحيد الله تعالى، ولابد من الكفر بالطاغوت حتى لا ينتقض التوحيد لله سبحانه، وإلا فلن ينفع صاحبه شيئًا.

وقال سبحانه: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[البقرة: 132]، الوصية بدين الله حتى لأولادك حتى لنسائك، ولزم تربية النشء على ذلك، فدين الله قائم على هذا.. للصغير والكبير، والذكر والأنثى، والإنس والجان، ما أرسل الله المرسلين ولا أنزل الكتاب المبين -وسائر الكتب المنزلة- إلا لذلك.. توحيدًا لله وعبادة لله، وبعدًا عن الشرك بالله، قال جل في علاه: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا[النساء: 36]، كل الرسل على ذلك قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ[الأحقاف:21]، ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ[يوسف:108].

تبرأ -يا أخي- من الشرك ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ[الأنعام: 19]، الشاهد من ذلك البراءة من الشرك بالله سبحانه وتعالى.

أيها الناس: القصور في التوحيد هلكة، ووالله لا يحصل أمن في الدنيا ولا في الآخرة إلا بإقامة توحيد الله وإفراده بالعبودية والكفر بالطاغوت والبراءة من الشرك وأهله، ومن الباطل وأهله، وما قام دين الله إلا على ذلك.. ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ[الحديد: 16]، فالسموات والأرض كلها قامت بالحق، والقرآن نزهه الله سبحانه من الباطل والنقص والخلل، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ[ص:27]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ[الدخان: 38-39]، وقال الله جل ذكره في كتابه العظيم: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[فصلت: 42]، فنزه الله تعالى كتابه عن ذلك، وأخبر جل وعلا أن أمر الباطل إذا تفشى في الناس أنه ضرر عليهم فقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ[الحج: 3-4]، وقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[الحج: 8-10].

[الخطبة الثانية]:

 

لاستماع الخطبة ابتداء من هذا الموضع أضغط هنا

براءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن رفض الهدى:

الحمد لله، كما يحب ربنا ويرضى، اللهم! صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد..

أما بعد:

 أيها الناس: أمر الله نبيه أمرًا محتمًا أن ينذر قومه، فمن اتبعه أفلح ومن لم يتبعه تبرَّأ منه، قال سبحانه: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ[الشعراء: 214-216]، أمره الله بالبراءة ممن خالفه، وتلك البراءة أمرٌ لابد منه، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا[النساء: 144]، عدم البراءة من الباطل من أسباب نقمة الله تعالى على العبد، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَهمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ[المائدة: 51-52]، نادمين خاسرين لعدم بعدهم عن الكافرين، وعن المبطلين.

عبادة الله لا تكون إلا بموالاة الحق والبراءة من الباطل

لاستماع الخطبة ابتداء من هذا الموضع أضغط هنا

الله سبحانه وتعالى أوجب على عباده عبادته فقال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ[الذاريات: 56-58]، والعبادة (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة)، لا يحتاج في تلك العبادة إلى ميول إلى أحد إلا إلى ما شرعه الله وبيَّنه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[الجاثية: 18-20].

أمر الولاء والبراء ضعف عند كثير من الناس ولاسيما إذا اختلط الحابل بالنابل وكثرت الفرق والبدع يكثر المتسللون لواذًا.

* الولاء والبراء في الدين لا في القرابة:

وأخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنه لابد أن يكون الإنسان مع أبيه ومع أقرب قريب على حد سواء مع الحق فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا[النساء: 135]، وخلاف ما أمر به سبحانه هو الهوى، وخلاف إقامة الناس بالحق وفي الحق ما هو إلا الهوى.

* التواصي بالحق:

فعلينا عباد الله أن نتقي الله سبحانه ونتواصى بتقواه، ونتواصى بطاعته، وبالبراء من الباطل من الشرك والكفر والبدع.. يجب البراء من الباطل ونصرة الحق كل بحسبه، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج: 40]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد: 7]، والذي يريد أن ينصره الله على شيطانه وعلى أعدائه على نفسه الأمارة بالسوء وينصره كذلك على أعداء الإسلام وعلى كل من خالفه بباطل؛ فعليه أن ينصر رب العالمين.

وهكذا من يرد أن يثبت الله قدمه على الإسلام والسنة والعلم على قول الحق، وفي مواجهته للأعداء من شياطين الإنس أو الجن، والأهواء والدنيا؛ فعليه بنصرة دين الله عز وجل كما أمر سبحانه وتعالى.. وما أحسن ما قيل في الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: (عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، أتته الدنيا فأباها، وأتته الشبه فنفاها) وما ذلك إلا لأنه كان ناصرًا لدين الله عز وجل، ومتجردًا لله سبحانه حتى عادى الدولة بأكملها من أجل الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك يدعو لهم أن يهديهم الله، فقد كانت البلاد كلها ضده إلا الصالحون الأخيار الأفاضل ممن أراد الله عزهم، ولكن كثير من الناس لم يصدع بما صدع به، ولم يقل ما قال، وجعل الله للإمام أحمد قبولًا له عند موته لا يعلمه إلا الله، فقد تبع جنازته ما لا يتبع آلاف الناس من الموتى، وكم ممن كانوا معادين له منهم من هلك بالأوجاع والأسقام، وصاروا مذمومين مدحورين تتبعهم اللعنات والسخط بعد موتهم بسبب شقاقهم وعنادهم للحق وأهله.

فيا أيها الناس: اتقوا الله، وعلينا أن نتواصى بتقوى الله، وطاعته، فإنما المؤمنون إخوة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[المائدة:54]، العزة تكون على الكفار على الباطل على المبتدعة الضلال على من يخذل دين الله، لا على الإنسان المؤمن المستقيم.

شاهدنا من هذا أن الولاء والبراء أمر مهم في ديننا.

نسأل الله التوفيق لما يحبه الله ويرضاه، والحمد لله رب العالمين.


([1]) خطبة الجمعة ، بتاريخ: 14 شعبان  1429ه‍.. دماج - دار الحديث.

([2]) أخرجه مسلم رقم (3005)، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: «وكل ضلالة في النار» ليست عند مسلم،أخرجها النسائي.

([3]) متفق عليه، البخاري رقم (6673)، ومسلم رقم (1847)، عن حذيفة رضي الله تعالى عنهما.