الاربعاء ، ١٧ ديسمبر ٢٠٢٥ -
الصوتيات

الدرس الثالث: من كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث

08-09-2025 | عدد المشاهدات 187 | عدد التنزيلات 70




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 

الدرس الثالث: من كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث

 

سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد يقول: سمعت الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال إن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم، لا تقبل شهادته، ولا يعاد إن مرض، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

فأمَّا اللفظ فإِنَّ الشيخ أبا بكر الإسماعيلي الجرجاني ذكر في رسالته صنفها لأهل جيلان أَنَّ من زعم أَنَّ لفظه بالقرآن مخلوق يريد به القرآن، فقد قال بخلق القرآن.

وذكر ابن مهدي الطبري في كتاب الاعتقاد الذي صنفه لأهل هذه البلاد أَنَّ مذهب أهل السنة والجماعة القول بأَنَّ القرآن كلام الله سبحانه، ووحيه وتنزيله، وأمره ونهيه، غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر بالله العظيم، وأَنَّ القرآن في صدورنا محفوظ، بألسنتنا مقروء، في مصاحفنا مكتوب، وهو الكلام الذي تكلم الله عز وجل به؛ ومن قال: إن القرآن بلفظي مخلوق، أو لفظي به مخلوق؛ فهو جاهل ضال كافر بالله العظيم، وإِنَّما ذكرت هذا الفصل بعينه من كتاب ابن مهدي لاستحساني ذلك منه، فإنه اتبع السلف من أصحاب الحديث فيما ذكره مع تبحره في علم الكلام وتصانيفه الكثيرة فيه وتقدمه وتبرزه عند أهله.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قرأت بخط أبي عمرو المستملي: سمعت أبا عثمان سعيد بن إشكاب يقول: سألت إسحاق بن إبراهيم بنيسابور عن اللفظ بالقرآن فقال: "لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق".

وذكر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في كتابه الاعتقاد الذي صنفه في هذه المسألة، وقال: " أَمَّا القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي ولا تابعي، إلا عمن في قوله الغنى والشفا، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الأولى، أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، فإِنَّ أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: "اللفظية جهمية"، قال الله عز وجل: ﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ﴾ [التوبة:6]، ممن يسمع؟، قال: سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه رضي الله عنه أَنَّه كان يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع".

قال محمد بن جرير: "ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله، إذ لم يكن لنا فيه إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع، رحمة الله عليه ورضوانه"، هذه ألفاظ محمد بن جرير التي نقلتها نفسها إلى ما هاهنا من كتاب الاعتقاد الذي صنفه.

قلت: وهو -أعني محمد بن جرير- قد نفى عن نفسه بهذا الفصل الذي ذكره في كتابه كل ما نسب إليه، وقذف به من عدول عن سبيل السنة أو ميل إلى شيء من البدعة، والذي حكاه عن أحمد رضي الله عنه وأرضاه أن اللفظية جهمية فصحيح عنه، وإنما قال ذلك لأن جهما وأصحابه صرحوا بخلق القرآن، والذين قالوا باللفظ تدرجوا به إلى القول بخلق القرآن، وخافوا أهل السنة في ذلك الزمان من التصريح بخلق القرآن، فأدرجوه في هذا القول ذي اللبس، لئلا يُعدُّوا في زمرة جهم الذين هم شياطين الأنس، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، فذكروا هذا اللفظ وأرادوا به أن القرآن بلفظنا مخلوق، فلذلك سماهم أحمد رحمه الله جهمية، وحكي عنه أيضا أنه قال: "اللفظية شر من الجهمية".

وأما ما حكاه محمد بن جرير عن أحمد رحمه الله أَنَّ من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، فإنما أراد أن السلف من أهل السنة لم يتكلموا في باب اللفظ ولم يحوجهم الحال إليه، وإنما حدث الكلام في اللفظ من أهل التعمق وذوي الحمق الذين أتوا بالمحدثات، وعتوا عما نهوا عنه من الضلالات وذميم المقالات، وخاضوا فيما لم يخض فيه السلف من علماء الإسلام، فقال الإمام أحمد هذا القول في نفسه بدعة، ومن حق المتسنن أن يدعه ولا يتفوه به ولا بمثله من البدع المبتدعة، ويقتصر على ما قاله السلف من الأئمة المتبعة إن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا يزيد عليه إلا تكفير من يقول بخلقه.

أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الخراجي بمرو: حدثنا يحيى بن ساسويه: حدثنا عبد الكريم السكري قال: قال وهب بن زمعة: أخبرني علي الباشاني قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: "من كفر بحرف من القرآن فقد كفر بالقرآن، ومن قال: لا أومن بهذا الكلام فقد كفر".

ويعتقد أهل الحديث ويشهدون أن الله سبحانه فوق سبع سمواته على عرشه مستو كما نطق به كتابه في قوله عز وجل في سورة الأعراف:﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف:54]، وقوله في سورة يونس: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾، وقوله في سورة الرعد: ﴿اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الرعد:2]، وقوله في سورة الفرقان:﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان:59]، وقوله في سورة السجدة: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [السجدة:4]، وقوله في سورة طه: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]، وقوله: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ [فاطر:10] ، وقوله: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ﴾ [السجدة:5]، وقوله: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ ﴾ [الملك:16]، وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لهامان: ﴿ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾، يعني: في قوله: إن في السماء إلهًا.

وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، يثبتون من ذلك ما أثبته الله تعالى ويؤمنون به ويصدقون الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على العرش ويمرونه على ظاهره ويكلون علمه إلى الله، ويقولون: ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران:7] ، كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك ورضي منهم فأثنى عليهم به.

أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المعلى: حدثني محمد بن داود بن سليمان الزاهد: أخبرني علي بن محمد بن عبيد أبو الحسن الحافظ من أصله العتيق: حدثنا أبو يحيى بن بشر الوراق: حدثنا محمد بن الأشرس الوراق أبو كنانة: حدثنا أبو المغيرة الحنفي: حدثنا قرة بن خالد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، قالت: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر.

 

يوم الأحد 15 ربيع الأول 1447 هجرية

مسجد إبراهيم _شحوح _ سيئون