الاثنين ، ٠٦ مايو ٢٠٢٤ -
الصوتيات

الدرس العشرون والأخير: من التعليق على كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث

19-12-2021 | عدد المشاهدات 524 | عدد التنزيلات 337




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

التعليق على كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث _  للحافظ الذهبي _

‌‌‌‌

الدرس العشرون والأخير: من التعليق على كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث

 

‌‌فصل

ومِن الثقات الذين لم يُخْرَجْ لهم في "الصحيحين" خَلْقٌ، مِنهم:

- مَن صَحَّح لهم الترمذيُّ، وابنُ خزيمة. ثم:

- مَن رَوَى لهم النسائي، وابنُ حِبَّان، وغيرُهما. ثم:

- مَن لم يُضَعِّفْهم أحدٌ، واحتَجَّ هؤلاء المصنِّفون بروايتهم.

وقد قيل في بعضهم: "فلانٌ ثقة"، "فلان صدوق"، "فلان لا بأس به"، "فلان ليس به بأس"، "فلان محلُّه الصدق"، "فلان شيخ"، "فلان مستور"، "فلان رَوَى عنه شعبة، أو مالك، أو يحيى". وأمثالُ ذلك، كـ: "فُلان حسَنُ الحديث"، "فلانٌ صالحُ الحديث"، "فلانٌ صدوقٌ إن شاء الله".

فهذه العبارات كلُّها جيَّدة، ليسَتْ مُضعِّفةً لحالِ الشيخ. نعم، ولا مُرَقِّيةً لحديِثه إلى درجة الصِّحَّةِ الكاملةِ المتفَقِ عليها، لكنْ كثيرٌ مِمَّن ذَكَرْنا مُتَجَاذَبٌ بين الاحتجاجِ به وعَدَمِه.

وقد قيل في جَمَاعاتٍ: "ليس بالقويّ، واحتُجَّ به". وهذا النَّسائيُّ قد قال في عِدَّةٍ: "ليس بالقويّ"، ويُخرِجُ لهم في كتابه. قال: "قولُنا: (ليس بالقوي) ليس بجَرْحٍ مُفْسِد".

والكلامُ في الرُّواة يَحتاجُ إلى وَرَعٍ تامّ، وبَراءةٍ مِن الهوى والمَيْل، وخِبرةٍ كاملةٍ بالحديثِ، وعِلَلِه، ورجالِه. ثم نحن نفتَقِرُ إلى تحرير عباراتِ التعديلِ والجرح، وما بين ذلك مِن العباراتِ المُتَجَاذَبَة. ثم أهَمُّ مِن ذلك، أن نَعلمَ بالاستقراءِ التامِّ عُرْفَ ذلك الإمامِ الجِهْبِذ، واصطلاحَه، ومقاصِدَه، بعباراتِه الكثيرة

أما قولُ البخاري: "سكتوا عنه"، فظاهِرُها أنهم ما تعرَّضوا له بجَرْحٍ ولا تعديلٍ. وعَلِمْنا مقصدَه بها بالاستقراء، أنها بمعنى: "تركوه". وكذا عادَتُه إذا قال: "فيه نظر"، بمعنى أنه: "مُتَّهَم"، أو: "ليس بثقة". فهو عنده أسْوَأُ حالاً من: "الضعيف". وبالاستقراء، إذا قال أبو حاتم: "ليس بالقويّ"، يُريد بها: أنَّ هذا الشيخ لم يَبلُغ درَجَة القويِّ الثَّبْت. والبخاريُّ قد يُطلقُ عَلَى الشيخ: "ليس بالقوي"، ويريد أنه: "ضعيف".

ومِن ثَمَّ، قيل تجبُ حكاية الجرح والتعديل: "فَمِنهم مَن نَفَسُهُ حادٌّ في الجَرْح، ومِنهم مَن هو معتدل، ومِنهم مَن هو متساهل". فالحادُّ فيهم: يحيى بن سعيد، وابن معين، وأبو حاتم، وابن خِراش، وغيرُهم. والمعتدلُ فيهم: أحمد بن حنبل، والبخاريّ، وأبو زُرْعَة. والمتساهلُ كـ: الترمذيّ، والحاكم، والدارقطنيّ في بعض الأوقات.

وقد يكون نَفَسُ الإمام فيما وافَقَ مذهبَه، أو في حالِ شيخِه ألطفَ منه فيما كان بخلاف ذلك. والعِصمةُ للأنبياءِ والصديقين وحُكَّام القِسْط.

ولكنَّ هذا الدينَ مؤيَّدٌ محفوظٌ مِن الله تعالى، لم يَجتمع علماؤه عَلَى ضلالة، لا عَمْداً ولا خطأ. فلا يَجتمِعُ اثنانِ عَلَى توثيقِ ضعيف، ولا عَلَى تضعيفِ ثقة. وإنما يقعُ اختلافُهم في مراتبِ القُوَّةِ أو مراتبِ الضعف. والحَاكمُ مِنهم يَتكلَّمُ بحسبِ اجتهادِهِ، وقُوَّةِ مَعارِفِه. فإن قُدِّرَ خطؤه في نقده، فله أجرٌ واحدٌ، والله الموفق.

وهذا فيما إذا تكلَّموا في نقدِ شيخ، وَرَدَ شيءٌ في حِفظِه وغَلَطِه. فإن كان كلامُهم فيه مِن جهةِ مُعتَقَدِه، فهو على مراتب: فمنهم:

- مَن بِدْعَتُه غليظة. ومنهم:

- مَن بِدْعَتُه دون ذلك. ... ومنهم:

- الداعي إلى بدعتِه. ومنهم:

- الكافُّ، وما بينَ ذلك.

فمتى جَمَع الغِلَظَ والدعوةَ، تُجُنِّبَ الأخذُ عنه. ومتى جَمَع الخِفَّةَ والكفَّ، أَخذوا عنه وقَبِلُوه. فالغِلَظُ كـ: غُلاةِ الخوارج، والجهمية، والرافضة. والخِفَّةُ كـ: التشيُّع، والإِرجاء. وأمَّا مَن استَحلَّ الكذبَ نَصْراً لِرَأْيِه كالخطَّابيَّة، فبالأولى رَدُّ حديثهِ.

قال شيخنا ابنُ وَهْب: العقائدُ أَوجبَتْ تكفيرَ البعضِ للبعض، أو التبديعَ، وأَوجبَتْ العَصَبِيَّةَ. ونشأ من ذلك الطعنُ بالتكفيرِ والتبديع، وهو كثيرٌ في الطبقة المتوسِّطةِ من المتقدمين. والذي تَقرَّرَ عندنا: أنه لا تُعتَبرُ المذاهبُ في الرواية، ولا نُكفِّرُ أهلَ القِبلة، إلا بإنكارِ مُتواترٍ من الشريعة. فإذا اعتَبَرْنَا ذلك، وانضمَّ إليه الورَعُ والضبطُ والتقوى: فقد حَصَل مُعْتمَدُ الرواية. وهذا مذهبُ الشافعيّ - رضي الله عنه -، حيث يقول: "أَقبَلُ شهادةَ أهلِ الأهواءِ، إلا الخَطَّابيَّة من الرَّوَافِض".

قال شيخنا: وهل تُقبَلُ روايةُ المبتدِع فيما يؤيِّدُ به مذهبَه؟ فمَن رأى رَدَّ الشهادةِ بالتُّهْمَة، لم يَقبَل. ومَن كان داعيةً مُتَجاهِراً ببدعتِه، فَلْيُترَك إهانةً له، وإخماداً لمذهبِه. اللهم إلا أن يكون عنده أثَرٌ تفرَّدَ به، فنُقدِّمُ سَمَاعَهُ منه.

ينبغي أن تُتَفَقَّدَ حالُ الجارح مع مَن تَكلَّم فيه باعتبار الأهواء: فإن لاحَ لك انحرافُ الجارح، ووجدتَ توثيقَ المجروح من جهةٍ أخرى، فلا تَحفِلْ بالمنحرِف وبغَمْزِه المبهَم. وإن لم تجد توثيقَ المغموز، فتأَنَّ وترفَّقْ.

قال شيخُنا ابنُ وَهْب رحمه الله:

ومِن ذلك: الاختلافُ الواقعُ بين المتصوِّفة وأهلِ العلمِ الظاهرِ، فقد وَقَع بينهم تنافُرٌ أوجَبَ كلامَ بعضِهم في بعض. وهذه غَمْرَةٌ لا يَخلُصُ منها إلا العالمُ الوَافي بشواهد الشريعة. ولا أَحْصُرُ ذلك في العلم بالفروع، فإنَّ كثيراً من أحوال المُحِقِّين  من الصوفية لا يَفِي بتمييزِ حَقِّه من باطِلِه عِلمُ الفروع. بل لا بُدَّ مِن معرفةِ القواعدِ الأصولية، والتمييزِ بين الواجبِ والجائز، والمستحيلِ عقلاً، والمستحيلِ عادَةً.

وهو مقامٌ خَطِر، إذ القادِحُ في مُحِقِّ الصُّوفية داخلٌ في حديث: (مَن عادَى لي وَلِيّاً، فقد بارَزَني بالمُحارَبة).والتارِكُ لإنكارِ الباطلِ مِمَّا سَمِعَه مِن بعضِهم تاركٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومِن ذلك: الكلامُ بسبب الجهل بمراتب العلوم، فيُحتاجُ إليه في المتأخرين أكثَرُ. فقد انتَشَرَتْ علومٌ للأوائل وفيها حَقٌّ: كالحسابِ والهندسةِ والطِّبٌ، وباطلّ: كالقولِ في الطبيعيَّاتِ وكثيرٍ من الإلهيَّاتِ وأحكامِ النجوم. فيَحتاجُ القادحُ أن يكون مُميِّزاً بين الحقِّ والباطل، فلا يُكفِّرَ مَن ليس بكافر، أو يَقبلَ رواية الكافر.

ومنه: الخَلَلُ الواقعُ بسببِ عَدَمِ الوَرَعِ، والأَْخْذِ بالتوهُّم، والقرائنِ التي قد تَتخلَّفُ. قال - صلى الله عليه وسلم -: (الظَّنُّ أكذَبُ الحديث) . فلا بُدّ من العلم والتقوى في الجَرْح. فلصُعُوبةِ اجتماع هذه الشرائط في المزكِّين، عَظُمَ خَطَرُ الجَرْح والتعديل.

 

‌‌(24) المُؤْتلف والمختلف:

فَنٌّ واسعٌ مُهِمٌّ، وأهمُّه ما تكرَّر وكَثُر. وقد يَنْدُرُ كـ: أَجْمَد بن عُجْيَان، وآبِي اللَّحْم، وابنِ أَتَشٍ الصَّنْعَانيّ، ومحمد بن عَبَادَة الواسِطيّ العِجْليّ، ومحمد بن حُبَّان الباهِليّ، وشُعَيث بن مُحَرَّر. والله أعلم.

 

تَمَّتْ المُوقظة



سجل هذا الدرس

 

ليلة الأحد 14 جمادى الأولى 1443هجرية