الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ -
المقالات

البيان لخطإ فتوى العلامة اللحيدان

2011/04/27
كَلِمَةٌ
لِلْعَلاَّمَةِ يحَيَى بْنِ عَلِيِّ الْحَجُورِي
حَفِظَهُ اللهُ تَعَالىَ بِعِنْوَانٍ
الْبَيَانُ
لِخَطَإِ فَتْوَى الثَّوْرَةِ عَلَى رَئيِسِ الْيَمَن
لِفَضِيلَةِ العَلاّمَةِ صَالِحِ اللّحَيْدَانِ


بسم الله الرحمن الرحيم
 
سائلُ يقول:
ما تعليقكم على ما قاله  فضيلة الشيخ صالح اللحيدان في فتواه المتعلقة بالخروج على الحكومة اليمنيّة بقوله: ((وأن يرينا في المجرمين عجائب قدرته, وأن يعاجل علي عبد الله صالح عن التخلي عن منصبه، أو أن يعاجله بالإزالة, وأن يكون ما بعده خيراً لليمن ولمن يجاوره ممن كانت الحال عليه قبله..)).
 
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومنِ اتبع هداه, أمّا بعد:
تلك الفتوى من الشيخ (صالح اللحيدان) وفّقه الله ليست بصواب, ففيها تهييجٌ ومعاضدةٌ لأناسٍ هو يبغضهم، ويبغضهم كلّ سنيّ, فأصحاب هذه الثورة هم (الاشتراكيّون) و(البعثيّون) و(الناصريّون) و(الروافض) و(الإخوان المسلمون).
وهذه الأربع الفِرق (الاشتراكيّون) و(البعثيّون) و(الناصريون) و(الروافض), عِداؤهم للمسلمين معروفٌ.
و(الإخوان المسلمون) ضُلاّل, فيهم العملاء للغرب, وفيهم من كلِّ نطيحةٍ ومتردّية, وبراؤهم وولاؤهم ينساق مع السياسة, ولا يتقيّدون بالأدلة إذا خالفت سياستهم, وقد جُرّب هذا منهم كثيراً لمن عرّفهم هنا وغير هنا.
يبرّرون (الديمقراطيّة), و (الانتخابات), و (المظاهرات) والإعتصامات والإختلاط بين الرجال والنساء, والإضرابات وما يسمونه بالعصيان المدني, وغيرها من الأمور المتضمنة لتقليد الكفار, والإعتداء على دماء الأبرياء وأموالهم.
وفي هذه الآونة بسطوا أيديهم على أناسٍ مسلمين ليسوا على فكرهم بالضربِ والقتلِ, في كثيرٍ من الأماكن فتُشاع وتُذاع عنهم, (قُتل اليوم كذا..)، (ضُرب اليوم كذا..).
وممّا يُؤيّد أنّ ولائهم حسب السياسة ولا ينضبط بالدليل: ما يُلاحظ الآن منِ اتِّحادهم مع الأربع الفِرق المذكورة الظالمِ أهلُها, الّتي أصولها الزندقة والإلحاد.
ومن هنا فإنّ هذه الفتوى تُهيّج هؤلاء بالثورة على من هو أحسنُ حالاً منهم, على ما فيه, وإن كان عنده ما يُنتقد وننكره عليه.
والشيخ (صالح اللحيدان) وفّقه الله, هو رجلٌ صالحٌ فيما نعلمه, مفتي, لكن هذه الفتوى خاطئة تُهيّج على الدماء, وخصوصاً فيما نقله عن الإمام مالك: ((أنّه يجوز قتل الثلث ليسعد الثلثان)), وهو نقلٌ فيه نظر عن الإمام مالك رحمة الله عليه.
يا شيخ (صالح) وفّقك الله ما يدرك أنّهم يسعدون أو يزدادون شقاءً, بسبب إراقة دماء المسلمين والأذى لهم, ففي صحيح البخاري من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((لا يزال المسلم في فُسحةٍ من ديِنه ما لم يُصب دماً حراماً)),وثبت من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((لا يزالُ المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يُصب دماً حراماً, فإذا أصاب دماً حراماً بلّح)),وثبت في سنن الترمذي عنه أيضاً أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((كلُ ذنبٍ عسى الله أنْ يغفره إلاَّ من مات مُشركاً أو مؤمنٌ قتل مؤمناً متعمّداً))، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله وعرضه)) أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه, والله عز وجل يقول ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب:58]
 
ونحن في بلدٍ مسلمٍ, والرئيس مسلم, ويمكّن لشعائر الإسلام كالمساجدِ والدعوة وغيرها.
والإجماع قائمٌ على عدمِ الخروج على الحاكمِ المسلم الفاسق, نقله النووي في شرحِ كتابِ الإمارة من صحيح مسلم.
وهذا الإجماع مبنيٌّ على أدلّةٍ لا تَخفى على مثل الشيخ (صالح) وفّقه الله, ولا على من هو دونه, كقول الله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعوا اللهَ وَأَطِيعوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾[النساء:59].
والأمور الّتي هي حاصلةٌ عندنا ممّا يحتاج إلى عِلاج, لا تُعالج بالثورات المُهلِكة بقدرِ ما تُعالج بطلبِ الإذعانِ للحقِّ المؤيّدِ بالكتابِ والسنّة، وبالنصح والتذكير بالله عزّ وجلّ، والدعوة إلى الله, والجِدّ في تعليم الناس، وتفقيههم ديِن الله، والتوحيد والسنّة.
ثمّ إنّ هؤلاء الثوّار لا يسعون إلى إزاحةِ المنكرات, يَسعون إلى الكرسي والمناصب، ولو على خِدمة أمريكا أشدّ ممّا قدّمه لهم الحاكم الموجود.
وتحقيق مئآربها أشدّ ممّا يحصل من هذا الذي يسعون في إزالته, وممّا يؤيّد ذلك جلوسهم المتكرّر مع سفراء وبعض مسؤلات دول الغرب والتزلف إليهم, ولما قال الرئيس: (الاختلاط حرام شرعاً),غضِبتْ تلك الأحزاب, وندّدوا لإرضاء الغرب, أنّ هذا هضمٌ لحقوقِ المرأة, وملئوا الدنيا صُراخاً رِجالاً ونِساءً, بمعنى أنّ الرئيس متطرّف, ممّا أدّى به أنّه ذهب من اليوم الثاني يلتقي بالنساء ويشيد بأفعال المتظاهرات, ولو كان يهمّهم التماس الحقّ لأعانوه على هذه الكلمة الصحيحة, وطلبوا منه المزيد من تطبيقها, وغيرها من الأمور الشرعيّة المهمّة.
و تأمّلوا فيما تفعله هذه الفِرق الأربع، ومن يليهم ويواليهم من الفساد, الأغاني في أوساطهم وفي مخيّماتهم, تصوير ذوات الأرواح, الولاء للضلال, والبراء ممن خالفهم ولو كان من أعبدِ الناس, الاختلاطُ الشنيع بين الرجال والنساء في المخيّمات, تقليدُ الكفّار, محاولة استدعاء الكفّار على المسلمين, القتل والضرب وشِدّة الأذى لمن خالفهم, التفريط في طاعة الله سبحانه وتعالى بشتّى الوجوه والأساليب, المهم عندهم: (أن يزول النِظام).
فعلى الشيخ (صالح) وفّقه الله أن يراجع نفسه في هذه الفتوى الخاطئة, قال عليه الصلاة والسلام: ((كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)), حديث ضعيف من طريق علي بن مسعدة الباهلي, و لكن من بابه حديث أبي ذر رضي الله عنه عند مسلم في صحيحه, عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما يروي عن ربّه تبارك وتعالى أنّه قال: ((..يا عبادي إنّكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم..))الحديث، وليس بمعصوم هو ولا غيره من زلةٍ, (لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة).
وليتأمل الشيخ (صالح) وغيره في حالِ مصر, كيف يتطلّع النصارى الآن تحت فتاوى القرضاوي وغيره من الزائغين, لولايتها بحجّة حكومة مدنيّة, سواءٌ كان الحاكم كافراً أو مسلماً, وكيف تسلّق جمال عبد الناصر على كواهل الإخوان المسلمين من قبل, وماذا حصل من ثورتهم في الجزائر من أضرار, وماذا حصل من محاكمهم في الصومال من بلاءٍ وغير ذلك.
وهذه الفتوى تتعارض مع أدلةٍ كثيرة, والشيخ (صالح) وفّقه الله لم يذكر دليلاً واحداً على فتواه هذه.
وأمّا أثر مالك, فهو خلاف ما ذكره, وعلى فرضِ ثبوته كما ذكره, فليس بحجّةٍ, والإمام مالك ليس بمعصوم, والله عزّ وجلّ يقول: ﴿اتَّبِعوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾[الأعراف:3].
و غالب من يثور مِن هؤلاء يثور برعاية ووصاية من الكفّار، وما يمكّنون إلا عمِيلاً لهم.
وصاحبنا هذا يقال (إنّه يسايسهم), وما مكّنهم في كثيرٍ من الأمور, وما غضِبت عليه أمريكا وغضِب عليه كثيرٌ من الناس إلاّ أنّه يسايسهم, وما زال الخير حاصلٌ والشعائر قائمةٌ, وهذا ما يرضيهم, قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾[البقرة:120].
أمّا حمل كثيرٍ من الناس في المملكة على أنّ الرئيس اليمني (علي عبدالله صالح) وفّقه الله, أنّه مكّن للرافضة في صعدة, ودفع بهم على السعوديّة في الحرب السادسة مع الحوثيّين, هذا سمعناه.
فالظاهر أنّ الواقع خلاف ما يتصوّرن, وإِن كَذب عليهم مخبروهم, فهو في حروبه معهم, وخسائر الشعب والمواطنين, وشِدّة ما رأيناه من حرصه على هزيمتهم يفيدُ خلاف ما توقعوه، وما حملوا في نفوسهم عليه من أجله, إِن كان هذا هو القصد كما يُلمِح إليه الشيخ (اللحيدان) في ذكر الحوثيّين في سياق هذا الكلام، والرافضة من أنفسهم يهدفون إلى الاستيلاء على اليمن، والسعودية، والجزيرة كلها.
وعلى تقدير أنّه فعل ذلك, فهذا الفعل لا يجوز, وقد نصرهم الله تعالى على الروافض, والله عزّ وجلّ يقول في كتابه: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[آل عمران: 134].
ولا تجوز الفتوى بمضاعفة الشرّ على اليمن وإشعال نار الفتنة على حساب هذه الزلة, وليحصل التعاون من الدولتين على إخماد فتنة هذه الفِرقة البطّالة.
إضافة إلى ما تقدم:
أنّ هذه الأحزاب الّتي يرى أنّها تُزِيله, مسلّحةٌ, والشعب اليمني الذي أكثره الآن فيما نعلم مع الرئيس, مسلّح.
و كما في قول الله عزّ وجلّ: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلوبُهُمْ شَتَّى[الحشر:14], (فـالإخوان المسلمون) هم سلّمٌ لهذه الأفكار في سائر البلدان, ماذا يُتوقّع إذا حكم الشعب فِرقةٌ من هذه الفِرق؟ نسأل الله العافية.
هبّ أنّهم قفزوا على الحكم, فهل سيَتركهم الآخرون, الآن هم يقتتلون في منطقة الجوف على بعض المعسكرات, فكيف إذا ملكوا شعباً كاملاً.
فهذا نموذج على أنّ هذه الفِرق تتحاطم, وقوّادها يدفعون بالمغرّر بهم من المسلمين, وكلٌّ منهم يريدُ الحكم, ولا يريدُ أن يكون هو الّذي يتعب ويثور, والآخر يُعطيه وزارة ويستريح.
إِمّا أن يكون الحكم عبارة عن حكمٍ (فدرالياً) مثل الولايات المتحدة الأمريكية, وكلٌ منهم يعمل لصالح حزبهِ وفكرهِ, وضد الآخر , وهذا عين التمزق وعين ما تهدف إليه أمريكا, وإمّا أن يكون حُكماً لواحدٍ منهم, ويثور عليه الآخرون كما ثاروا على مَن قبله, وهذا ضرره أشد مما قبله, نذكره للتأمّلِ والتذكيرِ بقولِ الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾[النساء:93].
ووقودُ الحربِ هم عوامُ الناسِ المسلمون, وأولئك الّذين هم أصحابُ فتنٍ وأصحابُ هلكة مِن (الاشتراكيّة) و(البعثيّة) و(الناصريّة), يتحيّنون الفرصة، إِن نجحت فبها, وإِن لم تنجح ركِب طائرته أو سيارته وشرد، كما فعلوا في أحداثِ (يناير) -كما يسمونه-  في جنوب اليمن.
وأُذكّر الشيخ (اللحيدان) وفّقه الله بنصيحةٍ ثمينةٍ جداً مَن الإمام (ابن باز) رحمه الله في فتاويه للحكومةِ اليمنيّة في حربها مع الاشتراكيّين في جنوب اليمن آنذاك, وفيها حرصٌ على حقنِ دِماء المسلمين, بكلامٍ علميٍ متين.
ومن له حقٌ يطالبُ به, والحكومة تذكر أنّهم باذلون لمن يطالب بالحقوق أنّ له ذلك.
وتبقى خيراتُ البلادِ وتسلمُ أرواحُ الناسِ ودماؤهم بفضل الله عزّ وجلّ ورحمته, وتبقى الدعوة وينتشر الخير.
ودعوة أهل السنّةُ وللهِ الحمد سائرةٌ في هذه البلاد سيراً مباركاً, قال تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللهِ[النحل:53], وهي ولله الحمد تقضي على كثيرٍ من المخالفات الشرعيّة، وتبيّن للناس الخير, وتحذّر من الشرّ بشتّى أنواعه.
ولا يحصل نفعٌ ولا توسعٌ ولا انتشارٌ للسنّةِ إلاّ بالأمنِ, و تضرب الدعوة, وتُضرب المساجد, وتضرب المزارع, والمصانع, ويتسلّط الكفّار, ويكثر المنافقون, وتشتدّ العمالة, وتضيق الأرواح, وتكثر السرقة واللصوصيّة في الفتن, وهذا ليس في صالح العباد ولا البلاد.
وحاصلُ القول إنّ هذه الفتوى خطأٌ, ونسأل الله التوفيق لنا ولإخواننا الأجلاء العلماء والدعاة وطلبة العلم وسائر المسلمين.
 
والحمد لله ربّ العالمين
 
 
فرغت هذه المادة من درس صحيح البخاري
كتاب الاستسقاء
عصر يوم الثلاثاء
 23 جماد الأولى 1432 هـ
حمل هذه المادة على صيغة pdfعلى هذا الرابط