الاربعاء ، ١٧ ديسمبر ٢٠٢٥ -
الصوتيات

الدرس الرابع والأخير: من التعليق على رسالة التحف فِي مَذَاهِب السّلف للإمام الشوكاني رحمه الله

24-09-2025 | عدد المشاهدات 226 | عدد التنزيلات 43




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 

الدرس الرابع والأخير:  من التعليق على رسالة التحف فِي مَذَاهِب السّلف للإمام الشوكاني رحمه الله

 

 (وَأما الْكَلِمَة) وَهِي لَيْسَ كمثله شَيْء فبها يُسْتَفَاد نفي الْمُمَاثلَة فِي كل شَيْء فَيدْفَع بِهَذِهِ الْآيَة فِي وَجه المجسمة وتعرف بِهِ الْكَلَام عِنْد وَصفه سُبْحَانَهُ بالسميع الْبَصِير وَعند ذكر السّمع وَالْبَصَر وَالْيَد والاستواء وَنَحْو ذَلِك مِمَّا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة فتقرر بذلك الْإِثْبَات لتِلْك الصِّفَات لَا على وَجه الْمُمَاثلَة والمشابهة للمخلوقات فَيدْفَع بِهِ جَانِبي الإفراط والتفريط وهما الْمُبَالغَة فِي الْإِثْبَات المفضية إِلَى التجسيم وَالْمُبَالغَة فِي النَّفْي المفضية إِلَى التعطيل فَيخرج من بَين الْجَانِبَيْنِ وغلو الطَّرفَيْنِ أحقية مَذْهَب السّلف الصَّالح وَهُوَ قَوْلهم بِإِثْبَات مَا أثْبته لنَفسِهِ من الصِّفَات على وَجه لَا يُعلمهُ إِلَّا هُوَ فَإِنَّهُ الْقَائِل لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير.

وَمن جملَة الصِّفَات الَّتِي أمرهَا السّلف على ظَاهرهَا وأجروها على مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن وَالسّنة من دون تكلّف وَلَا تَأْوِيل صفة الاسْتوَاء الَّتِي ذكرهَا السَّائِل يَقُولُونَ نَحن نثبت مَا أثْبته الله لنَفسِهِ من استوائه على عَرْشه على هَيْئَة لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ وَكَيْفِيَّة لَا يدْرِي بهَا سواهُ وَلَا نكلف أَنْفُسنَا غير هَذَا فَلَيْسَ كمثله شَيْء لَا فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَلَا يحيط عباده بِهِ علما وَهَكَذَا يَقُولُونَ فِي مَسْأَلَة الْجِهَة الَّتِي ذكرهَا السَّائِل وَأَشَارَ إِلَى بعض مَا فِيهِ دَلِيل عَلَيْهَا والأدلة فِي ذَلِك طَوِيلَة كَثِيرَة فِي الْكتاب وَالسّنة وَقد جمع أهل الْعلم مِنْهَا لَا سِيمَا أهل الحَدِيث مبَاحث طولوها بِذكر آيَات قرآنية وَأَحَادِيث صَحِيحَة وَقد وقفت من ذَلِك على مؤلف بسيط فِي مُجَلد جمعه مؤرخ الْإِسْلَام الْحَافِظ الذَّهَبِيّ رَحمَه الله استوفى فِيهِ كل مَا فِيهِ دلَالَة على الْجِهَة من كتاب أَو سنة أَو قَول صَاحب مَذْهَب وَالْمَسْأَلَة أوضح من أَن تَلْتَبِس على عَارِف وَأبين من أَن يحْتَاج فِيهَا إِلَى التَّطْوِيل وَلكنهَا لما وَقعت تِلْكَ القلاقل والزلازل الكائنة بَين بعض الطوائف الإسلامية كثر الْكَلَام فِيهَا وَفِي مَسْأَلَة الاسْتوَاء وَطَالَ وسيما بَين الْحَنَابِلَة وَغَيرهم من أهل الْمذَاهب فَلهم فِي ذَلِك الْفِتَن الْكُبْرَى والملاحم الْعُظْمَى وَمَا زَالُوا هَكَذَا فِي عصر بعد عصر وَالْحق هُوَ مَا عرفناك من مَذْهَب السّلف الصَّالح فالاستواء على الْعَرْش والكون فِي تِلْكَ الْجِهَة قد صرح بِهِ الْقُرْآن الْكَرِيم فِي مَوَاطِن يكثر حصرها وَيطول نشرها وَكَذَلِكَ صرح بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غير حَدِيث بل هَذَا مِمَّا يجده كل فَرد من أَفْرَاد النَّاس فِي نَفسه وتحسه فِي فطرته وتجذبه إِلَيْهِ طَبِيعَته كَمَا نرَاهُ فِي كل من اسْتَغَاثَ بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والتجأ إِلَيْهِ وَوجه أدعيته إِلَى جنابه الرفيع وعزه المنيع فَإِنَّهُ يُشِير عِنْد ذَلِك بكفه أَو يَرْمِي إِلَى السَّمَاء بطرفه وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك عِنْد عرُوض أَسبَاب الدُّعَاء وحدوث بواعث الاستغاثة وَوُجُود مقتضيات الإزعاج وَظُهُور دواعي الالتجاء عَالم النَّاس وجاهلهم والماشي على طَريقَة السّلف والمقتدي بِأَهْل التَّأْوِيل الْقَائِلين بِأَن الاسْتوَاء هُوَ الِاسْتِيلَاء كَمَا قَالَ جُمْهُور المتأولين والأقيال كَمَا قَالَه أَحْمد بن يحيى ثَعْلَب والزجاج وَالْفراء وَغَيرهم أَو كِنَايَة عَن الْملك وَالسُّلْطَان كَمَا قَالَه آخَرُونَ فالسلامة والنجاة فِي إمرار ذَلِك على الظَّاهِر والإذعان بِأَن الاسْتوَاء والكون على مَا نطق بِهِ الْكتاب وَالسّنة من دون تكييف وَلَا تكلّف وَلَا قيل وَلَا قَالَ وَلَا قُصُور فِي شَيْء من الْمقَال فَمن جَاوز هَذَا الْمِقْدَار بإفراط أَو تَفْرِيط فَهُوَ غير مقتد بالسلف وَلَا وَاقِف فِي طَرِيق النجَاة وَلَا معتصم عَن الْخَطَأ وَلَا سالك فِي طَرِيق السَّلامَة والاستقامة وكما نقُول هَكَذَا فِي الاسْتوَاء والكون فِي تِلْكَ الْجِهَة فَكَذَا نقُول فِي مثل قَوْله سُبْحَانَهُ وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم وَقَوله مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سادسهم وَفِي نَحْو ﴿ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾، إِلَى مَا يشابه ذَلِك ويماثله ويقاربه ويضارعه فَنَقُول فِي مثل هَذِه الْآيَات هَكَذَا جَاءَ الْقُرْآن إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا نتكلف تَأْوِيل ذَلِك كَمَا يتَكَلَّف غَيرنَا بِأَن المُرَاد بِهَذَا الْكَوْن وَهَذِه الْمَعِيَّة هُوَ كَون الْعلم ومعيته فَإِن هَذِه شُعْبَة من شعب التَّأْوِيل تخَالف مَذَاهِب السّلف وتباين مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة والتابعون وتابعوهم وَإِذا إنتهيت إِلَى السَّلامَة فِي مداك فَلَا تجاوزه

وَهَذَا الْحق لَيْسَ بِهِ خَفَاء فَدَعْنِي من بنيات الطَّرِيق

وَقد هلك المتنطعون وَلَا يهْلك على الله إِلَّا هَالك وعَلى نَفسهَا براقش تجني، وَفِي هَذِه الْجُمْلَة وَإِن كَانَت قَليلَة مَا يُغني من شح بِدِينِهِ وحرص عَلَيْهِ عَن تَطْوِيل الْمقَال وتكثير ذيوله وتوسيع دَائِرَة فروعه وأصوله وَالْهِدَايَة من الله وَالله أعلم.

 

يوم الأربعاء 2 ربيع الآخر 1447 هجرية

مسجد إبراهيم _شحوح _ سيئون