الاربعاء ، ١٦ اكتوبر ٢٠٢٤ -
فتاوى

ما معنى كون طالب العلم يشح بوقته

2019/04/09

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ما معنى كون طالب العلم يشح بوقته

 

 

سائل يقول:

بعض أهل العلم يقول: "  ينبغي لطالب العلم أَنْ يكون بخيلاً بوقته "

 

 

 

 

 

 الجواب:

يعني يحرص على وقته ، و إذا حرص على الوقت سيجعل الله فيه البركة؛ وإذا فتح درسًا، يجعل الله في وقته بركة، لا يكون بخيلاً ببذل العلم و لا يكون مضيعا لوقته، إذا عمل بالعلم يجعل الله له بركة فيه في وقته و في علمه؛ كما يقول الألبيري رحمه الله:

يزيد بكثرة الانفاق منه  *** و ينقص إن به كفا شددتا

          و بركته: انفاقه و الدعوة إليه، و التعليم و النصح و التوجيه، و الصبر على طلاب العلم و الصبر على الناس ، الصبر في جناب العلم ، فربما يأتي من له حاجة و أنت في نومك، قم إِنْ استطعت أَنْ تقوم ، و أجلس و أنصح و أوصي و أصبر، و سيجعل الله لك عونا ، فهذا لحم و دم؛ إِنْ شاء الله قوه و إِنْ شاء ضعفه، يفعل الله فيه ما يشاء، فإن شاء يجعل فيه بركة و قوة و استطاع لأعمال كبيرة، و إن لم يجعل الله فيه بركة لم يستطع لأدنى الأعمال، كم تجد من  أقوياء  الأجسام أشداء ما يستطع أَنْ يصلي الفجر، و لو صارعته لصرع عددا مثلك، لكن صلاة الفجر وبعض الأعمال الصالحة تجده ضعيفا فيها، السبب أنه ما أعانه الله، ما جعل الله له بركة في جسمه على الطاعة.

          ذكروا أنَّ : " الإمام أبا الطيب الطبري أنه كان في سفينة فاستدعى الحال إلى أَنْ يقفز، فقفز قفزة فتعجبوا منه، فعتبوا عليه في ذلك و هو قد جاوزا المائة سنة، فقال: "  هذه أعضاء حفظنها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر" .

فمن البركة أَنْ تجعل لكل عمل شأنه ، تدخل في الصلاة لا تفكر، و فرغ ذهنك لها، و في الحديث : " إِنَّ في الصلاة لشغلا " ، فإذا دخلت للصلاة و تفرغت لها، فتخشع فيها و ترتاح فيها و تعالج قلبك فيها و تعالج همومك فيها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "  ارحنا بها يا بلال " .

 أدخل في الدرس و أعتني به و جهز له و كذا المحاضرة، إذا جعلت كل شيء في شأنه تكون مُرَتِباً و مُرَتَبا ، و ما إلى ذلك من الأشياء التي تحتاج إليها.

فاجعل كل شيء لبابه،  وقتا لتربية أولادك،  و وقتا للمراجعة و وقتا للحفظ،  و وقتا لتجهيز ما أنت تريده لنفع الناس به من خطبة أو محاضرة و هكذا ، و أجعل احتياطا في الوقت؛ لأنه قد يأتي من يزاحم وقتك بغرض من الأغراض، فإذا لم تجعل لك احتياطا سيفوت عليك هذا الوقت، فالاحتياط تتدارك فيه ما أنت تريد و التوفيق من الله.

و هنيئا لمن ملأ وقته بالعلم و التعليم و الدعوة، احمدوا الله على العافية ، أناس مشاغيل بكرة القدم ، يجري بعدها من مكان إلى مكان و من دولة لدولة،   يركض تلك الربلة،  و يشجعون على ذلك بأموال طائلة و أوقات ضائعة، إنما اشغلوا  الشباب ،  شباب ما يدري أين يتجه اشغلوهم.

و لو اشغلوهم بالعلم،  و الله إنَّ في العلم شغلة عن كل الصوارف السيئة.

لهذا قلنا لبعض الناس:  "  أهل السنة من توفيق الله لهم أنهم يحتضنون المجتمع عن أَنْ ينفلت في أفكار هدامة، أو في أمور تضره و تضر مجتمعه ، في الدنيا فِرق كثيرة و أفكار هدامة "، لكن أهل السنة: " يحافظون على إخوانهم بالمنهج الصحيح،  بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، و يعلمونهم و يهذبونهم  فتجدهم أصحاب أخلاق طيبة إِنْ شاء الله، كلٌ بقدر ما اتاه الله.

 فتأسيسهم جيد،  التأسيس علمي،  التأسيس سلفي ، التأسيس هدى ، التأسيس ما فيه فتنة و لا  ضرر على المجتمع أبدا ، التأسيس ما فيه تهالك على الدنيا، التأسيس على معتقد صحيح، على ما سار عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه ، فما دام التأسيس جيدا إِنْ شاء الله البناء يجعل الله فيه بركة و عافية و نفع قال الله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ [التوبة: 109]

فهذه الحواضن للمجتمع يجب أَنْ ترعى لمن أراد لنفسه الخير، و الله هذا مجرد نصح؛ و إلا فالخير حاصل، و الشيطان عدو يشتت الناس عن الخير و يبعدهم و يصرفهم و يسول لهم و يوسوس لهم و يجعل خيالات في أذهانهم و توقعات بعيدة.

ريّح نفسك في العلم، ريّح نفسك في جانب هذا المنهج السلفي الصحيح .

أهل السنة: بفضل الله عز وجل حول: تفسير القرآن و صحيح البخاري و صحيح مسلم و حفظ القرآن الكريم وعلم نافع ، و عندهم اهتمام بهداية الناس.

و القصد هو الله،  ما يريدون أَنْ يكثروا حزبا؛   ما عندنا  حزب  نعوذ بالله إلا حزب رب العالمين الذي كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم  و أصحابه، إنما نريد أَنْ نربح فيه ما  دل عليه قول النبي صلى الله عليه و سلم: " مَن دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثلُ أجورِ من تَبعه، لا يَنقُصُ ذلك من أجورِهم شيئاً "

هذا شيء لا يعدله شيء في الدنيا ، و قد قال  النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لعلي رضي الله عنه: "فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ "

 و : " حُمْرِ النَّعَمِ " :  في ذلك الوقت من افخر الأموال.

و الاحتساب في هذا أمر مطلوب، قال الله تعال:﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26]

سابقوا إلى المجتمع بالهداية، لا من أجل شيء أخر.

إنما هذا لبيان أَنَّ الانشغال بالعلم فيه حاضنة جيدة للمجتمع بالخير، و بالسلامة و بالأمن و الأمان  و بالهداية بمنهج مستقيم مقيم، فهذا هو الدين القويم.

و الواقع شاهد، و الأمور تسير بهدوء، و تشرح نفسها، ما يحتاج تكلف بفضل الله عز وجل، و كل من سار على الدرب وصل، قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100]

و الاحسان: أنْ تسير على طريقهم و تتفقه في دين الله و تعبده، و كما نجاهم الله ينجيك فالله بعد أَنْ ذكر نجاة ذو النون عليه السلام من تلك الظلمات المتعددة قال:  ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]

 

 

ظهر يوم الاثنين 3   شعبان 1440هجرية