الاربعاء ، ١٧ ديسمبر ٢٠٢٥ -
الصوتيات

الدرس الخامس عشر: من التعليق على كتابِ ‌مِنْهَاجِ ‌السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ _ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - ‌رَحِمَهُ ‌اللَّهُ -

05-12-2025 | عدد المشاهدات 73 | عدد التنزيلات 20




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 

الدرس الخامس عشر: من التعليق على كتابِ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي نَقْضِ كَلَامِ الشِّيْعَة الْقَدَرِيَّةِ  _ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

 

يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْحَرَّانِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ تَسْمِيَةَ تَأْثِيرِ الرَّبِّ فِي مَخْلُوقَاتِهِ فِعْلًا وَصُنْعًا وَإِبْدَاعًا وَإِبْدَاءً وَخَلْقًا وَبَرْءًا، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ هُوَ مِمَّا تَوَاتَرَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ وَمِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ، وَذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي تَتَدَاوَلُهَا الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ تَدَاوُلًا كَثِيرًا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا الْمُرَادُ بِهَا أَوِ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ مَا لَا يَفْهَمُهُ إِلَّا الْخَاصَّةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَكُونَ جَمَاهِيرُ النَّاسِ يَفْهَمُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ مَا يَعْنُونَهُ بِكَلَامِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ.

وَأَيْضًا، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرَ الْمَفْهُومِ مِنْهَا لَكَانَ الْخِطَابُ بِهَا تَلْبِيسًا وَتَدْلِيسًا وَإِضْلَالًا.

وَأَيْضًا، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا خِلَافَ الْمَفْهُومِ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُهُ خَوَاصُّهُمْ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ خَوَاصَّ الصَّحَابَةِ وَعَوَامَّهُمْ كَانُوا يُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَلِيكُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا بَيْنَهُمَا، فَحَدَثَتْ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حَصَلَ لَنَا عِلْمٌ بِمُرَادِ الْأَنْبِيَاءِ وَجَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ، وَاسْتَفَدْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِهَا غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لَهُمْ فِي الْمُرَادِ بِهَا، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّ مُرَادَهُمْ هُوَ مُرَادُهُ فِي كَوْنِهَا مُلَازِمَةً لِلرَّبِّ أَزَلًا وَأَبَدًا، عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَجَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ كَذِبًا صَرِيحًا.

كَمَا يَصْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي لَفْظِ الْإِحْدَاثِ فَإِنَّ الْإِحْدَاثَ مَعْنَاهُ مَعْقُولٌ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَهُوَ مِمَّا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَاتِ كُلِّهَا، وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا لَهُمْ وَضْعًا مُبْتَدَعًا، فَقَالُوا: الْحُدُوثُ يُقَالُ: عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: زَمَانِيٌّ، وَمَعْنَاهُ حُصُولُ الشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ فِي زَمَانٍ سَابِقٍ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْءُ مُسْتَنِدًا إِلَى ذَاتِهِ، بَلْ إِلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِنَادُ مَخْصُوصًا بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ كَانَ مُسْتَمِرًّا فِي كُلِّ الزَّمَانِ قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْحُدُوثُ الذَّاتِيُّ.

وَكَذَلِكَ الْقِدَمُ فَسَّرُوهُ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَجَعَلُوا الْقِدَمَ بِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْوُجُوبِ قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ الْحُدُوثِ الذَّاتِيِّ أَنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ لِذَاتِهِ، فَإِنَّهُ لِذَاتِهِ يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ، وَمِنْ غَيْرِهِ يَسْتَحِقُّ الْوُجُودَ، وَمَا بِالذَّاتِ أَقْدَمُ مِمَّا بِالْغَيْرِ، فَالْعَدَمُ فِي حَقِّهِ أَقْدَمُ مِنَ الْوُجُودِ تَقَدُّمًا بِالذَّاتِ، فَيَكُونُ مُحْدَثًا حُدُوثًا ذَاتِيًّا.

وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِمُ الرَّازِيُّ سُؤَالًا: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْمُمْكِنُ يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ مِنْ ذَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّ الْعَدَمَ مِنْ ذَاتِهِ لَكَانَ مُمْتَنِعًا لَا مُمْكِنًا، بَلِ الْمُمْكِنُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ مَعْرُوفٌ، بَلْ كَمَا أَنَّ الْمُمْكِنَ يَسْتَحِقُّ الْوُجُودَ مِنْ وُجُودِ عِلَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ مِنْ عَدَمِ عِلَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ مِنَ الْغَيْرِ، وَلَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمَاهِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا تَقَدُّمٌ عَلَى الْآخَرِ، فَإِذَنْ لَا يَكُونُ لِعَدَمِهِ تَقَدُّمٌ ذَاتِيٌّ عَلَى وُجُودِهِ.

قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ هُوَ إِنَّ الْمُمْكِنَ يَسْتَحِقُّ مِنْ ذَاتِهِ لَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَهَذِهِ اللَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ وَصْفٌ عَدَمِيٌّ سَابِقٌ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، فَتَقَرَّرَ الْحُدُوثُ الذَّاتِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ

فَيُقَالُ: هَذَا السُّؤَالُ سُؤَالٌ صَحِيحٌ يُبَيِّنُ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ مَعَ مَا سَلَّمَهُ لَهُمْ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ غَيْرَ الْوُجُودِ الثَّابِتِ فِي الْخَارِجِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَمَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُمْكِنِ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ عِلَّتِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ ذَاتِهِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا.

فَيُقَالُ: إِذَا قُدِّرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلْعَدَمِ بِحَالٍ، فَإِنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَقْتَضِ وُجُودَهُ وَلَا عَدَمَهُ، وَلَكِنَّ غَيْرَهُ اقْتَضَى وُجُودَهُ، وَلَمْ يَقْتَضِ عَدَمَهُ، فَيَبْقَى الْعَدَمُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا مِنْ مَوْجُودٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْوُجُودِ، فَلَا يَكُونُ عَدَمُهُ سَابِقًا لِوُجُودِهِ بِحَالٍ.

وَقَوْلُهُ: اللَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ وَصْفٌ عَدَمِيٌّ، جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْعَدَمِيَّ هُوَ عَدَمُ النَّقِيضَيْنِ جَمِيعًا: الْوُجُودُ، وَالْعَدَمُ لَيْسَ هُوَ عَدَمُ الْوُجُودِ فَقَطْ، وَالنَّقِيضَيْنِ لَا يَرْتَفِعَانِ كَمَا لَا يَجْتَمِعَانِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ارْتِفَاعَ النَّقِيضَيْنِ جَمِيعًا سَابِقٌ لِوُجُودِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ النَّقِيضَيْنِ مِنْهُ، فَهَذَا حَقٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ سَبْقُ أَحَدِهِمَا: لِلْآخَرِ.

وَهُمْ يَقُولُونَ: عَدَمُهُ سَابِقٌ لِوُجُودِهِ مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ دَائِمًا فَعَلِمْتَ أَنَّهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْمُمْكِنَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَدَمٌ يَسْبِقُ وُجُودَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُمْ جَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا التَّنَاقُضِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَلَكِنَّ الْإِمْكَانَ الَّذِي أَثْبَتَهُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ، وَأَثْبَتَهُ قُدَمَاؤُهُمْ أَرِسْطُو، وَأَتْبَاعُهُ هُوَ إِمْكَانُ أَنْ يُوجَدَ الشَّيْءُ وَأَنْ يَعْدَمَ، وَهَذَا الْإِمْكَانُ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ سَبْقًا حَقِيقِيًّا، فَإِنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ مُحْدَثٍ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَبَسْطُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُمْ أَفْسَدُوا الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ بِمَا أَدْخَلُوهُ فِيهَا مِنَ الْقَرْمَطَةِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، كَمَا أَفْسَدُوا الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ بِمَا أَدْخَلُوهُ فِيهَا مِنَ السَّفْسَطَةِ وَقَلْبِ الْحَقَائِقِ الْمَعْقُولَةِ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ وَتَغْيِيرِ فِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا يَسْتَعْمِلُونَ الْأَلْفَاظَ الْمُجْمَلَةَ وَالْمُتَشَابِهَةَ، لِأَنَّهَا أَدْخَلُ فِي التَّلْبِيسِ وَالتَّمْوِيهِ مِثْلُ لَفْظِ التَّأْثِيرِ، وَالِاسْتِنَادِ لِيَقُولُوا: ثَبَتَ أَنَّ مَا هُوَ مُمْكِنُ الثُّبُوتِ لِمَا هُوَ هُوَ يَجُوزُ اسْتِنَادُهُ إِلَى مُؤَثِّرٍ يَكُونُ دَائِمَ الثُّبُوتِ مَعَ الْأَثَرِ، وَالْمُرَادُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ عَدَمٌ لَازِمٌ لِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ أَنَّهُ مُبْدَعٌ لِمُبْدِعٍ وَمَخْلُوقٌ لِخَالِقٍ، فَأَيْنَ هَذَا الِاسْتِنَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِنَادِ. وَأَيْنَ هَذَا التَّأْثِيرُ مِنْ هَذَا التَّأْثِيرِ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ: حَقِيقَةُ هَذِهِ الْحُجَّةِ هِيَ قِيَاسٌ مُجَرَّدٌ بِتَمْثِيلٍ مُجَرَّدٍ خَالٍ عَنِ الْجَامِعِ، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي فِعْلِ الرَّبِّ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ عَدَمٍ، كَمَا أَنَّ صِفَاتِهِ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ بِلَا سَبْقِ عَدَمٍ، وَصَاغَ ذَلِكَ بِقِيَاسِ شُمُولٍ بِقَوْلِهِ: إِنَّ التَّأْثِيرَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَبْقُ الْعَدَمِ.

فَيُقَالُ لَهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرِكًا. كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْتَهُ مِنَ اللَّفْظِ، بَلْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرِكًا يَخُصُّهُمَا، بَلِ الْقَدَرُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي بَيْنَهُمَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ لَازِمٍ لِكُلِّ مَلْزُومٍ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ لَازِمٍ مَفْعُولًا لِمَلْزُومِهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرِكًا، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَنَاطُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ حَتَّى يُلْحَقَ بِهِ الْفَرْعُ.

وَإِنِ ادَّعَى ذَلِكَ دَعْوًى كُلِّيَّةً، وَصَاغَهُ بِقِيَاسِ شُمُولٍ قِيلَ لَهُ: الدَّعْوَى الْكُلِّيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِالْمِثَالِ الْجُزْئِيِّ، فَهَبْ أَنَّ مَا ذَكَرْتَهُ فِي الْأَصْلِ أَحَدُ أَفْرَادِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ سَائِرَ أَفْرَادِهَا كَذَلِكَ؟ غَايَتُكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قِيَاسِ التَّمْثِيلِ، وَلَا حُجَّةَ مَعَكَ عَلَى صِحَّتِهِ هُنَا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا نَذْكُرُ نَحْنُ الْفُرُوقَ الْكَثِيرَةَ الْمُؤَثِّرَةَ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

قَالَ الرَّازِيُّ:

الْبُرْهَانُ الثَّامِنُ: لَوَازِمُ الْمَاهِيَّةِ مَعْلُولَةٌ لَهَا، وَهِيَ غَيْرُ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا زَمَانًا، فَإِنَّ كَوْنَ الْمُثَلَّثِ مُسَاوِيِ الزَّوَايَا لِقَائِمَتَيْنِ لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ مُثَلَّثٌ، وَهَذَا الِاقْتِضَاءُ مِنْ لَوَازِمِ الْمُثَلَّثِ، بَلْ نَزِيدُ فَنَقُولُ: إِنَّ الْأَسْبَابَ مُقَارِنَةٌ لِمُسَبَّبَاتِهَا مِثْلَ الْإِحْرَاقِ يَكُونُ مُقَارِنًا لِلِاحْتِرَاقِ، وَالْأَلَمِ عَقِيبِ سُوءِ الْمَزَاجِ، أَوْ تَفَرُّقِ الِاتِّصَالِ، بَلْ نَذْكُرُ شَيْئًا لَا يُنَازِعُونَ فِيهِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الْغَرَضِ، وَهُوَ كَوْنُ الْعِلْمِ عِلَّةً لِلْعَالِمِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ لِلْقَادِرِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجَدُ مُقَارِنَةً لِآثَارِهَا غَيْرَ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَيْهَا فَعَلِمْنَا أَنَّ مُقَارَنَةَ الْأَثَرِ وَالْمُؤَثِّرِ فِي الزَّمَانِ لَا تُبْطِلُ جِهَةَ الِاسْتِنَادِ وَالْحَاجَةِ

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ أُرِيدَ بِالْمَاهِيَّةِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ مِثْلَ الْمُثَلَّثَاتِ الْمَوْجُودَةِ فَصِفَاتُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ اللَّازِمَةِ لَهَا لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْهَا، بَلِ الْفَاعِلُ لِلْمَلْزُومِ هُوَ الْفَاعِلُ لِلصِّفَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِعْلُهُ لِأَحَدِهِمَا: بِدُونِ الْآخَرِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَوْصُوفَ عِلَّةٌ لِلَازِمِهِ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْعِلَّةِ أَنَّهُ مَلْزُومٌ، فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ فَاعِلٌ أَوْ مُبْدِعٌ أَوْ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ فَقَوْلُهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةَ بِالْمَوْصُوفِ اللَّازِمَةَ لَهُ إِنَّمَا يَفْعَلُهَا مَنْ فَعَلَ الْمَوْصُوفَ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ فِعْلُهُ لِلْمَوْصُوفِ بِدُونِ فِعْلِهِ لِصِفَتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَاهِيَّةِ مَا يُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ، فَتِلْكَ صُورَةٌ عِلْمِيَّةٌ، وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْخَارِجِيَّةِ، فَالْفَاعِلُ لِلْمَلْزُومِ هُوَ الْفَاعِلُ لِلَازِمِهِ لَمْ يَكُنِ الْمَلْزُومُ عِلَّةً فَاعِلَةً لِلَّازِمِ.

وَقَوْلُهُمْ: هَذَا الِاقْتِضَاءُ مِنْ لَوَازِمِ الْمُثَلَّثِ إِنْ أَرَادُوا بِالِاقْتِضَاءِ وَالتَّعْلِيلِ الِاسْتِلْزَامَ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ ، فَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ، وَأَمَّا الْأَسْبَابُ وَالْمُسَبَّبَاتُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ. كَمَا فِي سُوءِ الْمَزَاجِ وَالْأَلَمِ، فَمَنِ الَّذِي سَلَّمَ أَنَّ زَمَانَهُمَا وَاحِدٌ؟ وَالْمُسْتَدِلُّونَ أَنْفُسُهُمْ قَدْ قَالُوا فِي حُجَّتِهِمْ: إِنَّ وُجُودَ الْأَلَمِ عَقِبَ سُوءِ الْمَزَاجِ، وَمَا يُوجَدُ عَقِبَ الشَّيْءِ يَكُونُ وُجُودُهُ بَعْدَهُ، لَكِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ بِلَا فَصْلٍ، لَكِنْ لَا يَكُونُ مَعَهُ فِي الزَّمَانِ، فَإِنَّ مَا مَعَ الشَّيْءِ فِي الزَّمَانِ لَا يُقَالُ: إِنَّهُ إِنَّمَا يُوجَدُ عَقِبَهُ.

وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ الْأَسْبَابِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ زَمَانَ وُجُودِهَا كُلِّهَا هُوَ زَمَانُ وُجُودِ الْمُسَبَّبَاتِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ تَقَدُّمٍ زَمَانِيٍّ،وَكَذَلِكَ الْكَسْرُ وَالِانْكِسَارُ وَالْإِحْرَاقُ وَالِاحْتِرَاقُ، فَإِنَّ الْكَسْرَ هُوَ فِعْلُ الْكَاسِرِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ مِثْلُ الْحَرَكَةِ الْقَائِمَةِ بِالْإِنْسَانِ وَالِانْكِسَارَ هُوَ التَّفَرُّقُ الْحَاصِلُ بِالْمَكْسُورِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِحَرَكَةٍ فِي زَمَانٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ زَمَانَ تِلْكَ الْحَرَكَةِ قَبْلَ زَمَانِ هَذِهِ لَكِنْ قَدْ يَتَّصِلُ الزَّمَانُ بِالزَّمَانِ، وَالْمُتَّصِلُ يُقَالُ: إِنَّهُ مَعَهُ لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يَكُونُ زَمَانُهُمَا وَاحِدًا، وَمَا يَكُونُ زَمَانُهُمَا مُتَعَاقِبًا.

وَمِنَ الْأَسْبَابِ مَا يَقْتَضِي مُسَبَّبَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِذَا كَمُلَ السَّبَبُ كَمُلَ مُسَبَّبُهُ مِثْلُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَعَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَالسُّكْرِ، فَكُلَّمَا حَصَلَ بَعْضُ الْأَكْلِ حَصَلَ جُزْءٌ مِنَ الشِّبَعِ لَا يَحْصُلُ الْمُسَبَّبُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ السَّبَبِ لَا مَعَهُ

وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالْفَلْسَفَةِ وَغَيْرِهِمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّ الْمُسَبَّبَ يَحْصُلُ عَقِبَ السَّبَبِ، وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاهِيرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ: إِذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ، أَوْ طَالِقٌ، أَوْ غَيْرُهُمَا أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ الْمُسَبَّبُ عَقِبَ الْمَوْتِ لَا مَعَ الْمَوْتِ، وَشَذَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَظَنَّ حُصُولَ الْجَزَاءِ مَعَ السَّبَبِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ، وَأَنَّ الْمَعْلُولَ يَحْصُلُ زَمَنَ الْعِلَّةِ.

وَلَفْظُ الْعِلَّةِ مُجْمَلٌ يُرَادُ بِهِ الْمُؤَثِّرُ فِي الْوُجُودِ، وَيُرَادُ بِهِ الْمَلْزُومُ، فَإِذَا سَلِمَ الِاقْتِرَانُ  فِي الثَّانِي لَمْ يَسْلَمِ الِاقْتِرَانُ فِي الْأَوَّلِ، فَلَا يُعْرَفُ فِي الْوُجُودِ مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِ غَيْرِهِ مُقَارِنٌ لَهُ فِي الزَّمَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ زَمَانًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ وُجُودُهُ بَعْدَ عَدَمٍ، وَلِهَذَا جَعَلَ الْفَلَاسِفَةُ الْعَدَمَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبَادِئِ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَهُمْ.

وَمِمَّا يُمَثِّلُونَ بِهِ حُصُولَ الصَّوْتِ مَعَ الْحَرَكَةِ كَالطَّنِينِ مَعَ النَّقْرَةِ، وَأَنَّ الْمُسَبَّبَ هُنَا مَعَ السَّبَبِ، وَهَذَا أَيْضًا مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ وُجُودَ الْحَرَكَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الصَّوْتِ يَتَقَدَّمُ وُجُودَ الصَّوْتِ، وَإِنْ كَانَ وُجُودُ الصَّوْتِ مُتَّصِلًا بِوُجُودِ الْحَرَكَةِ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَهُ، وَلَيْسَ أَوَّلُ زَمَنِ الْحَرَكَةِ يَكُونُ أَوَّلَ زَمَنِ الصَّوْتِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَرَكَةِ وَالصَّوْتِ يَعْقِبُهَا، وَلِهَذَا يُعْطَفُ الْمُسَبَّبُ عَلَى السَّبَبِ بِحَرْفِ الْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ، فَيُقَالُ: كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ، وَقَطَعْتُهُ فَانْقَطَعَ، وَيُقَالُ: ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَمَاتَ، أَوْ فَقَتَلْتُهُ، وَأَكَلَ فَشَبَعَ، وَشَرِبَ فَرَوِيَ، وَأَكَلَ حَتَّى شَبَعَ، وَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْكَسْرُ وَالْقَطْعُ فِعْلٌ يَقُومُ بِالْفَاعِلِ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِآلَةٍ مَعَهُ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْأَثَرُ انْكَسَرَ وَانْقَطَعَ، فَأَحَدُهُمَا يَعْقِبُ الْآخَرَ لَا يَكُونُ أَوَّلُ زَمَانِ هَذَا أَوَّلَ زَمَانِ هَذَا وَلَا آخِرُ زَمَانِ هَذَا آخِرَ زَمَانِ هَذَا، بَلْ يَتَقَدَّمُ زَمَانُ السَّبَبِ، وَيَتَأَخَّرُ زَمَانُ الْمُسَبَّبِ.

وَلِهَذَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْمُسَبَّبِ الْمُتَوَلِّدِ عَنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ فِعْلُهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ فِعْلُ الرَّبِّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْإِنْسَانُ مُشَارِكٌ فِي فِعْلِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِفِعْلِهِ وَبِسَبَبٍ آخَرَ، مِثْلُ خُرُوجِ السَّهْمِ مِنَ الْقَوْسِ، وَمِثْلُ حُصُولِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.

وَلَوْلَا تَقَدُّمُ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لَمْ يَحْصُلْ هَذَا النِّزَاعُ، فَإِنَّ السَّبَبَ حَاصِلٌ فِي الْعَبْدِ فِي مَحَلِّ قُدْرَتِهِ وَحَرَكَتِهِ، وَالْمُسَبَّبُ حَاصِلٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ قُدْرَتِهِ وَحَرَكَتِهِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَرَكَةُ الْكُمِّ مَعَ حَرَكَةِ الْيَدِ وَحَرَكَةُ آخِرِ الْحَبْلِ مَعَ حَرَكَةِ أَوَّلِهِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.

فَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِي الْوُجُودِ مَفْعُولًا يَكُونُ زَمَانُهُ زَمَانَ فَاعِلِهِ بِلَا تَأَخُّرٍ أَصْلًا لَا مَعَ الِاتِّصَالِ، وَلَا مَعَ الِانْفِصَالِ، كَمَا يَدَّعُونَهُ فِي فِعْلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ خَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكِهِ مِنْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ مُقَارِنَةً لَهُ فِي الزَّمَانِ، زَمَانُ وُجُودِهَا هُوَ زَمَانُ وُجُودِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنَ الزَّمَانِ أَلْبَتَّةَ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْعِلْمِ عِلَّةً لِلْعَالِمِيَّةِ، فَهَذَا أَوَّلًا قَوْلُ مُثْبِتِيِ الْأَحْوَالِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَقَبْلَهُمَا أَبُو هَاشِمٍ، وَجُمْهُورُ النُّظَّارِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْعَالِمِيَّةُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَعَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ فَلَا يَقُولُونَ إِنَّ الْعِلْمَ هُنَا عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ لَا بِإِرَادَةٍ، وَلَا بِذَاتٍ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، بَلِ الْمَعْلُولُ عِنْدَهُمْ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُودِ فَقَطْ، وَمَعْنَى الْعِلَّةِ عِنْدَهُمُ الِاسْتِلْزَامُ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ والرد عليه

قَالَ الرَّازِيُّ: الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ: هُوَ أَنَّ الشَّيْءَ حَالَ اعْتِبَارِ وَجُودِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِامْتِنَاعِ عَدَمِهِ مَعَ وُجُودِهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي حَالِ عَدَمِهِ وَاجِبُ الْعَدَمِ لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا، وَالْحُدُوثُ عِبَارَةٌ عَنْ تُرَتُّبِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَاهِيَّةُ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ عَلَى كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ وَاجِبَةً، فَالْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى مُؤَثِّرٍ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاجِبٌ يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَإِذَنْ الْحُدُوثُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُدُوثٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرِ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَمْ يَرْتَفِعِ الْوُجُوبُ، أَيْ وُجُوبُ الْوُجُودِ فِي زَمَنِهِ، وَوُجُوبُ الْعَدَمِ فِي زَمَنِهِ، وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحُدُوثَ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُدُوثٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا الْمُحْوَجُ هُوَ الْإِمْكَانُ

وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ مُغَالَطَاتٍ مُتَعَدِّدَةً، وَجَوَابُهَا مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَاجِبُ الْوُجُودِ لَكِنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يُنَاقِضُ كَوْنَهُ مُفْتَقِرًا إِلَى الْفَاعِلِ مَفْعُولًا لَهُ مُحْدِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْوُجُوبُ مَانِعًا مِمَّا يَسْتَلْزِمُ افْتِقَارَهُ إِلَى الْفَاعِلِ لَمْ يَمْتَنِعْ كَوْنُهُ مُفْتَقِرًا إِلَى الْفَاعِلِ مَعَ هَذَا الْوُجُوبِ.

الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: الْحُدُوثُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرَتُّبِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يُقَالُ لَهُ: الْحُدُوثُ يَتَضَمَّنُ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ وُجِدَ بِفَاعِلٍ أَوْجَدَهُ هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ إِيجَادِهِ لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، فَالْحُدُوثُ يَتَضَمَّنُ هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ، وَإِذَا كَانَ الْحُدُوثُ مُتَضَمِّنًا لِلْحَاجَةِ إِلَى الْفَاعِلِ، أَوْ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَاجَةِ إِلَى الْفَاعِلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَمْنَعُ لَازِمَهُ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ ضِدَّهُ.

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاجِبٌ يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ مَمْنُوعٌ، بَلِ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ هُوَ الَّذِي يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، بَلْ نَفْسُ كَوْنِهِ وَاجِبًا بِغَيْرِهِ يَتَضَمَّنُ اسْتِنَادَهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الْوُجُوبَ بِالْغَيْرِ يَمْنَعُ الِاسْتِنَادَ إِلَى الْغَيْرِ.

وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُرِيدُ الْوَاجِبَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاجِبٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ.

قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إِلَّا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا أَخَذَ مُطْلَقًا عَنِ الْقَيْدَيْنِ، فَهُوَ أَمْرٌ يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ لَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ.

ثُمَّ يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَاجِبَ إِذَا أُخِذَ مُطْلَقًا يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، بَلِ الْوَاجِبُ إِذَا أُخِذَ مُطْلَقًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُؤَثِّرَ، وَلَا يَنْفِي الْمُؤَثِّرَ، فَإِنَّ مِنَ الْوَاجِبِ مَا يَسْتَلْزِمُ الْمُؤَثِّرَ، وَهُوَ الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ، وَمِنْهُ مَا يَنْفِيهِ، وَهُوَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ، وَصَارَ هَذَا كَاللَّوْنِ إِذَا أُخِذَ مُجَرَّدًا لَا يَسْتَلْزِمُ السَّوَادَ، وَلَا يَنْفِيهِ، وَالْحَيَوَانُ إِذَا أُخِذَ مُجَرَّدًا لَا يَسْتَلْزِمُ النُّطْقَ. وَلَا يَنْفِيهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَعَانِي الْعَامَّةِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الْأَجْنَاسِ إِذَا أُخِذَتْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ لَمْ تَكُنْ مُسْتَلْزِمَةً لِذَلِكَ، وَلَا مَانِعَةً مِنْهُ.

الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ:الْحُدُوثُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُدُوثٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَالْعِلْمُ بِفَسَادِ ذَلِكَ أَظْهَرُ مِنَ الْعِلْمِ بِفَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْإِمْكَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِمْكَانٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّ عِلْمَ النَّاسِ بِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ أَظْهَرُ، وَأَبْيَنُ مِنْ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَا قَبْلَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ، فَإِذَا كَانَتِ الْحُجَّةُ النَّافِيَةُ لِهَذَا سُوفُسْطَائِيَّةً، فَتِلْكَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ سُوفُسْطَائِيَّةً.

الْخَامِسُ: أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ فِي الْخَارِجِ مَاهِيَّةً غَيْرَ الْوُجُودِ الْحَاصِلِ فِي الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ يَعْتَقِبُ عَلَيْهَا الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ وَبَاطِلٌ.

السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ، فَالْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا تَسْتَحِقُّ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا، وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى فَاعِلٍ، فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ يَقُولُ الْمَاهِيَّاتُ غَيْرُ مَجْعُولَةٍ وَأَنَّ الْمَجْعُولَ اتِّصَافُهَا بِالْوُجُودِ، وَإِنَّمَا تَفْتَقِرُ إِلَى الْفَاعِلِ إِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً، وَإِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَوُجُودُهَا وَاجِبٌ فَعُلِمَ أَنَّ افْتِقَارَهَا إِلَى الْفَاعِلِ فِي حَالِ وُجُوبِ وَجُودِهَا بِالْغَيْرِ، لَا فِي الْحَالِ الَّتِي لَا تَسْتَحِقُّ فِيهَا وُجُودًا وَلَا عَدَمًا.

السَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَاهِيَّةَ ثَابِتَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كَوْنِهَا أَزَلِيَّةً، بَلْ وَلَا عَلَى إِمْكَانِ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِافْتِقَارُ لَا يَثْبُتُ لَهَا إِلَّا مَعَ الْحُدُوثِ، وَلِكَوْنِ الْحُدُوثِ شَرْطًا فِي هَذَا الِافْتِقَارِ.

الثَّامِنُ: أَنَّا إِذَا سَلَّمْنَا أَنَّ عِلَّةَ الِافْتِقَارِ إِلَى الْفَاعِلِ هُوَ الْإِمْكَانُ، فَالْإِمْكَانُ الَّذِي يَعْقِلُهُ الْجُمْهُورُ إِمْكَانُ أَنْ يُوجَدَ الشَّيْءُ، وَإِمْكَانُ أَنْ يَعْدَمَ الشَّيْءُ، وَهَذَا الْإِمْكَانُ مُلَازِمٌ لِلْحُدُوثِ، فَلَا يُعْقَلُ إِمْكَانُ كَوْنِ الشَّيْءِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَاجِبًا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إِلَى الْفَاعِلِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدَّعُونَهُ.

التَّاسِعُ: أَنَّهُمْ إِذَا جَعَلُوا الْوُجُوبَ مَانِعًا مِنْ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ وُجُوبًا حَادِثًا، فَالْوُجُوبُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْغَيْرِ، وَالْأَفْلَاكُ عِنْدَهُمْ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَوُجُوبُ ذَلِكَ بِغَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْوُجُوبُ لَازِمًا لِلْمَاهِيَّةِ، وَالْوُجُوبُ مَانِعٌ مِنْ الِافْتِقَارِ إِلَى الْغَيْرِ كَانَ لَازِمُ الْمَاهِيَّةِ مَانِعًا لَهَا مِنْ الِافْتِقَارِ، فَلَا تَزَالُ الْمَاهِيَّةُ الْقَدِيمَةُ مَمْنُوعَةً مِنْ الِافْتِقَارِ إِلَى الْغَيْرِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَفْتَقِرَ إِلَى الْغَيْرِ أَبَدًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقُولُهُ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ، وَأَنَّ مَا كَانَ قَدِيمًا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا.

الْعَاشِرُ: أَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْإِمْكَانَ هُوَ الْمُحْوِجُ إِلَى الْغَيْر الْمُؤَثِّرِ، فَالتَّأْثِيرُ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَوْجُودًا وَإِبْدَاعُ وُجُودِهِ جَعْلُ مَا يُمْكِنُ عَدَمَهُ مَوْجُودًا لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِإِحْدَاثِ وُجُودٍ لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِلَّا فَمَا كَانَ وُجُودُهُ وَاجِبًا أَزَلِيًّا يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ لَا يُعْقَلُ حَاجَتُهُ إِلَى مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْجُودًا، وَإِذَا قَالُوا: هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ، وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ غَيْرَهُ هُوَ الَّذِي أَبْدَعَهُ، وَجَعَلَهُ مَوْجُودًا، وَإِنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، فَقَدْ جَمَعُوا فِي كَلَامِهِمْ مِنَ التَّنَاقُضِ أَعْظَمَ مِمَّا يَذْكُرُونَهُ عَنْ غَيْرِهِمْ.

الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَاجَةِ إِلَى الْفَاعِلِ لَكَانَ كُلُّ مُمْكِنٍ مَوْجُودًا، كَمَا أَنَّا إِذَا قُلْنَا: الْحُدُوثُ هُوَ الْمُحْوِجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ كَانَ كُلُّ مُحْدَثٍ مَوْجُودًا، لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إِلَى الْفَاعِلِ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذَا فَعَلَهُ الْفَاعِلُ، وَإِلَّا فَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ، وَإِذَا فَعَلَهُ الْفَاعِلُ لَزِمَ وُجُودُهُ، فَيَلْزَمُ وُجُودُ كُلِّ مُمْكِنٍ، وَهُوَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ

فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِفَاعِلٍ قِيلَ: فَيَكُونُ الْإِمْكَانُ مَعَ الْوُجُودِ يَسْتَلْزِمُ الْحَاجَةَ إِلَى الْفَاعِلِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُونَ إِلَى بَيَانِ أَنَّهُ يُمْكِنُ كَوْنُ وُجُودِ الْمُمْكِنِ أَزَلِيًّا، وَأَنَّ الْفَاعِلَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ أَزَلِيًّا، وَهَذَا إِذَا أَثْبَتُّمُوهُ لَمْ تَحْتَاجُوا إِلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ لَا تَثْبُتُ حَاجَةُ الْمُمْكِنِ إِلَى الْفَاعِلِ إِلَّا فِي حَالِ وُجُودِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ بَاطِلٌ.

 

يوم الخميس 13 جمادى الآخرة 1447 هجرية

مسجد إبراهيم _شحوح _ سيئون