بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
فضائل القرآن _للقاسم بن سلام
الدرس الرابع والعشرون: من التعليق
على كتاب فضائل
القرآن _ للقاسم بن سلام
بَابُ مَا رُفِعَ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ نُزُولِهِ وَلَمْ يُثْبَتُ فِي الْمَصَاحِفِ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
" لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ قَدْ أَخَذْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَمَا
يُدْرِيهِ مَا كُلَّهُ؟ قَدْ ذَهَبَ مِنْهُ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ:
قَدْ أَخَذْتُ مِنْهُ مَا ظَهْرَ مِنْهُ "
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي
مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ
تُقْرَأُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَتَيْ
آيَةٍ، فَلَمَّا كَتَبَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ لَمْ يَقْدِرْ مِنْهَا إِلَّا
عَلَى مَا هُوَ الْآنَ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي
النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا
زِرُّ، كَأَيِّنْ تَعُدُّ؟ أَوْ قَالَ: كَأَيِّنْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟
قُلْتُ: اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ آيَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً.
فَقَالَ: «إِنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَنَقْرَأُ
فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ» . قُلْتُ: وَمَا آيَةُ الرَّجْمِ؟ قَالَ: (إِذَا زِنًا
الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي هِلَالٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ،
أَنَّ خَالَتَهُ، قَالَتْ: " لَقَدْ أَقْرَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ الرَّجْمِ (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا
فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ بِمَا قَضَيَا مِنَ اللَّذَّةِ)
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ فَقَالَ: " أَلَا
إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: مَا بَالُ الرَّجْمِ، وَإِنَّمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ
الْجِلْدُ؟ وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَرَجَمْنَا مَعَهُ. وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ قَائِلُونَ: زَادَ عُمَرُ فِي
كِتَابِ اللَّهِ لَأَثْبَتُّهَا كَمَا أُنْزِلَتْ "
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَ
فِي نَاحِيَةِ الْمُصْحَفِ: شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ
وَرَجَمْنَا "
حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،
عَنْ بَجَالَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، مَرَّ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ فِي
الْمُصْحَفِ (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ، وَهُوَ أَبُوهُمْ) فَقَالَ عُمَرُ: «لَا
تُفَارِقْنِي حَتَّى نَأْتِيَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ» . فَأَتَيَا أُبَيَّ بْنَ
كَعْبٍ فَقَالَ: «يَا أُبَيُّ، أَلَا تَسْمَعُ كَيْفَ يَقْرَأُ هَذَا هَذِهِ
الْآيَةَ؟» فَقَالَ أُبَيُّ: «كَانَتْ فِيمَا أُسْقِطَ» . قَالَ عُمَرُ: "
فَأَيْنَ كُنْتَ عَنْهَا؟ فَقَالَ: شَغَلَنِي عَنْهَا مَا لَمْ يَشْغَلْكَ "
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ
أَتَيْنَاهُ، فَعَلَّمَنَا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَجِئْتُهُ ذَاتَ
يَوْمٍ، فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ
لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا
مِنْ ذَهَبٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ لَهُ الثَّانِي
لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثَّالِثُ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ
إِلَّا التُّرَابُ. وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ) "
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي
الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: " نَزَلَتْ سُورَةٌ
نَحْوَ بَرَاءَةَ، ثُمَّ رُفِعَتْ، وَحُفِظَ مِنْهَا (إِنَّ اللَّهَ سَيُؤَيِّدُ
هَذَا الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ. وَلَوْ أَنَّ لِابنِ آدَمَ
وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى وَادِيًا ثَالِثًا. وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ
ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ. وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ)
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ، قَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ
لَابْتَغَى الثَّالِثُ. وَلَا يَمْلَأُ بَطْنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ.
وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ)
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: كُنَّا نَقْرَأُ (لَوْ أَنَّ
لِابْنِ آدَمَ مِلْءَ وَادٍ مَالًا، لَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِثْلَهُ. وَلَا يَمْلَأُ
جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ. وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ)
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا
أَدْرِي أَمِنَ الْقُرْآنِ هُوَ أَمْ لَا؟
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ
أَبِي يُونُسَ، قَالَتْ: قَرَأَ عَلَيَّ أَبِي، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً،
فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا وَعَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ الْأُولَى) قَالَتْ: قَبْلَ
أَنْ يُغَيِّرَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ
وَغَيْرِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: كُنَّا نَقْرَأُ (لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ
بِكُمْ) ثُمَّ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَكَذَاكَ يَا زَيْدُ؟ قَالَ: نَعَمْ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
مَرْيَمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَلَمْ نَجِدْ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا أَنْ
(جَاهِدُوا كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ؟ فَإِنَّا لَا نَجِدُهَا فَقَالَ:
أُسْقِطَتْ فِيمَا أُسْقِطَ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذِهِ الْحُرُوفُ
الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ مِنَ الزَّوَائِدِ لَمْ يَرْوِهَا
الْعُلَمَاءُ، وَاحْتَمَلُوهَا عَلَى أَنَّهَا مِثْلُ الَّذِي بَيْنَ
اللَّوْحَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ؛ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِهَا فِي
الصَّلَاةِ. وَلَمْ يَجْعَلُوا مَنْ جَحَدَهَا كَافِرًا. إِنَّمَا تُقْرَأُ فِي
الصَّلَاةِ. وَيْحَكُمُ بِالْكُفْرِ عَلَى الْجَاحِدِ لِهَذَا الَّذِي بَيْنَ
اللَّوْحَيْنِ خَاصَّةً وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الْإِمَامِ الَّذِي نَسْخَهُ
عُثْمَانُ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَإِسْقَاطٍ لِمَا
سِوَاهُ ثُمَّ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي شَيْءٍ
مِنْهُ، يَعْرِفُهُ جَاهِلُهُمْ كَمَا يَعْرِفُهُ عَالِمُهُمْ، وَتَوَارَثُهُ
الْقُرُونُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، وَتَتَعَلَّمَهُ الْوِلْدَانُ فِي الْمَكْتَبِ.
وَكَانَتْ هَذِهِ إِحْدَى مَنَاقِبِ عُثْمَانَ الْعِظَامِ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ
أَهْلِ الزَّيْغِ طَعَنَ فِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لِلنَّاسِ ضَلَالُهُمْ فِي ذَلِكَ
حُدِّثْتُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
زُرَيْعٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: أَلَا
تَعْجَبُ مِنْ حُمْقِهِمْ؛ كَانَ مِمَّا عَابُوا عَلَى عُثْمَانَ تَمْزِيقِهِ
الْمَصَاحِفَ، ثُمَّ قَبِلُوا مَا نَسْخَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَقُولُ: إِنَّهُ
كَانَ مَأْمُونًا عَلَى مَا أُسْقِطَ، كَمَا هُوَ مَأْمُونٌ عَلَى مَا نَسَخَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ وُلِّيتُ الْمَصَاحِفَ لَصَنَعْتُ
فِيهَا الَّذِي صَنَعَ عُثْمَانُ. وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ: أَدْرَكْتُ
النَّاسَ حِينَ فَعَلَ عُثْمَانُ مَا فَعَلَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَنْكَرَ
ذَلِكَ، يَعْنِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ
ذَكَرْنَا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالَّذِي
أَلَّفَهُ عُثْمَانُ، هُوَ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ،
وَهُوَ الَّذِي يُحْكَمُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا مِثْلَمَا يُحْكَمُ
عَلَى الْمُرْتَدِّ مِنَ الِاسْتِتَابَةِ، فَإِنْ أَبَى فَالْقَتْلُ. فَأَمَّا مَا
جَاءَ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الَّتِي لَمْ يُؤْخَذْ عِلْمُهَا إِلَّا
بِالْإِسْنَادِ وَالرِّوَايَاتِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْخَاصَّةُ مِنَ
الْعُلَمَاءِ دُونَ عَوَّامِ النَّاسِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ أَهْلُ الْعِلْمِ
مِنْهَا أَنْ يَسْتَشْهِدُوا بِهَا عَلَى تَأْوِيلِ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ،
وَتَكُونُ دَلَائِلَ عَلَى مَعْرِفَةِ مَعَانِيهِ وَعِلْمِ وُجُوهِهِ، وَذَلِكَ
كَقِرَاءَةِ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ
الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ) وَكَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (وَالسَّارِقُونَ
وِالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمْ) ، وَمَثَلِ قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ،
فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ. . .) ، وَكَقِرَاءَةِ سَعْدٍ (فَإِنْ كَانَ لَهُ أَخٌّ
أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ) وَكَمَا قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (لَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ) ،
وَكَذَلِكَ قِرَاءَةِ جَابِرٍ (فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ
لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . فَهَذِهِ الْحُرُوفُ وَأَشْبَاهٌ لَهَا كَثِيرَةٌ قَدْ
صَارَتْ مُفَسَّرَةً لِلْقُرْآنِ، وَقَدْ كَانَ يُرَى مِثْلُ هَذَا عَنْ بَعْضِ
التَّابِعِينَ فِي التَّفْسِيرِ فَيُسْتَحْسَنُ ذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا رُوِيَ
عَنْ لُبَابِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَارَ
فِي نَفْسِ الْقِرَاءَةِ؟ فَهُوَ الْآنَ أَكْثَرُ مِنَ التَّفْسِيرِ وَأَقْوَى،
وَأَدْنَى مَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ عِلْمِ هَذِهِ الْحُرُوفِ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ
التَّأْوِيلِ. عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي لَا تَعْرِفُ الْعَامَّةُ
فَضْلَهُ. إِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ. وَكَذَلِكَ يَعْتَبِرُ بِهَا
وَجْهُ الْقِرَاءَةِ، كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ﴾ [الأنعام: 57] فَلَمَّا
وَجَدْتُهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ (يَقْضِي بِالْحَقِّ) عَلِمْتُ أَنْتَ
أَنَّمَا هِيَ يَقْضِي الْحَقَّ، فَقَرَأْتَهَا أَنْتَ عَلَى مَا فِي الْمُصْحَفِ،
وَاعْتَبَرْتَ صِحَّتَهَا بِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ. وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ
قَرَأَ ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ
دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: 82] لَمَّا
وَجَدْتُهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ (تُنَبِّئُهُمْ) عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَ
الْقِرَاءَةِ تُكَلِّمُهُمْ. فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَذِهِ كَثِيرَةٍ لَوْ
تُدُبِّرَتْ وُجِدَ فِيهَا عِلْمٌ وَاسِعٌ لِمَنْ فَهِمَهُ
حُرُوفُ الْقُرْآنِ الَّتِي اخْتَلَفَتْ
فِيهَا مَصَاحِفُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ
حَرْفًا
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ، وَأَهْلَ الْعِرَاقِ
اخْتَلَفَتْ مَصَاحِفُهُمْ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ. قَالَ: كَتَبَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ (وَأَوْصَى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ)
بِالْأَلِفِ، وَكَتَبَ أَهْلُ الْعِرَاقِ ﴿وَوَصَّى﴾ [البقرة: 132] بِغَيْرِ
أَلِفٍ. وَفِي آلِ عِمْرَانَ، كَتَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ (سَارِعُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) بِغَيْرِ وَاو، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: ﴿وَسَارِعُوا﴾ [آل عمران: 133] بِالْوَاوِ.
وَفِي الْمَائِدَةِ (يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا
بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) بِغَيْرِ وَاو، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: ﴿وَيَقُولُ﴾ [المائدة: 53] بِالْوَاوِ.
وَفِيهَا أَيْضًا أَهْلُ الْمَدِينَةِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) بِدَالَيْنِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ ﴿مَنْ يَرْتَدُّ﴾ [المائدة: 54] بَدَالٍ
وَاحِدَةٍ
وَفِي سُورَةِ بَرَاءَةَ،
أَهْلُ الْمَدِينَةِ (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا)
بِغَيْرِ وَاو، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ [التوبة: 107] بِالْوَاوِ. وَفِي الْكَهْفِ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ (لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهُمَا مُنْقَلَبًا) عَلَى
اثْنَيْنِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: ﴿خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف: 36] عَلَى
وَاحِدَةٍ. وَفِي الشُّعَرَاءِ، أَهْلُ الْمَدِينَةِ (فَتَوَكَّلْ عَلَى
الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) بِالْفَاءِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: ﴿وَتَوَكَّلْ﴾ [الشعراء: 217] بِالْوَاوِ.
وَفِي الْمُؤْمِنِ، أَهْلُ الْمَدِينَةِ (وَأَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)
بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ ﴿أَوْ أَنْ﴾ [هود: 87] بِأَلِفٍ. وَفِي عسق، أَهْلُ
الْمَدِينَةِ: (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) بِغَيْرِ فَاءٍ. وَأَهْلُ الْعِرَاقِ ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ﴾ [الشورى: 30] بِالْفَاءِ.
وَفِي الزُّخْرُفِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: ﴿تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ﴾ [الزخرف: 71] بِالْهَاءِ،
وَأَهْلُ الْعِرَاقِ (تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ) بِغَيْرِ هَاءٍ. وَفِي الْحَدِيدِ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ (إِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) بِغَيْرِ هُوَ،
وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: ﴿هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: 24] . وَفِي
الشَّمْسِ وَضُحَاهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ: (فَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا)
بِالْفَاءِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: ﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ [الشمس: 15] بِالْوَاوِ
بَابٌ وَهَذِهِ الْحُرُوفُ الَّتِي اخْتَلَفَتْ فِيهَا
مَصَاحِفُ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَدْ وَافَقَتْ أَهْلَ
الْحِجَازِ فِي بَعْضٍ وَفَارَقَتْ بَعْضًا
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
عَمَّارٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ
الذِّمَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصِبِيِّ، قَالَ هِشَامٌ:
وَحَدَّثَنَاهُ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَيْضًا، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
عِمْرَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ، أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفِ فِي مَصَاحِفِ الشَّامِ، وَقَدْ دَخَلَ
حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الْآخَرِ، وَهِيَ ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا
فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الشَّامِ: فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: (قَالُوا اتَّخَذَ
اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ) بِغَيْرِ وَاوٍ. وَفِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ:
(سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) بِغَيْرِ وَاوٍ. وَفِيهَا أَيْضًا:
(جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ)
كُلُّهُنَّ بِالْبَاءِ. وَفِي النِّسَاءِ: (مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلًا
مِنْهُمْ) بِالنَّصْبِ. وَفِي الْمَائِدَةِ: (يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا
أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا) بِغَيْرِ وَاو. وَفِيهَا أَيْضًا: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ) بِدَالَيْنِ. وَفِي
الْأَنْعَامِ: (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) بِلَامٍ وَاحِدَةٍ
وَفِيهَا أَيْضًا:
(وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ
شُرَكَائِهِمْ) بِنَصْبِ الْأَوْلَادِ وَخَفْضِ الشُّرَكَاءِ، وَيَتَأَوَّلُونَهُ
قَتْلَ شُرَكَائِهِمْ أَوْلَادَهُمْ. وَفِي الْأَعْرَافِ: (قَلِيلًا مَا
تَتَذَكَّرُونَ) بِتَاءَيْنِ. وَفِيهَا أَيْضًا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
هَدَانَا لِهَذَا مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) بِغَيْرِ وَاو. وَفِيهَا أَيْضًا: فِي
قِصَّةِ صَالِحٍ: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) بِغَيْرِ وَاو.
وَفِيهَا أَيْضًا: فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ: (وَقَالَ الْمَلَأُ) بِالْوَاوِ.
وَفِيهَا أَيْضًا: (وَإِذَا أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) بِغَيْرِ نُونٍ.
وَفِي بَرَاءَةَ: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا) بِغَيْرِ وَاو. وَفِي
يُونُسَ: (هُوَ الَّذِي يَنْشُرُكُمْ فِي الْبِرِّ وَالْبَحْرِ) بِالنُّونِ
وَالشِّينِ. وَفِيهَا: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ)
عَلَى الْجِمَاعِ. وَفِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: (قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ
كُنْتُ) بِالْأَلْفِ عَلَى الْخَبَرِ. وَفِي الْكَهْفِ: (خَيْرًا مِنْهُمَا
مُنْقَلَبًا) عَلَى اثْنَيْنِ. وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ: (سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ لِلَّهِ لِلَّهِ) ثَلَاثَتَهُنَّ بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَفِي الشُّعَرَاءِ:
(فَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) بِالْفَاءِ. وَفِي النَّمْلِ:
(إِنَّنَا لَمُخْرَجُونَ) عَلَى نُونَيْنِ بِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ
وَفِي الْمُؤْمِنِ: (كَانُوا
هُمْ أَشَدُّ مِنْكُمْ قُوَّةً) بِالْكَافِ. وَفِيهَا أَيْضًا: (وَأَنْ يُظْهَرَ
فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَفِي عسق: (مَا أَصَابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) بِغَيْرِ فَاءٍ. وَفِي الرَّحْمَنِ:
(وَالْحَبَّ ذَا الْعَصْفَ وَالرَّيْحَانَ) بِالنَّصْبِ. وَفِيهَا أَيْضًا:
(تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) بِالرَّفْعِ. وَفِي
الْحَدِيدِ: (إِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) بِغَيْرِ هُوَ. وَفِي
الشَّمْسِ وَضُحَاهَا (فَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) بِالْفَاءِ. قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا مَا خَالَفَتْ فِيهِ مَصَاحِفُ أَهْلِ الْحِجَازِ
وَأَهْلِ الشَّامِ مَصَاحِفَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَمَّا الْعِرَاقُ نَفْسُهَا
فَلَمْ تَخْتَلِفْ مَصَاحِفُهَا فِيمَا بَيْنَهَا إِلَّا خَمْسَةَ أَحْرُفٍ بَيْنَ
مَصَاحِفِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ. كَتَبَ الْكُوفِيُّونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ:
﴿لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ
هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: 63] بِغَيْرِ
تَاءٍ. وَفِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ﴾ [الأنبياء: 4] بِالْأَلْفِ
عَلَى الْخَبَرِ. وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ: (قُلْ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي
الْأَرْضِ) عَلَى الْأَمْرِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَكَذَلِكَ الَّتِي تَلِيهَا: (قُلْ
إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا) مِثْلُ الْأُولَى. وَفِي الْأَحْقَافِ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانُ بِوَالِدَيْهِ
إِحْسَانًا﴾ [الأحقاف:
15] . وَكَتَبَهَا الْبَصْرِيُّونَ: لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا بِالتَّاءِ. وَكَتَبُوا:
(قُلْ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ) عَلَى الْأَمْرِ، بِغَيْرِ أَلِفٍ.
وَكَتَبُوا: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [المؤمنون: 112] بِالْأَلْفِ
عَلَى الْخَبَرِ. وَكَذَلِكَ الَّتِي تَلِيهَا: ﴿قَالَ إِنَّ لَبِثْتُمْ﴾ [المؤمنون: 114] مِثْلُ
الْأُولَى. وَكَتَبُوا: (بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) بِغَيْرِ أَلِفٍ. قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: هَذِهِ الْحُرُوفُ الَّتِي اخْتَلَفَتْ فِي مَصَاحِفِ الْأَمْصَارِ،
لَيْسَتْ كَتِلْكَ الزَّوَائِدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْبَابَيْنِ
الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُثْبَتَةٌ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، وَهِيَ كُلُّهَا
مَنْسُوخَةٌ مِنَ الْإِمَامِ الَّذِي كَتَبَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
ثُمَّ بَعَثَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ مِمَّا نَسَخَ بِمُصْحَفٍ، وَمَعَ هَذَا إِنَّهَا
لَمْ تَخْتَلِفْ فِي كَلِمَةٍ تَامَّةٍ، وَلَا فِي شَطْرِهَا. إِنَّمَا كَانَ
اخْتِلَافُهَا فِي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ كَالْوَاوِ
وَالْفَاءِ وَالْأَلِفِ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ، إِلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي
الْحَدِيدِ وَحْدَهُ: قَوْلُهُ (فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فَإِنَّ
أَهْلَ الْعِرَاقِ زَادُوا عَلَى ذَيْنِكَ الْمِصْرَيْنِ (هُوَ) . وَأَمَّا
سَائِرُهَا فَعَلَى مَا أَعْلَمْتُكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ إِنْكَارُ شَيْءٍ مِنْهَا
وَلَا جَحْدُهُ. وَهِيَ كُلُّهَا عِنْدَنَا كَلَامُ اللَّهِ، وَالصَّلَاةُ بِهَا
تَامَّةُ إِذْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهَا
يوم
الأربعاء 21 جمادى الأولى 1447 هجرية
مسجد إبراهيم _شحوح _ سيئون