الخميس ، ١٣ فبراير ٢٠٢٥ -
الصوتيات

خوف المؤمنين من الارتداد عن الدين

26-03-2009 | عدد المشاهدات 5358 | عدد التنزيلات 1470

[خوف المؤمنين من الارتداد عن الدين(152)]

خطبة جمعة بتاريخ: (3 شهر محرم 1429هـ)

(للشيخ العلامة المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)

================================

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن نعم الله على عباده كثيرة وآلائه عليهم جزيلة ولكن كل تلك النعم التي لا تحصى هي في الحقيقة خاضعة لنعمة واحدة فإذا تمت تلك النعمة على العبد تمت له سائر النعم، وإذا زالت تلك النعمة عليه أو ضعفت واضمحلت زالت عنه تلك النعم كلها تزول عنه جميع النعم وهذه النعمة التي مدار النعم عليها وهي أساس كل نعمة في الدنيا والأخرى هي نعمة الإسلام التي امتن الله سبحانه وتعالى بها على عباده، فقال عز من قائل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:3]، هذه النعمة من أتمها الله سبحانه عليه فقد رضي عنه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، هذه النعمة هي شكر الله، ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾[الزمر:7]، ولا يتوفر شكر العبد لربه أبداً إلا أن يحقق هذه النعمة التي طلبها الله سبحانه وتعالى من عباده، وخلق عباده من أجلها، لهذا فإن المؤمن في غاية الحرص عليها وفي غاية الخوف من زوالها قال الله عز وجل في كتابه الكريم عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو معصوم وإمام الحنفاء: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[إبراهيم:35-36].

فنبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يزال متخوفاً من الرجوع عن تلك النعمة التي أمده الله سبحانه وتعالى بها هو أو ذريته ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾[الحج:78]، هذه هي النعمة التي بعث بها إبراهيم وسأل الله عز وجل دوامها عليه وذريته، وحين بناء الكعبة: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[البقرة:127-128]، هذا من دعاء إبراهيم أن يجعله وولده مسلمين لله وأن يتوفاه على ذلك وأن يجعل من ذريته من هو على ذلك ويقول الله عز وجل: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[البقرة:132].

وكل هذا دال على خوفه على ذريته وأبنائه من أن يطرأ عليهم ما يزيل عنهم تلك النعمة فإن ديناً غير دين الإسلام دين باطل غير مقبول عند الله لا في الملل الماضية ولا الحاضرة، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[آل عمران:85]، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾[آل عمران:19]، فدين إبراهيم هو الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية، وقد نفى الله سبحانه وتعالى عنه دعوى المشركين، دعوى اليهود والنصارى أن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً فنزهه الله عن ذلك وقال: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[آل عمران:67]، فلا هو يهودي ولا هو نصراني ولا هو مشرك بل حنيف مسلم عليه الصلاة والسلام.

 ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الزخرف:28]، وصى بها ودعا إليها، ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[البقرة:132]، وكان يعقوب عليه الصلاة والسلام وهل وصيته لأبنائه إلا لتعهد ما هم عليه وللخوف من أن يطرأ عليهم غير ذلك الدين وهو دين الإسلام ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾[البقرة:133].

قرت عين يعقوب، فإنه رأى من أبنائه أنهم سيعبدون الله وأنه تركهم حين مات وهم على هذا الحال مسلمون، هذا شأن المؤمن: الخوف من أن تزول عنه هذه النعمة، فإن من زالت عنه هذه النعمة تعرض لشديد عقاب الله قال الله سبحانه وتعالى: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[البقرة:211-212]، من الذي يرضى لنفسه أن يعرضها لشدة عقاب الله سبحانه وتعالى بإزالة النعمة التي أسداها الله سبحانه إليه وهي أعظم نعمة، نعمة الإسلام، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما »، كائن من كان فيقدم محبة الله ومحبة رسوله على جميع المحاب، ولو أنه أحب الله ورسوله أحب معهما مثلهما وساووهما بالمحبة ما تقبل ذلك منه وصار من الكافرين، إن مات على ذلك فمن الهالكين المعذبين.

الشرط الثالث: وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.

ومن المعلوم كراهية الإنسان بل شدة كراهيته لحرارة النار فلا طاقة له بها حياً ولا بعد موته، فوقوعه في ألم يسير يؤلمه ويقلقه كيف إذا وقع في حمئة النار ولهبها هو أشد خوفاً من ذلك، فما دام الإنسان في شدة الخوف من النار يجب أيضاً أن يكون في شدة الخوف من زوال هذه النعمة؛ لأن زوال هذه النعمة نار محققة بلا محالة لمن مات على ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾[فاطر:36-37]، ولا يمكن أن يتخلص منها بملأ الأرض ذهباً لو يفتدي به لا يستطيع أن يتخلف من النار إن هو مات على زوال هذه النعمة نعمة الإسلام مات على الكفر.

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾[البقرة:165]، فهو المستحق للمحبة الكاملة وهو له القوة الكاملة القوة لله جميعاً، فإليه الرغبة ومنه الرهبة وإليه المآب، هكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين: على أنه لا يمكن أن يتحقق الإيمان في قلب إنسان حتى يتوفر فيه هذا الشرط، أن يقدم محبة الله ومحبة مرضاته ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة طاعته على جميع محابه، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

الشرط الثاني: أن يحب المرء وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله.

قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾[المائدة:36-37].

وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[المائدة:36]، فلا يمكن أن يفتدوا من عذاب الله بشيء قليل ولا كثير، ولا يمكن أن يتخلص منها بولده، والده والناس أجمعين أبراراً وفجاراً يتمنى هذا المجرم الذي أزال نعمة الله والذي لم يعرف لها قدرها في هذه الدنيا أن جميع الناس في النار ويخرج منها ويتخلص منها: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾[المعارج:11-18]، ماذا يغني عنك مالك إن أنت عرضت نفسك لهذه الهلكة وهي هلكة الكفر بزوال الإسلام والإيمان سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مشركاً أو مرتداً قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[البقرة:217]، عمله كله غير مقبول صلته للأرحام جواره الحسن صدقاته خلقه، سائر ما يعمله من أركان وواجبات وسنن كلها مرفوضة مردودة إذا زالت عنه نعمة الله ومات على تبديلها.

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾[الفرقان:23]، وقال: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام:88]، وقال: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الزمر:65]، وقال: ﴿مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة:72]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[النور:39]، وقال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾[إبراهيم:18]، ضلال وأيما ضلال إنها حسرة، ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾[الزمر:15-16]، ضلال اليهودية، ضلال النصرانية، ضلال المشركين، ضلال المرتدين.. ضلال كل من غير نعمة الله عليه بقليل أو كثير، فإنه يناله من الانتقام من الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة بقدر إزالته لهذه النعمة سواء إزالة كلية أو جزئية ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾[الأنفال:53]، ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ﴾[الرعد:11]، إنه ضلال قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[المائدة:12]، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[الممتحنة:1]، فليس هناك ضلال أشد من تبديل نعمة الله عليك، فحافظ عليها أيها المسلم واعلم هلاكك بزوالها وسعادتك بقائها قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا * إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾[الأحزاب:63-65]، من الذي ينصرك من الله؟ ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا﴾[غافر:29]، من الذي ينصرك من الله، مالك ما ينفعك الدنيا كلها ما تنفعك؟ ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾[سبأ:37].

قال الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان:33-34]، أيليق بعد هذا كله أن يرجع الإنسان عن دينه أو يتزحزح عن دينه من أجل عطاء يسير من الدنيا، والله إن هذا لكما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من حقارة أمور الآخرة عند الناس، وتعظيم أمور الدنيا روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء »، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا ».

فانظر عرض الدنيا كيف يجلب على الناس الويلات الذي يكون أسير الدنيا، يسلب عن أعظم شيء عنده في الدنيا والآخرة وهو الإسلام، فربما يكون في الصباح مسلماً ويسلب بعرض من الدنيا ولا يمسي إلا وقد سلب تلك النعمة أو يصبح مؤمناً، ويمسي وقد سلب تلك النعمة أعظم نعمة عنده في الدنيا والآخرة هذه بله، هذا في الحقيقة جنون، نعم والله! ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[الملك:10-11].

..أن يحرم الإنسان جميع الخيرات في الدنيا والآخرة من أجل شيء من الدنيا هذا جنون، نعم قال الله سبحانه وتعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾[المؤمنون:99-103]، والذي تخف موازينهم هم الكفار.

في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يؤتى بالرجل السمين البطين لا يزن عند الله جناح بعوضة» أي: من الكفار، والله يقول في سياق ذكر الكافرين: ﴿فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾[الكهف:105].

فليحذر المسلم على نفسه وليحافظ على دينه دين الإسلام، وهو دين الإسلام والسنة وليس الإسلام بغير سنة دين الإسلام والسنة يحافظ عليه ويعتبره رأس ماله، وإن مات على ذلك صار من الناجين إن شاء الله: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾[فاطر:32-33]، حتى وإن حصل منه خطأ أو زلل أو اغترف شيئاً من الآثام فإن هذا ذاعر بين هذه الثلاث الأصناف، إما أن يكون سابقاً وإما أن يكون مقتصداً وإما أن يكون ظالماً لنفسه ببعض المعاصي ولكنه من ذوي التوحيد، وهو من الناجين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إذا علمت ذلك فاعلم أن هذه النعمة لم تترك عليها إلا بجهاد واجتهاد وأن المنازع لك فيها شديد ظاهراً وباطناً قريباً وبعيداً من الجن والإنس والرجال والنساء، ولكن يا أخي إنه ليس من اللب ولا من العقل ولا أيضاً من الفطنة أن يضحي الإنسان بعمره ويضحي بحياته ويضحي بأغلى ما لديه ويخسر نفسه من أجل دنيا أو من أجل غريب أو بعيد، نعم إنه والله لضلال بعيد وهلاك سحيق على من غير نعمة الله وبدلها أي: نعمة كانت، أي نعمة كانت؟ فإنها لا تزول عنك إلا بنقمة من رب العالمين، ولكن أشد نقمة عليك أن تزول عليك نعمة الإسلام، ومن أسباب زوالها هو مودة الكافرين، فإن الله أخبرنا أنهم سعاة جادين في سلب هذه النعمة عنا، ولا يرضون لنا بقاءها أبداً سواء بقتال لنا أو بإنفاق أموالهم ضدنا أو بغير ذلك، قال الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[الأنفال:36-37].

وأبان: أنهم لا يرضون أبداً ببقاء هذه النعمة علينا ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾[البقرة:120]، وقال سبحانه لنبيه الكريم: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾[الإسراء:74-75].

إذا كان هذا الخطاب موجهاً لأفضل البرية وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لو ركن إليهم شيئاً قليلاً لأذاقه الله ضعف الحياة وضعف الممات ولا نصير له على الله سبحانه، فما بالك بنا نحن! وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ﴾[النساء:144]، ﴿لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم﴾[المائدة:51-52]، يجتهدون في تقليدهم في مشابهتهم، في السير على طريقتهم، في الرضا عنهم، أو في تبجيلهم أو ألا أنهم أناس قد تقدموا دينياً أو ما إلى ذلك مما هو من وسائل سلب الدين قريباً عاجلاً أو آجلاً، ولا تؤمن غوائله على فرد ولا جماعة ولا على رجال ولا نساء لشدة الاكتضاض، ولشدة أيضاً الهجوم بهذه الأفكار، نعم.

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾[المجادلة:22].

وما هذا الوعيد، وما هذا البيان أنهم لا يؤمنون أبداً؟ إلا أن مودة هؤلاء أو طاعة هؤلاء أو الركون إلى هؤلاء هذا هو أساس سلب الدين عاجلاً أو آجلاً وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ﴾[هود:113].

فالركون إلى أقوالهم، إلى دعوتهم.. إلى بثهم.. إلى إذاعاتهم.. هذا كله من أسباب سلب الدين عن المسلمين ومن أسباب مس النار لهم: ﴿فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾[هود:113]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾[البينة:6]، كيف يا أخي تطيع شر البرية والله قد قال سبحانه في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[آل عمران:100-101]، كيف يا أخي تركن إلى هؤلاء الظلمة وترضى بدعوتهم وأنت على شريعة غراء كاملة شاملة قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾[الجاثية:18-19]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾[الشورى:13].

هذا كبير عليهم أن تدعوه إلى الإسلام وتظهر إسلامك، يكون في غاية الحنق والغيظ عليك، سواء كان بإبراز الإسلام والسنة أو كان بدعوتهم إلى ذلك أو ما إلى ذلك فإنهم كما أخبر الله سبحانه: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾[النساء:89]، قال الله عز وجل: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[البقرة:109].

أيها الناس! هذا أمر خطير جداً أن يكون الإنسان رقيق الدين يسلبه عدوه دينه وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾[الكهف:103-105].