الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ -
الصوتيات

نور المشكاة الكاشف على أخطار ما يسبب الطرد من رحمة الله

19-03-2009 | عدد المشاهدات 11178 | عدد التنزيلات 1340

 

[نور المشكاة الكاشف على أخطار ما يسبب الطرد من رحمة الله(145)]
خطبة جمعة: (7/جمادي الثاني/1428هـ)
(للشيخ العلامة المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)
=================================
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]،﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس! يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾[آل عمران:8], ويقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[الأعراف:55-56], ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأعراف:204].
أمر بالاستماع للقرآن وبالإنصات للقرآن لحصول الرحمة، وتلك الرحمة بتدبره، وبالخشية منه، وبالتفقه فيه، وبالأجر الحاصل في ذلك، وبشفاعة القرآن لمن كان على هذا الحال، وهي رحمة عظيمة لمن تدبر كتاب الله عز وجل.
ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾[البقرة:284-285].
أثنى الله على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: سمعنا واطعنا، ومع ذلك طلبوا المغفرة من الله عز وجل: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾[البقرة:286], وكل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك: «للهم نعم، -وقال في الحديث-: أن الله عز وجل يقول: قد فعلت».
الشاهد من ذلك أن من رحمه الله عز وجل يدفع عنه الأعسار ويدفع عنه المضار، ويدفع عنه الكرب: ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا﴾[البقرة:286], ويتولاه سبحانه وتعالى، وينصره على الكافرين، فمن وفقه الله عز وجل لطلب رحمة الله، ولأنه يستحق ذلك بسبب عمله الصالح، فإن الله عز وجل قد وفقه لخير كثير.
أيها الناس! وإذا كان الأمر كذلك وأن رحمة الله عز وجل هي التي يحفظ الله بها العبد في الدنيا والآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل», فهي التي يسعد بها الإنسان في الدنيا والآخرة، فإن هناك صوارف لرحمة الله وأمور تطرد العبد من رحمة الله وتوجب له عذابه.
ومن تلك الأمور لعنة الله عز وجل أو لعنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم على العبد، فإذا استوجب العبد لعنة الله بسبب ذنب يقترفه، فإن اللعنة هي طرد العبد من رحمة الله، يكون قد طرد من رحمة الله، لهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التلاعن بين المسلمين، فقال: «لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار», ثبت ذلك من حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت عند الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء », فنفى الإيمان عن من كان هذا شأنه أن يكون لعاناً طعاناً فاحشاً بذيئاً، ليس هذا من صفات الإيمان ولا المؤمن، وإنما هذه صفات من ضعف إيمانه أو تلاشى, وثبت في صحيح الإمام مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة», فالله قد ميز هذه الأمة بأنها شهيدة على الأمم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة:143], من لدن نوح إلى قيام الساعة، وهذه الأمة هي التي تشهد على الأمم، يأتي نوح وقومه فيسألهم: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهد هذه الأمة بما قرأت وعلمت؛ أن نوحاً عليه السلام، بلغ فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾[البقرة:143], قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عدلاً خياراً», هذا اللعان ليس بعدل ولا خيار، هذا اللعان لا يكون شهيداً يوم القيامة، ولا يكون شفيعاً يوم القيامة، يحرم من أمرين وإن كان من الصالحين، يحرم من الشفاعة في المسلمين، في أقاربه، والمؤمن قد يشفع في أمم من الناس، يشفعه الله عز وجل، وبسبب لعن ذلك الشخص لا يكون شفيعاً ولا شهيداً على الأمم، وهذا عقاب شديد على من عود لسانه سب المؤمنين وظلم المؤمنين بغير حق، الأمر ليس بالسهل، الأمر خطير جداً! ولذلك أسباب كثيرة في الحقيقة من أسباب الطرد من رحمة الله، من لعنه الله فقد طرد من رحمة الله، ومن ذلك نقض العهد والميثاق، يقول ربنا سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾[الرعد:25], اللعنة لائقة بهم ومآلهم إلى سوء الدار وهي النار، وهي عذاب الله عز وجل، فاللعنة من لعن طرد من رحمة الله، من الذي يستطيع أن ينصره: ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا﴾[غافر:29], من الذي يستطيع ينصره؟ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾[النساء:51-52].
أبداً أبداًَ، هذا كلام الله لا يمكن أحد أن ينصر من لعن الله، وإن تكاثر مناصروه، وإن تكاثر مساندوه، لا قوة لهم على نصرته بعد أن طرده الله عز وجل، ويقول سبحانه في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾[الأحزاب:64-68], يا لها من مصيبة! لمن أضل الناس بفتنته، ببدعته، يا لها من مصيبة! إذا يتبرأ العبد، والناس يتبرءون منه يوم القيامة ويلعنونه: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾[البقرة:166-167], ﴿رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ﴾[الأحزاب:68], ما هو ضعف واحد يطلبون كثرة العذاب، وتزييد العذاب عليهم: ﴿وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾[الأحزاب:68], وفي قراءه (والعنهم لعناً كثيراً) بسبب أنهم أضلوا، حتى لو أضللت واحداً، حتى لو فتنت واحداً، حتى لو فتنت جنياً أو إنسياً فإنك بذلك تعرض نفسك للعنة الله، وأنه يوم القيامة يقوم أمام الأشهاد يلعنك ودعاؤه في ذلك الحين دعاء مظلوم ظلمته.
وهكذا نقض الميثاق، كل ذلك من أسباب لعنة الله، وكم ترى من الأسباب الخطيرة التي لج المسلمون فيها دون تحاشي وهي في الحقيقة طرد من رحمة الله، فإن الله عز وجل إذا رفع رحمته عن العباد هلكوا، فوالله ما هذه الأمراض والأسقام والفتن وضيق الصدور والقلاقل بين الكبار والصغار، حتى في أوساط من يطلب العلم إلا بسبب أن الرحمة ضعفت عليهم، ولو عاقبهم الله بذنوبهم لأهلكهم: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾[فاطر:45], ولكن الله عز وجل عاقبهم بذنوبهم، ولا تزال الرحمة على العباد، ولكن قد يكون بسبب ذنوب العباد تتفاوت الرحمة، منهم من يرحمه الله كثيراً، فيدفع به إلى الخير ويجنبه من الشر، ومنهم من يكون رحمته عليه كرحمة سائر المخلوقات حتى لو كان من الكفرة والفجرة، من باب جنس ما وعد الله به عباده، من أنه يرزقهم ويعطيهم ويمدهم ويعدهم، فرحمة الله على العبد في الدنيا والآخرة بقدر طاعته له، هذه البنوك الربوية هي من أسباب عذاب الله، ومن أسباب لعنة الله التي هي الطرد من رحمة الله، كما ثبت عن جابر وابن مسعود في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعن الله آكل الربا وموكله, -وفي زيادة-: وكاتبه وشاهديه», آكل الربا ملعون مطرود من رحمة الله، موكل الربا ملعون مطرود من رحمة الله، كاتب الربا مجرد ما يتعاون عليه ويكتبه شاهد على الربا، المتعاون في الربا حتى ولو كان بغير هذه الأمور المذكورة يعرض نفسه للطرد من رحمة الله، كم أشياء تسبب للناس الطرد من رحمة الله حتى حصلت في أوساطهم ما جعلهم يتعجبون، ما هذه الفتنة، ما هذا الشر الحاصل بين الناس؟ الشر الحاصل بين الناس بسبب ذنوب العباد، حتى استحق كثير من الناس لعنة الله، حتى أن تلك اللعنة ربما تطرد رحمة الله عن العباد، فاللعنة هي الطرد من رحمة الله، أو تطرد العبد من رحمة الله، وهكذا الراشي والمرتشي ملعون: «لعن الله الراشي والمرتشي», وهذا حاصل بين المسلمين، وكم لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر؟ لعن عشرة في الخمر: «لعن الله شارب الخمر بائعها وعاصرها ومبتاعها وحاملها والمحمول إليه ..» الحديث، عشرة أشخاص عشرة أصناف ملعونون في الخمر كلهم يستحقون بذلك الطرد من رحمة الله أمور خطيرة يلج فيها العباد:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ

 
والماء فوق ظهرها محمولُ

والشاهد من ذلك أن المجتمع يئن من المعاصي والفتن والقلاقل بين الكبار والصغار والجن والإنس، والرجال والنساء والسبب في ذلك أنهم هم السبب: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى:30], كم ترى من النساء يتشبهن بالرجال والعكس من ذلك: «وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء» عند البخاري عن ابن عباس، «ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل ثمن الكلب وثمن الدم، ولعن المصور، وآكل الربا وموكله»، في صحيح البخاري عن أبي جحيفة، أعداد هائلة جداً تجعل الإنسان يخشى على نفسه من أن يتعرض لهذه اللعنة والطرد من رحمة الله وهو لا يدري، إي والله خطيرة جداً.
المرأة إذا باتت هاجرة لفراش زوجها ربما تتساهل في هذا الأمر الخطير، والملائكة تبيت تلعنها حتى تصبح، المرأة إذا فارقت بين ثناياها أو بين أسنانها أيضاً تستحق بذلك لعنة الله، قال ابن مسعود: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، قالت امرأة: قرأت مابين دفتي المصحف فلم أرَ ذلك، قال: وما لي إن كنت قرأته، فقد وجدته، وما لي لا ألعن من لعن رسول الله، وقد قال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾[الحشر:7], وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم..» وذكر الحديث.
هذا حاصل في المجتمعات، حاصل في المجتمعات التعرض للعنة الله، بما قد يؤدي إلى عدم رحمة الله بالعباد في الدنيا وفي الآخرة: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾[النور:21].
فيا أيها الناس! خطر عظيم جداً أن يتعرض العباد لذلك، في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صنفان من أهل النار لم أرهما: أناس لهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها», في رواية في صحيح مسلم: «فالعنوهن إنهن ملعونات», مجرد ما يتغوط الإنسان في طريق الناس، ويسبب لهم الأذى، أذى المسلمين يستحق بذلك اللعنة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا اللاعنين.. الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم»؛ من مر لعنة بسبب ذنبه، ما بالك بمن غير منار الأرض، ما بالك بمن لعن والديه، ما بالك بمن ذبح لغير الله، ما بالك بمن ألحد في الحرم, كل ذلك ملعونون، روى مسلم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله من ذبح لغير الله», هذا واقع في المجتمع، قال: «لعن الله من لعن والديه، لعن الله من غير منار الأرض، لعن الله من ذبح لغير الله», الحديث أصناف ملعونون في هذا الحديث.
وهكذا في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى», ما السبب في ذلك؟ أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم السبب في ذلك بأن تلك اللعنة استحقوها: «اتخذوا قبور أنبائهم مساجد, إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله» حديثان، وعدة أحاديث في ذلك، حتى الذي ترونه من القصور في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والضعف في ذلك، هذا خطير جداً على المجتمعات؛ لأن هذا يسبب لهم اللعنة، فقد لعن بنو إسرائيل بسبب التمالؤ على الباطل والسكوت عليه، ونحن في زمن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ربما يكون مستهدفاً فضلاً من أن ينصر، هذا أمر خطير!
فقد جاء عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بني إسرائيل كان أحدهم يلقى الرجل على المعصية، فيأمره وينهاه، ثم يلقاه على المعصية، فلا يزال دخيلاً له وأكيلاً له وشريباً معه، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بغضهم على بعض ثم لعنهم»، هذا الحديث مؤيد بالقرآن، قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾[المائدة:78], على ألسنة الأنبياء: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[المائدة:78-79].
انظر تمالئهم على المعاصي وعدم إنكارهم لها، لعن الله الجميع، الذين كانوا يتمالئون على ذلك: ﴿أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾[فاطر:15], فالله ليس بحاجة إلى عباده الله، الله غني عنهم.
وفي الصحيحين أن علياً رضي الله عنه سئل عن صحيفة معه، هل عنده قرآن غير هذا القرآن؟ قال: ما عندي إلا هذه الصحيفة, فأخرجها وفيها شيء من أسنان الإبل، وفيها: «المدينة حرم من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو أوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله لهم صرفاً ولا عدلاً»، ومن انتسب إلى غير أبيه أو ادعى غير مواليه, مملوك ينتسب إلى غير مولاه، أو ولد ينتسب إلى غير أبيه رغبة عن أبنه، ذلك كفر قال: «.. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ».
هكذا أمور يتساهل فيها الناس وهي قد تسبب لعنة الله على العباد. ونسأل الله السلامة والعافية.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فمن أعظم ما يتعرض به الإنسان لهذا الخطر العظيم هو النفاق، فقد قال رب العزة عز وجل في كتابه الكريم مبيناً خطر ذلك؛ على أن النفاق من أسباب لعنة الله عز وجل: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ﴾[الأحزاب:60-62], وهذه سنة الله، يعني: ليس هذا في فرد ولا في أفراد، ولا في جماعة ولا في جماعات، سنة الله في الماضين والأولين والمتأخرين، أن من حصل منه النفاق أنه ملعون، وأنه مطرود من رحمة الله إن لم يتداركه الله برحمته، ومع ذلك أيضاً هم موعودون بالأخذ من الله: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾[هود:102], «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»، موعود ومتوعد بأخذ الله له، وهكذا بالتقتيل، هو متوعد بأن يقتله الله، وأن يهلكه الله بسبب ذلك، وقد نكل الله عز وجل بالمنافقين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضحهم وجعلهم عبرة لمن اعتبر، وذكرى لمن تذكر.
فالحذر الحذر -عباد الله- من أسباب لعنة الله، فإن ذلك خطير جداً، ولا يمكن حصره في هذا الموضع لطول ما يتعلق بذلك، وفي ذلك غنية عما بقي.
وبالله التوفيق.