الاثنين ، ٠٦ مايو ٢٠٢٤ -
الصوتيات

الدرس التاسع عشر: من التعليق على كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث

17-12-2021 | عدد المشاهدات 492 | عدد التنزيلات 357




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

التعليق على كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث _  للحافظ الذهبي _

‌‌‌‌

الدرس التاسع عشر: من التعليق على كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث

 

ورُوي أنَّ مالكاً رحمه الله كان يَغتسِلُ للتحديث، ويَتبخَّرُ ويتطيَّبُ، ويَلبَسُ ثيابَه الحسنة، ويَلزمُ الوَقارَ والسَّكينة، ويَزْبُرُ مَن يَرفعُ صوتَه، ويُرَتِّلُ الحديث.

وقد تَسمَّح الناسُ في هذه الأعصار بالإسراع المذموم، الذي يَخفَى معه بعضُ الألفاظ. والسماعُ هكذا لا ميزة له على الإجازة، بل الإجازةُ صِدْقٌ. وقولُك: "سَمِعتُ أو قرأتُ هذا الجزءَ كلَّه" مع التَّمْتَمَةِ ودَمْجِ بعض الكلمات: كَذِبٌ.

وقد قال النَّسائيُّ في عِدَّةِ أماكنَ مِن صحيحه: "وذَكَرَ كلمةً معناها: كذا وكذا". وكان الحُفَّاظُ يَعقِدون مجالسَ للإملاء، وهذا قد عُدِمَ اليومَ. والسَّماعُ بالإملاء يكون مُحقَّقاً ببيانِ الألفاظِ للمُسمِع والسامع.

ولْيجتنِبْ روايةَ المشكلات، مِمَّا لا تحملُه قلوبُ العامَّة. فإن رَوَى ذلك، فليكن في مجالس خاصة. وَيَحرُمُ عليه روايةُ الموضوع، وروايةُ المطروح، إلا أن يُبَيِّنه للناسِ ليَحْذَرُوه

والإتقان. فإن انضافَ إلى ذلك المعرفةُ والإكثارُ، فهو حافظٌ.

والحُفَّاظُ طبقات

1- في ذِرْوَتِها: أبو هريرة - رضي الله عنه -.

2- وفي التابعين كـ: ابنِ المسيَّب.

3- وفي صِغارِهم كـ: الزُّهريّ.

4- وفي أتباعِهم كـ: سفيان، وشعبة، ومالك. ثم

5- ابن المبارك، ويحيى بن سعيد، ووكيع، وابن مهدي. ثم:

6- كأصحابِ هؤلاء، كـ: ابن المَدِيني، وابن مَعِين، وأحمد، وإسحاق، وخَلْق. ثم:

7- البخاريّ، وأبي زُرْعَة، وأبي حاتم، وأبي داود، ومُسْلِم. ثم:

8- النَّسائيّ، وموسى بن هارون، وصالح جَزَرَة، وابن خُزَيمة. ثم:

9- ابن الشَّرْقي. ومِمَّن يُوصَفُ بالحفظ والإتقانِ، جماعةٌ من الصحابة والتابعين، ثم:

10- عُبَيد الله بن عمر، وابن عَوْن، ومِسْعَر. ثم:

11- زائدة، واللَّيث، وحمَّاد بن زيد. ثم:

12- يزيد بن هارون، وأبو أسامة، وابن وهب. ثم

13- أبو خيثمة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نُمَير، وأحمد بن صالح. ثم:

14- عَبَّاس الدُّوْرِي، وابن وارَهْ، والترمذيّ، وأحمد بن أبي خَيْثَمة، وعبد الله بن أحمد. ثم

15- ابنُ صاعِد، وابن زياد النيسابوريّ، وابن جَوْصَا، وابن الأَخْرَم. ثم:

16- أبو بكر الإسماعيليّ، وابن عَدِيّ، وأبو أحمد الحاكم. ثم

17- ابن مَنْدَه، ونحوه. ثم:

18- الَبرْقَانيّ، وأبو حازم العَبْدَوِيّ. ثم:

19- البيهقيّ، وابن عبد البَرّ. ثم:

20- الحُمَيديّ، وابن طَاهِر. ثم:

21- السِّلَفِيّ، وابن السَّمْعاني. ثم

22- عبد القادر، والحازميّ. ثم:

23- الحافظ الضياء، وابن سيّد الناس خطيب تونس. ثم:

24- حفيده حافظ وقتِه أبو الفتح.

ومِمَّن تقدَّم من الحفاظِ في الطبقةِ الثالثة: عَدَدٌ من الصحابةِ وخلقٌ من التابعين وتابعيهم، وهلُمَّ جراً إلى اليوم. فمِثلُ يحيى القطان يقال فيه:

1- إمامٌ، وحُجَّةٌ، وثَبْتٌ، وجِهْبِذٌ، وثِقَةٌ ثِقَةٌ. ثم:

2- ثقةٌ، حافظٌ. ثم

3- ثقةٌ، مُتقِنٌ. ثم:

4- ثقةٌ عارفٌ، وحافظٌ صَدوقٌ، ونحوُ ذلك.

فهؤلاء الحُفَّاظُ الثقات: إذا انفردَ الرجلُ مِنهم مِن التابعين، فحديثهُ: (صحيحٌ) .وإن كان مِن الأتباعِ، قيل: (صحيحٌ، غريبٌ) . وإن كان مِن أصحاب الأتباع، قيل: (غريبٌ، فَرْدٌ) . ويَنْدُرُ تفرُّدهم، فتجدُ الإمامَ مِنهم عندهَ مِئتا ألف حديث، لا يكادُ ينفرد بحديثينِ ثلاثة! ومَن كان بعدَهم: فأين ما يَنفرِدُ به؟ ما عَلِمْتُهُ، وقد يوُجَد.

ثم نَنْتَقِلُ إلى:

5- اليَقِظ، الثقة، المتوسِّطِ المعرفةِ والطَّلَبِ.

فهو الذي يُطلَقُ عليه أنه: "ثقة"، وهُمْ جُمهورُ رجالِ "الصحيحين". فتابِعِيُّهم إذا انفَرَد بالمَتْن، خُرِّجَ حديثُه ذلك في الصحاح. وقد يَتوقَّفُ كثيرٌ من النقَّاد في إطلاق "الغرابة" مع "الصحة" في حديثِ أتباعِ الثقات. وقد يُوجَدُ بعضُ ذلك في الصحاح دون بعض.

وقد يُسمِّي جماعةٌ من الحفاظ الحديثَ الذي ينفرد به مثلُ هُشَيْم وحفص بن غِياثٍ: (منكراً). فإن كان المنفردُ مِن طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارةَ عَلَى ما انفردَ به مثلُ عثمان بن أبي شيبة، وأبي سَلَمة التَّبُوذَكِيّ، وقالوا: (هذا منكر).

فإن رَوَى أحاديثَ من الأفراد المنكرة، غَمَزُوه وليَّنوا حديثَه، وتوقفوا في توثيقه. فإن رَجَع عنها، وامَتَنع مِن روايتها، وجَوَّز على نفسِه الوَهَمَ: فهُو خيرٌ له، وأرجَحُ لعدالته. وليس مِن حَدِّ الثقةِ أنَّهُ لا يَغلَطُ ولا يُخطِئ، فَمَن الذي يَسْلَمُ مِن ذلك غيرُ المعصومِ الذي لا يُقَرُّ على خطأ!

‌‌فصل

الثقة: مَن وثَّقَه كثيرٌ، ولم يُضعَّف. ودُونَه: مَن لم يُوَثَّق ولا ضُعِّف. فإن خُرِّج حديثُ هذا في "الصحيحين"، فهو مُوَثَّق بذلك. وإن صَحَّح له مثلُ الترمذيِّ وابنِ خزيمة، فجيِّدٌ أيضاً. وإن صَحَّحَ له كالدارقطنيِّ والحاكم، فأقلُّ أحوالهِ: حُسْنُ حديثه.

وقد اشتَهَر عند طوائف من المتأخرين إطلاقُ اسم "الثقة" عَلَى: مَن لم يُجْرَح، مع ارتفاع الجهالةِ عنه. وهذا يُسمَّى: "مستوراً"، ويُسمىَّ: "محلهُّ الصدق"، ويقال فيه: "شيخ"

وقولُهم: "مجهول"، لا يلزمُ منه جهالةُ عينِه. فإن جُهِلَ عينُه وحالُه، فأَولَى أن لا يَحتجُّوا به. وإن كان المنفردُ عنه مِن كبارِ الأثبات، فأقوى لحاله، ويَحتَجُّ بمثلِه جماعةٌ كالنَّسائيّ وابنِ حِباَّن.

ويَنْبُوعُ معرفةِ الثقات: تاريخُ البخاريِّ، وابن أبي حاتم، وابن حِبَّان، وكتابُ "تهذيب الكمال".

‌‌فصل

مَن أَخرَج له الشيخان عَلَى قسمين:

- أحدهما: ما احتَجَّا به في الأصول.

- وثانيهما: مَن خرَّجا له متابعةً وشَهادَةً واعتباراً.

فَمَن احتَجَّا به - أو أحدُهما - ولم يُوثَّق، ولا غُمِزَ: فهو ثقة، حديثُه قويٌّ.

ومَن احتَجَّا به - أو أحدُهما - وتُكُلِّم فيه فتارةً يكون الكلامُ فيه تعنُّتاً، والجمهورُ على توثيقِه، فهذا حديثُهُ قويٌّ أيضاً، وتارةً يكون الكلامُ في تليينِهِ وحِفظِهِ، له اعتبار، فهذا حديثُه لا يَنحطُّ عن مرتبة (الحسَن) التي قد نُسمِّيها: (من أدنى درجات الصحيح)، فما في "الكتابين" بحمد الله رجلٌ احتَجَّ به البخاريُّ أو مسلمٌ في الأصولِ ورواياتُه ضعيفة، بل حَسَنةٌ أو صحيحة.

ومن خَرَّجَ له البخاريُّ أو مسلمٌ في الشواهد والمتابَعات، ففيهم مَن في حِفظِه شيء، وفي توثيِقه تردُّد. فكلُّ مَن خُرِّجَ له في "الصحيحين"، فقد قَفَزَ القَنْطَرة. فلا مَعْدِلَ عنه، إلا ببرهانٍ بَيِّن.

نعم، الصحيحُ مراتب، والثقاتُ طَبَقات: فليس مَنْ وُثِّق مطلقاً كَمَنْ تُكُلِّمَ فيه، وليس مَن تُكُلِّم في سُوءِ حفظِه واجتهادِه في الطَّلَب كَمَنْ ضعَّفوه، ولا مَن ضعَّفوه ورَوَوْا له كَمَنْ تركوه، ولا مَن تركوه كَمَنْ اتَّهموه وكذَّبوه. فالترجيحُ يَدخُلُ عند تعارُضِ الروايات. وحَصْرُ الثقاتِ في مصنَّفٍ كالمتعذَّر، وضَبْطُ عَدَدِ المجهولين مستحيل!

فأمَّا مَن ضُعِّفَ، أو قيل فيه أدنى شيء: فهذا قد ألَّفتُ فيه مختصراً سمَّيتُه بـ "المُغنِي"، وبَسَطتُ فيه مؤلَّفاً سَمَّيتُه بـ "الميزان".

 

 

سجل هذا الدرس

 

ليلة السبت 13 جمادى الأولى 1443هجرية