بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الدرس السادس: من
كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث
وفي رواية يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة، والأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن
رسول الله ﷺ: «إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول هل
من سائل فيعطى؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح»، وفي
رواية سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة زيادة في آخره وهي: "ثم يبسط يديه فيقول:
من يقرض غير عدوم ولا ظلوم"، وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ:
"إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فينادي هل من سائل
فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فلا يبقى شيء فيه الروح إلا علم به، إلا الثقلان
الجن والإنس" قال: وذلك حين تصيح الديوك وتنهق الحمير وتنبح الكلاب، قال في
الحاشية، وفي رواية موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت زيادات حسنة
وهي التي أخبرنا بها أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز المهلبي: أنبأنا عبد الله بن
محمد الرازي: أنبأنا أبو عثمان محمد بن عثمان بن أبي سويد: حدثنا عبد الرحمن -يعني
ابن المبارك- حدثنا فضيل بن سلمان عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن
الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة
إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني
فأستجيب له؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له؟ ألا مقتر عليه رزقه فيدعوني فأرزقه؟
ألا مظلوم يذكرني فأنصره؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأفكه؟ فيكون كذلك إلى أن يطلع
الصبح ويعلو على كرسيه"، وفي رواية أبي الزبير عن جابر من طريق مرزوق أبي بكر
الذي خرجه محمد بن إسحاق بن خزيمة مختصرا، ومن طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر،
الذي خرجه الحسن بن سفيان في مسنده.
ومن طريق هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله ﷺ
قال: "إن عشية عرفة ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل
السماء، ويقول: انظروا إلى عبادي شعثًا غبرًا ضاحين، جاءوا من كل فج عميق، يرجون
رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير يومًا أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة"
وروى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن ميمون عن
عطاء بن يسار عن رفاعة الجهني حدث أن رسول الله ﷺ قال: «إذا مضى ثلث الليل أو شطر
الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي غيري، من
يستغفرني فأغفر له؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني أعطيه؟ حتى ينفجر الصبح».
أخبرنا أبو محمد المجلدي: أخبرنا أبو العباس السراج: حدثنا
محمد بن يحيى: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر
قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على رسول الله ﷺ وأنا أشهد عليهما
أنهما سمعا النبي ﷺ يقول: «إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول هبط إلى
السماء الدنيا، فيقول: هل من مذنب؟ هل من مستغفر؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى تطلع
الشمس».
أخبرنا أبو محمد المجلدي: حدثنا أبو العباس الثقفي: حدثنا
الحسن بن الصباح: حدثنا شبابة بن ثوار عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر
قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا: قال رسول الله ﷺ: «إن الله يمهل
حتى إذا كان ثلث الليل هبط إلى هذه السماء، ثم أمر بأبواب السماء ففتحت فقال: هل من
سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من مضطر أكشف عنه ضره؟
هل من مستغيث أغيثه؟ فلا يزال ذلك مكانه حتى يطلع الفجر في كل ليلة من الدنيا».
أخبرنا أبو محمد المجلدي: أنبانا أبو العباس يعني الثقفي:
حدثنا مجاهد ين موسى والفضل بن سهل قالا: حدثنا يزيد بن هارون: حدثنا سهل عن أبي
إسحاق عن الأغر أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله ﷺ أنه
قال: «إذا كان ثلث الليل نزل تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فقال: ألا هل من
مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟ ألا هل من تائب يتاب عليه؟».
حدثنا الأستاذ أبو منصور بن حمشاد: حدثنا أبو إسماعيل بن أبي
الظمأ ببغداد: حدثنا أبو منصور الرمادي: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سهيل بن
أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «ينزل الله تعالى في كل ليلة
إلى السماء الدنيا، فيقول: أنا الملك أنا الملك، ثلاثا، من يسألني فأعطيه؟ من
يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر».
سمعت الأستاذ أبا منصور على إثر هذا الحديث الذي أملاه علينا
يقول: سئل أبو حنيفة عنه فقال: "ينزل بلا كيف".
وقال بعضهم: "ينزل نزولا يليق بالربوبية بلا كيف، من غير
أن يكون نزوله مثل نزول الخلق بالتخلي والتملي، لأنه جل جلاله منزه أن تكون صفاته
مثل صفات الخلق، كما كان منزها أن تكون ذاته مثل ذوات الخلق، فمجيئه وإتيانه
ونزوله على حساب ما يليق بصفاته، من غير تشبيه وكيف".
وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد
الذي صنفه وسمعته من حامله أبي طاهر رحمه الله تعالى: باب ذكر أخبار ثابتة السند
رواها علماء الحجاز والعراق في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة، من غير صفة
كيفية النزول، إثبات النزول، فنشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه متيقن بما في هذه
الأخبار من ذكر النزول، من غير أن نصف الكيفية، لأن نبينا ﷺ لم يصف لنا كيفية نزول
خالقنا إلى السماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله عز وجل ولَّى نبيه ﷺ بيان ما
بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من
ذلك النزول، غير متكلفين للنزول بصفة الكيفية، إذ النبي ﷺ لم يصف كيفية النزول.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ: حدثنا أبو محمد الصيدلاني:
حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد: حدثنا أحمد بن صالح المصري: حدثنا ابن وهب: أنبأنا
مخرمة بن بكير عن أبيه ح. وأخبرنا الحاكم حدثنا محمد بن يعقوب الأصم واللفظ له:
حدثنا إبراهيم بن المنذر: حدثنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت محمد
بن المنكدر يزعم أنه سمع أم سلمة زوجة النبي ﷺ تقول "نعم اليوم يوم ينزل الله
تعالى فيه إلى السماء الدنيا" قالوا: وأي يوم؟ قالت: "يوم عرفة".
وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال: "ينزل الله
تعالى في النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ليلا إلى آخر النهار من الغد، فيعتق من
النار بعدد شعر معز بني كلب، ويكتب الحاج وينزل أرزاق السنة، ولا يترك أحدا إلا
غفر له إلا مشركا أو قاطع رحم أو عاقا أو مشاحنا".
أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة: حدثنا جدي الإمام: حدثنا الحسن بن
محمد الزعفراني: حدثنا إسماعيل بن علية عن هشام الدستوائي ح. قال الإمام: وحدثنا
الزعفراني: حدثنا عبد الله بن بكر السهمي: حدثنا هشام الدستوائي؛ وحدثنا
الزعفراني: حدثنا يزيد يعني ابن هارون: أخبرنا الدستوائي ح. وحدثنا محمد بن عبد
الله بن ميمون بالإسكندرية: حدثنا الوليد عن الأوزاعي جميعهم عن يحيى بن أبي كثير
عن عطاء بن يسار: حدثني رفاعة بن عرابة الجهني ح. قال الإمام: وحدثنا أبو هشام بن
زياد بن أيوب: حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير:
حدثني هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار: حدثني رفاعة بن عرابة الجهني قال:
صدرنا مع رسول الله ﷺ من مكة فجعلوا يستأذنون النبي ﷺ، فجعل يأذن لهم، فقال النبي ﷺ:
«ما بال شق الشجرة الذي يلي رسول الله ﷺ أبغض إليكم من الآخر» فلا يرى من القوم
إلا باكيا، قال: يقول أبو بكر الصديق: إن الذي يستأذنك بعدها لسفيه، فقام النبي ﷺ
فحمد الله وأثنى عليه وكان إذا حلف قال: «والذي نفسي بيده، أشهد عند الله ما منكم
من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، ولقد وعدني ربي أن
يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى
يؤمنوا ومن صلح من أزواجهم وذرياتهم مساكنكم في الجنة»، ثم قال ﷺ: «إذا مضى شطر
الليل -أو قال: ثلثاه- ينزل الله إلى السماء الدنيا، ثم يقول: لا أسأل عن عبادي
غيري، من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعو في فأجيبه؟ من ذا الذي يستغفرني
فأغفر له؟ حتى ينفجر الصبح» هذا لفظ حديث الوليد.
قال شيخ الإسلام: قلت: فلما صح خبر النزول عن الرسول ﷺ أقر به
أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله ﷺ، ولم يعتقدوا
تشبيها له بنزول خلقه، وعلموا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الله سبحانه لا تشبه صفات
الخلق، كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق، تعالى الله عما يقول المشبهة والمعطلة
علوا كبيرا، ولعنهم لعنا كثيرا.
وقرأت لأبي عبد الله بن أبي حفص البخاري، وكان شيخ بخارى في
عصره بلا مدافعة، وأبو حفص كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، قال أبو عبد
الله -أعني ابن أبي حفص هذا-: سمعت عبد الله بن عثمان وهو عبدان شيخ مرو يقول:
سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول
الله عز وجل ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾
قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفا صفا،
وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى بذلك، ولا ندري كيف جيئته، فقلنا لهم: إنا لم
نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيت من أنكر أن
الملك يجيء صفا صفا ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب. قلنا: فكذلك إن أنكر أن الله
سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب.
قال أبو عبد الله بن أبي حفص البخاري أيضا في كتابه: ذكر
إبراهيم عن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن
برب يزول عن مكانه، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.
يوم
الأربعاء 18 ربيع الأول 1447 هجرية
مسجد إبراهيم _شحوح _ سيئون