السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ -
الصوتيات

فضل التسبيح

15-03-2009 | عدد المشاهدات 18962 | عدد التنزيلات 1602

 

بسم الله الرحمن الرحيم
[فضل التسبيح(143)]
خطبة جمعة بتاريخ: (22/ جماد الأول: 1428هـ)
(للشيخ العلامة المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)
==============================
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]،﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس! إن الله عز وجل خلق العباد وسائر الكون لتعظيمه ولإجلاله ولعبادته فقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ[الحشر:1], وقال: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾[الإسراء:42-44], فالله خلق الكون لعبادته وتعظيمه، وقال عز وجل: ﴿مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾[نوح:13-16 ]، وقال الله سبحانه وتعالى مخبراً: أن الرعد يسبح بحمده وينشئ السحاب الثقال: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ[الرعد:12-13], كل الكون خاضع لله سبحانه وتعالى بره وفاجره، جماده وناطقه وما خلق الله العباد إلا لذلك, إن أمر تعظيم الله أمرٌ عظيم: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[الزمر:67], ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا[الأنعام:91], ذم الله المشركين على عدم تعظيمهم لرب العالمين: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾[الأعلى:2-4].
أيها الناس! إن تعظيم الله عز وجل يتمثل في عبادته وتوحيده وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له, وفي تنزيهه من النقائص وفي كثرة الذكر لله عز وجل؛ ولهذا كان كل من وفقه الله عز وجل لخالص العبادة له, كثير التنزيه والتسبيح والتعظيم لله عز وجل فقد أثنى الله على ملائكته الكرام فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾[الأعراف:206], وقال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾[غافر:7], وثبت عند أبي يعلى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش مرقت رجلاه الأرض السابعة والعرش على كتفه ويقول: سبحانك أين كنت وأين تكون», وفي لفظ: «سبحانك ما أعظمك، فيقول الله عز وجل: ما عرف عظمتي من حلف بي كاذباً», أخبر الله سبحانه وتعالى أن ملائكته الكرام: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ﴾[الأنبياء:20].
وهكذا أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام من أعظم ما أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم به: كثرة تسبيح الله وتنزيهه، وتعظيم الله عز وجل قال الله سبحانه وتعالى عن ذا النون: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأنبياء:87-88], فرج الله عن نبيه يونس عليه الصلاة والسلام بتلك الكلمات ومنها التسبيح لله عز وجل وقال: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾[الصافات: 139-145], أخبر الله عز وجل أنه نَجّى نبيه يونس عليه الصلاة والسلام من تلك الظلمات لما علم ما فيه من التسبيح والتنزيه لله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[الصافات: 143-144], التسبيح والتعظيم لله عز وجل من أعظم مسالك الفرج من الشدائد لهذا الدليل العظيم.
وهكذا نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام أمره الله أن يأتي فرعون: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾[طه:24], اذهب فادع فرعون إلى الله عز وجل: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾[طه:25-36], طلب موسى كان طلباً عظيماً وهو أن يجعل أخاه نبياً فآتاه الله عز وجل سؤله؛ لأنه يريد أن يذكر الله عز وجل كثيراً، ويريد أن يسبحه كثيراً، ويريد أن يكون أخوه له نصيراً, فاستجاب الله دعوته، ولما قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأعراف:143], سبح الله، ونزه الله، وعظم الله عز وجل إذ أنه طلب من الله عز وجل شيئاً لا يكون في الدنيا.
وأيضاً نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام قال الله له: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾[المائدة:116], سبح الله ونزه الله عز وجل.
وهكذا نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم كان ذلك شأنه على كل أحواله من ليله ونهاره، وسره وجهاره: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108], فسبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدعوة إلى الله على بصيرة، والتنزيه لله سبحانه وتعالى في كل حال: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾[النصر:1-3], ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الحجر:97-99], ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾[الطور:48-49], هكذا يأمره الله أن يسبح الله عز وجل آناء الليل وآناء النهار، ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا * نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾[الإنسان:26-28], أي أن نَوَاصي هؤلاء المعارضين المعاندين بيد الله سبحانه وتعالى, وأنت عليك أيها النبي أن تقبل على عبادة الله من تسبيح وقيام وذكر لله عز وجل.
إن أمر التسبيح أمرٌ عظيم لا ينفك عن حياة المؤمن أبداً في سائر أوقاته, ففي صلاته يفتتح بالتسبيح: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك», هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح به, ثبت ذلك بمجموع الطرق.
وهكذا إذا ركع قال: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فقمن أن يستجاب لكم», وكان يقول في ركوعه «سبحان ربي العظيم» ويقول في سجوده «سبحان ربي الأعلى», يكرر ذلك صلى الله عليه وسلم, يسبح الله: «إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ..» كما في حديث حذيفة رضي الله عنه عند الإمام مسلم, وإذا نابه شيء في صلاته يسبح، هكذا يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الصلاة, ولما جاء وجعلوا يصفقون في صلاتهم، قال: «ما بالكم! إذا نابكم شيء في صلاتكم صفقتم: فإن التسبيح للرجال، من نابه شيء في صلاته فليسبح».
التسبيح دبر الصلاة أيضاً، إذا انتهى من صلاته، أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمر عظيم منه التسبيح، وأن ذلك من أسباب أن الإنسان يدرك من سبقه ويسبق من بعده, ففي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! سبق أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم, يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال، يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون قال: ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم، وأدركتم من سبقكم ولم يأتِ أحد بمثل ما جئتم به إلا من قال مثل ما قلتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدون ثلاثاً وثلاثين، وتكبرون ثلاثاً وثلاثين -دبر كل صلاة- فعلم أصحابهم وإخوانهم بذلك ففعلوا كما فعلوا فأخبر المهاجرون رسول الله عليه وسلم فقال: ذلك من فضل الله يؤتيه من يشاء».
إذا أردت أن يثقل ميزانك يوم القيامة فاكثر من ذكر الله ومن ذلك تسبيحه وتنزيهه وتعظيمه، فإن ذلك من مثقلات الميزان يوم القيامة، يوم تخف الموازين: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾[المؤمنون: 102-103], يثقل ميزانك بالتسبيح, روى مسلم في صحيحة عن الحارث الأشعري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها».
اعتق نفسك بذكر الله، ثقل ميزانك بذكر الله، بتسبيح الله وتعظيم الله, ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس»،وأنت تعلم ما الذي تطلع عليه الشمس من أنهار وبحار وأشجار وبرار، وغير ذلك مما خلق الله عز وجل, هذه الكلمات أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تطلع عليه الشمس, ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾[الكهف:46].
التسبيح يثقل الميزان, ثبت عند ابن أبي عاصم في السنة من حديث أبي سُلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله والولد الصالح يتوفى للمرء فيحتسبه والده», وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم», تثقل الميزان ويحفظ الله عز وجل بهذه الأذكار عبده المؤمن من الجن والشيطان: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[الرعد:11].
التسبيح عند التعجب إذا تعجبت من شيء فاكثر من تسبيح الله سبحانه وتعالى, ففي الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «عاد مريضاً فوجده قد صار مثل الفرخ فقال: هل تقول شيئاً أو تدعُ الله بشيء؟ قال: نعم أقول: اللهم ما كنت معذبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! لا تطيقه، ألا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, ثم دعا له فشفاه الله».
ومن حديث عمران عند الإمام مسلم: «أن امرأة أسرت ثم انفكت فوجدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء فركبتها، ونذرت إن هي نجت أن تنحرها لله عز وجل، فلما وجدها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرت بذلك قال: سبحان الله! أهكذا تجزيها: أنه لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ولا نذر في معصية الله», تعجب النبي صلى الله عليه وسلم أنها ركبتها ثم أرادت أن تنحرها بعد أن تنجوا عليها!
وعائشة رضي الله عنها لما أخبرت أن أهل الإفك يخوضون فيما يخوضون فيه تعجبت من ذلك وقالت: (سبحان الله أوقد قالوا ذلك؟!)
هكذا المؤمنون حين أخبروا وسمعوا ما يخوض فيه المنافقين والناس، قالوا: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾[النور:16],قال الله: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[النور:17-18], وهكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا إله إلا الله»، وفي لفظ: «سبحان الله ماذا أنزل الليل من الفتن وماذا أنزل من الخزائن: رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة, من يوقظ صواحب الحجرات».
فالتعجب.. ما يلطم الإنسان فيه خده! ولا يتضجر فيه، ولا ينبهر فيه، ولكن يلتفت إلى تنزيه الله، وإلى تعظيم الله سبحانه وتعالى: «وقد كان رسول الله وأصحابه عليهم رضوان الله إذا نزلوا سبحوا، وإذا ارتفعوا في مكان كبروا» هكذا كانت أسفارهم كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وهكذا: إذا ركب على راحلته سبح: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾[الزخرف:12-14],في سائر الحالات على النعم وعند النقم وعند التعجب وسائر الحالات يسبح الإنسان ربه ويعظمه، ومن ذلك دعاء الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم», هذا فيه تعظيم لله سبحانه، وهكذا دعاء يونس: «لا يدعو أحد بتلك الكلمات إلا فرج الله همه» كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
تسبيح الله وتنزيه الله عز وجل، من أجل ذلك خلق الله الكون كما تقدم بيانه، فعلينا عباد الله أن نكثر من هذا التعظيم لله رب العالمين، أن نكثر من هذا التعظيم لله سبحانه وتعالى كما هو دأب الصالحين على ما جاءت بذلك الأدلة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيما يرويه عن رب العزة عز وجل أنه قال: «إنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فمن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإ خير», وثبت من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«عن التسبيح التحميد والتكبير أن من أجلال الله وتعظيمه تسبيح الله وتحميده وتكبيره إنهن لينعطفن عند العرش -أو قال:- حول العرش يذكرن بصاحبهن, ألا يريد أحدكم أن يكون له مذكرٌ يذكر به», هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه الكلمات من أجلال الله وهذه الكلمات أيضاً تعتبر مذكرات بصاحبها عند رب العزة, إذا ذكر الإنسان ربه سواء في ملإ أو كان وحده فإن هذه الكلمات تذكر العبد عند ربه عز وجل، وانظر إلى قول الله عز وجل: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[الأنبياء:87], قال الله:﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ[الأنبياء:88],صارت هذه من المذكرات عند الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾[مريم:64], ولكن هكذا ورد الحديث, نعم وثبت عند أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت:«يا رسول الله علمني دعاء أدعو الله عز وجل به، قال: قولي: سبحان الله عشراً، والحمد لله عشراً , والله أكبر عشراً -أي عشر مرات- من كل تسبيح وتحميد وتكبير عشر مرات: فإنك إذا قلت ذلك ثم دعوتيه يقول: نعم، نعم»، فهذا من أسباب استجابة الدعاء.
وثبت في صحيح البخاري من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تعار المرء من الليل فقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, الحمد لله وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله, ثم قال: رب اغفر لي غفر له، وإن دعا استجيب دعاؤه وإن توضأ فصلى قبلت صلاته», وهذا الحديث في الصحيح.
فمن أسباب استجابة الدعاء: تعظيم الله عز وجل، ومن حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه: «سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو لم يحمد الله ولم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عجل هذا: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد الله وحسن الثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء», وهذا من حسن الثناء على رب العالمين سبحانه, والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في حديث الشفاعة أنه قال: «بعد أن يأتي الأمم إلى سائر الأنبياء وكلهم يعتذر عن الشفاعة ويقول نفسي.. نفسي..»، الحديث.
قال:«فيأتون إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيخر ساجداً تحت العرش قال: ثم يفتح عليّ من محامده وحسن الثناء عليه ما لم أعلمه, أو قال: ما لم يفتح من قبل ثم يقال: يا محمد سل تعطه واشفع تشفع..»، فيسأل الله الشفاعة في أهل المحشر في أهل الموقف، فيريحهم الله من ذلك الموقف منهم من يذهب إلى النار، ومنهم من يذهب إلى الجنة، ذلك المقام المحمود الذي قال الله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا[الإسراء:79],هذا هو المقام المحمود: أن الله عز وجل يلهم نبيه من حسن الثناء عليه، ثم بعد ذلك يجيبه في أهل الموقف ويريحهم من ذلك الموقف.
فمن أراد الخير كله فليقبل على ذكر الله، على تعظيم الله، على تسبيح الله، على تنزيه الله سبحانه وتعالى, وقد يطلق التسبيح على الصلاة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت:(لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح الضحى وإني لأسبحها) أي تصلي نافلة الضحى.
وغالباً ما يطلق ذلك على النافلة وعلى التطوع, ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه عند النسائي أنه قال:«يوشك أن يكون عليكم أمراء يصلون الصلاة في غير وقتها، فإذا أدرككم ذلك أو أدركتم ذلك فصلوا الصلاة في وقتها ثم صلوا معهم وجعلوها سبحه أي: اجعلوها نافلة-».
وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على راحلته ويوتر عليها غير أنه لا يصلي الفريضة», ومن حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: «كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ما كنا نسبح حتى نحل رحالنا», أي: إذا خلوا رحالهم ووضعوا عن إبلهم تستريح الإبل بعد ذلك يصلون سبحة الضحى، ما يتركونها حتى في السفر يصلون سبحه الضحى نعم.
فهكذا: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾[الفرقان:62], وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مزدلفة صلى المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما», أي لم يصلّ بينهما نافلة، لا نافلة المغرب ولا غير ذلك من النوافل، إنما صلى الفريضة وقصر فيها صلى الله عليه وسلم, ثم نام عليه الصلاة والسلام, هذا ونتواصى بتقوى الله عز وجل، والحمد لله رب العالمين.