بسم الله الرحمن الرحيم
هناك مسجدٌ محاطٌ من جميع الجوانب إِلا الجهة الشرقية؛ فإنها
ساحةً معروضةً للبيعِ بمبلغ خمسين مليونا، فلمَّا يسر الله بمتبرعٍ يشتري الأرضية
للمسجد، وفي أثناء حفرنا أساس سور المسجد؛ وجدنا أَنَّ مكانا في الأرضية فيه لحودٌ،
فقمنا بفحص الأرضية كاملاً وجدنا قرابة أربعين لحداً في موضعٍ منها، والبقية لا
يوجد فيها شيءٌ، فما توجيهكم.
والمسجد بحاجة ماسة للأرضية فهي المنفذ الوحيد لتوسعة المسجد؛
بعد ازدحامه بالمصلين، وهو المنفذ الوحيد لشارع السيارات ولدخول ما يحتاجه المسجد؛
من تحويل مولدات ودخول ديزل وغيره من الإصلاحات والبناء، وبقية الجهات محلات وبيوت.
والأرضية لا تعرف بأنها مقبرة، بل مبنية معمورة إلى ما قبل
قرابة مئة وخمسين سنة.
والآن المتبرع يريد
الرجوع عن شراء الأرضية واسترجاع فلوسه، بعد أن علم أَنَّ موضع الأرضية قبور، وهو
الموضع الأهم الذي هو واجهة الشارع، ولن يتورع مالكوها عن بيعها أو البناء على
القبور إن ذهب المتبرع.
هل يوجد مسوغ شرعي بنقل
القبور وإقناع المتبرع بالبقاء على شرائها وانتفاع المسجد بها، من توسعة وملحقات
وغير ذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فالجواب:
لا مسوغ شرعي لنقل المقبورين من بيوتهم، فإِنَّ: القبر بيت
الميت، وهو ملكه، والاعتداء عليه ظلم له، و:«الظُّلْمُ
ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواءٌ كانت القبور قديمة أو
حديثة، ولأن نقلهم يُؤدي إلى تكسير عظامهم، وقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبي صلى الله عليه
وسلم قال:
«إِنَّ كَسْرَ عَظْمِ الْمَيِّتِ مَيِّتًا كَمَثَلِ كَسْرِهِ حَيًّا»، ومعلومٌ
تحريم وجرمُ تكسير عظام المسلم الحي، و إِنما نبش النَّبي
صلى الله عليه وسلم قبور المشركين وبنى مسجده في ذلك الموضع، لعدم حرمة المشرك،
أَمّا المسلم فله ولقبره حرمة، لا يجوز انتهاكها، لحديث: «كُلُّ
الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ»، و مما يدل
على أَنَّ المقبرة ديار الموتى، حديث: «السَّلاَمُ
عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ»، أخرجه مسلم
عن أبي هريرة، وحديث بريدة: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ
إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ : «السَّلاَمُ
عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ»، الحديث أخرجه
مسلم، وحديث أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ
أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ شَدِيدٌ حَتَّى يَكُونَ الْبَيْتُ بِالْعَبْدِ»، وساق الحديث
مفسرا البيت بالقبر يعني حفرة بعبد أو قيمته، لكثرة الموتى وقلة الحافرين، وهو
حديثٌ صحيحٌ؛ في الصحيح المسند لشيخنا رحمه الله.
وأيضا قد تكون
هذه أرضاً موقوفة للأموات، وبيع الوقف واستغلاله في غير ما وُقِف له، لا يجوز،
واستغلال مقبرة الموتى وأخراجهم منها؛ ضربٌ من اغتصاب الحقوق، فوجب دفع ذلك عنهم، لحديث:
«لَا قَدَّسَ اللهُ أُمَّةً لَا يَأْخُذُ
ضَعِيفُها حَقَّهُ مِنْ شَدِيدِهَا»، والله
الموفق.
يحيى
بن علي الحجوري
الأحد 3 شعبان1443هجرية