الاربعاء ، ١٧ ديسمبر ٢٠٢٥ -
الصوتيات

الدرس التاسع: من كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث

15-09-2025 | عدد المشاهدات 207 | عدد التنزيلات 44




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 

الدرس التاسع: من كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث

 

رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة

ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم وينظرون إليه، على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله ﷺ في قوله: «إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، والأخبار الواردة في الرؤية مخرجة في كتاب الانتصار بطرقها.

الإيمان بالجنة والنار وأنهما مخلوقتان

ويشهد أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا يفنيان أبدا، وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبدا، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها لايخرجون أبدا؛ وأن المنادي ينادي يومئذ: «يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت» على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله ﷺ.

الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان، فقال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن أبيه عن جده عن عمر بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص، فقيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه سبحانه فتلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا فذلك نقصانه.

أخبرنا أبو الحسن بن أبي إسحاق المزكي: حدثنا أبي: حدثنا أبو عمرو الحيري: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ومحمد بن إدريس المكي وأحمد بن شداد الترمذي، قالوا: حدثنا الحميدي: حدثنا يحيى بن سليم: سألت عشرة من الفقهاء عن الإيمان فقالوا: قول وعمل. سألت هشام بن حسان فقال: قول وعمل. وسألت ابن جريج فقال: قول وعمل. وسألت سفيان الثوري فقال: قول وعمل. وسألت المثنى بن الصباح فقال: قول وعمل. وسألت محمد بن مسلم الطائفي فقال: قول وعمل. وسألت فضيل بن عياض فقال: قول وعمل. وسألت نافع بن عمر الجمحي فقال: قول وعمل. وسألت سفيان بن عيينة فقال: قول وعمل.

وأخبرنا أبو عمرو الحيري: حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن إدريس: سمعت الحميدي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد تقول: ينقص؟ فقال: اسكت يا صبي، بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء.

وقال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي ومالكا وسعيد بن عبد العزيز ينكرون على من يقول: إقرار بلا عمل، ويقولون: لا إيمان إلا بعمل، قلت: فمن كانت طاعاته وحسناته أكثر فإنه أكمل إيمانا، ومن كان قليل الطاعة كثير المعصية والغفلة والإضاعة فإيمانه ناقص.

وسمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن بالويه الحلاب يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: يا أحمد، إنكم تبغضون هؤلاء القوم جهلا، وأنا أبغضهم عن معرفة. إن أول أمرهم إنهم لا يرون للسلطان طاعة، والثاني إنه ليس للإيمان عندهم قدر؛ والله لا أستجيز أن أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى، ولا كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: إيماننا كإيمان جبرائيل وميكائيل.

وسمعت الحاكم يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانيء يقول: سمعت أبا بكر محمد بن شعيب يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قدم ابن المبارك الري فقام إليه رجل من العباد، الظن أنه يذهب مذهب الخوارج، فقال له: يا أبا عبد الرحمن ما تقول فيمن يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: لا أخرجه من الإيمان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، على كبر السن صرت مرجئا؟ فقال: لا تقبلني المرجئة، المرجئة تقول: حسناتنا مقبولة وسيئاتنا مغفورة، ولو علمت أني قبلت مني حسنة لشهدت أني في الجنة. ثم ذكر عن أبي شوذب عن سلمة بن كهيل، عن هذيل بن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح.

سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني يقول: سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت الحسين بن حرب أخا أحمد بن حرب الزاهد يقول: أشهد أن دين أحمد بن حرب الذي يدين الله به أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

لا يكفر المؤمن بكل ذنب

ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوبا كثيرة صغائر وكبائر فإنه لا يكفر بها؛ وإن خرج عن الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد والإخلاص فإن أمره إلى الله عز وجل، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة يوم القيامة سالما غانما غير مبتلى بالنار ولا معاقب على ما ارتكبه واكتسبه ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عفا عنه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها، بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار.

وكان شيخنا سهل بن محمد رحمه الله يقول: المؤمن المذنب وإن عذب بالنار فإنه لا يُلقى فيها إلقاء الكفار، ولا يبقى فيها بقاء الكفار، ولا يشقى فيها شقاء الكفار، ومعنى ذلك أن الكافر يسحب على وجهه إلى النار، ويلقى فيها منكوسا في السلاسل والأغلال والأنكال الثقال، والمؤمن المذنب إذا ابتلي في النار فإنه يدخل النار كما يدخل المجرم في الدنيا السجن على الرجل من غير إلقاء وتنكيس، ومعنى قوله "لا يلقى في النار إلقاء الكفار" أن الكافر يحرق بدنه كله، كلما نضج جلده بُدل جلدا غيره ليذوق العذاب، كما بينه الله في كتابه في قو له تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ [النساء:56]، وأما المؤمنون فلا تلفح وجوههم النار ولا تحرق أعضاء السجود منهم، إذ حرم الله على النار أعضاء سجوده.

ومعنى قوله: "لا يبقى في النار بقاء الكفار" أن الكافر يخلد فيها ولا يخرج منها أبدا، ولا يخلد الله من مذنبي المؤمنين في النار أحدا،  ومعنى قوله: "لا يشقى بالنار شقاء الكفار" أن الكفار ييأسون فيها من رحمة الله ولا يرجون راحة بحال، وأما المؤمنون فلا ينقطع طمعهم من رحمة الله في كل حال، وعاقبة المؤمنين كلهم الجنة، لأنهم خلقوا لها وخلقت لهم فضلا من الله ومنة.

 

يوم الأحد 22 ربيع الأول 1447 هجرية

مسجد إبراهيم _شحوح _ سيئون