الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ -
الصوتيات

شرح اسم الله (الحق)

27-03-2009 | عدد المشاهدات 11737 | عدد التنزيلات 1438

[شرح اسم الله (الحق) -(168)]

خطبة جمعة بتاريخ: (22 رجب 1429هـ)

(للشيخ المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)

============================

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس! يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ..[الحج:62], ويقول سبحانه ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾[النور:23-25], وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قام من الليل يتهجد يقول: اللهم لك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، لك أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق، ولقاؤك حق والنبييون حق، ومحمد حق، والجنة حق والنار حق والساعة حق، اللهم بك خاصمت وإليك حاكمت وإليك أنبت، أنت المقدم فاغفر لي ما قدمت وما  أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير» الحديث.

وقد اشتملت هذه الأدلة على إثبات اسم لله سبحانه وتعالى وهو (الحق)، فالله عز وجل من أسمائه الحسنى (الحق) ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾[النور:25], وهذا الاسم العظيم لله عز وجل يتبين بأدلة أخرى التي حرم فيها سبحانه وتعالى الظلم على نفسه وجعله محرماً بين العباد، كما ثبت في ذلك الحديث القدسي عن أبي ذر رضي الله عنه عند الإمام مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا», ولما كان سبحانه هو الحق أحب الحق وأمر به وكان كل ما يحصل في الكون لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، وكل ذلك بالحق: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الفرقان:2], خلق الشر بالحق وخلق الخير بالحق: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:216], وخلق السماوات والأرض ومن فيها كل ذلك بالحق، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا[ص:27], كلما يحصل في السماوات والأرض وما بينهما كله بالحق قال: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾[ص:27]، فمن اعتقد أن الله عز وجل خلق ذرة أو حشرة أو رملة أو قليلاً أو كثيراً أو خيراً أو شراً بباطل فإن اعتقاده هذا اعتقاد الكافرين.

وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾[الدخان:38-39], وأحب سبحانه وتعالى إقامة الحجة    على عباده كل ذلك بالحق: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[النساء:165]: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾[الإسراء:13-14], كل ذلك من محبته سبحانه وتعالى للحق؛ لأنه هو الحق سبحانه وتعالى فأمر بالحق، وحذر من الجور ومن الظلم، وأمر بالعدل وحذر من الحيف، وأنزل كتبه وأرسل رسله بذلك، وأمر بالتواصي بذلك، وأقسم عز وجل بالعصر قال: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[العصر:1-3]، أقسم الله عز وجل: أن الإنسان خاسر أنه في خسر إلا من آمن وعمل صالحاً وأوصى واستوصى بالحق وبالصبر عليه.

أيها لناس! أن الله سبحانه وتعالى ما أقام الجنة والنار إلا إقامة للحق الذي أراده سبحانه وتعالى، فخلق للنار أهلاً بالحق وخلق للجنة أهلاً بالحق، وقال: «لكليكما علي ملؤها», النار بالحق: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾[الأحقاف:34].

وأمر بالعدل من أجل إقامة الحق، وشرع الحدود من قصاص وقطع يد السارق، ورجم وجلد.. وغير ذلك كل ذلك للحفاظ على الحق حتى يذعن الناس كلهم له، ولا يسعد الناس أبداً في دنيا ولا في أخرى إلا به، ومن حاف عنه فإنه حاف عن أمر عظيم جداً، فالله سبحانه يقضي به من فوق سبع سماواته قال الله سبحانه: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ[غافر:20]، ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الزمر:75].

ووعده سبحانه وتعالى حق، فالله يقضي به وما قضى الله سبحانه وتعالى به لا مرد له ولا محيص منه وهو محصحص ولابد وكما ذكر عن زوجة امرأة العزيز: أن قصة تلك المرأة التبست مدة، وأدخل السجن يوسف عليه الصلاة السلام مدة وفي النهاية ظهر الحق واستبان: ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾[يوسف:51-52], فمهما التبس الحق فترةً أو حقبة لا بد من حصحصته؛ لأن الله أمر به وأقام دينه وشرعه به، وأنزل كتبه به وأرسل رسله به، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾[البقرة:119], وقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾[الفتح:28], ويحكم سبحانه وتعالى به: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾[هود:45].

فالله وعده حق ولن يخلف الله وعده، قال سبحانه وتعالى مما كتبه على نفسه من الحق: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الروم:47], وقال: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأنبياء:88]، فالله سبحانه نجى المرسلين وهو ينجي المؤمنين: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[يونس:103].

أيها المؤمن! إن هذا حق أوجبه الله سبحانه وتعالى على نفسه تفضلاً وتكرماً أنه ينجيك، وأنه ينصرك، ما دمت آخذاً بما شرعه الله وأوجبه، وأقام السماوات والأرض من أجله وأنزل كتبه من أجله: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ[الحديد:16]: ﴿الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ﴾[آل عمران:1-3], الآيات, ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ[المائدة:48], فالله أنزل الكتاب بالحق: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾[البقرة:176].

هذا ليعلم أن هذا الاسم من أسماء الله سبحانه وتعالى الذي أثبته لنفسه واتصف به أيضاً أحبه، وأحب كل من اتصف بهذا العدل والإنصاف الذي أراده الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى[النساء:135], فاتباع غير الحق هوى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا[الأنعام:152], كل ذلك من محبه الله سبحانه وتعالى للحق الذي تسمى به واتصف به، هذا الحق الذي ذكر في حديث ابن عباس: «أنت الحق ووعدك الحق», فالله لا يخلف الميعاد قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[الأعراف:44].

الشاهد من هذا: أن هذا حق لا محيص عنه أبداً، اللهم ألا أن يأتي من يلبسه بلباس آخر فيزيف حقائقه مدة ثم ينكشف ويصير من ألبسه مفضوحاً وانظروا إلى بني إسرائيل كيف فضحهم الله سبحانه: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى﴾[آل عمران:71-73], الآيات.

الشاهد من ذلك: أن إلباس الحق شأن بني إسرائيل وقال: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ[المائدة:27], فهذا كله بالحق، قصص القرآن قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾[آل عمران:62], ترهيب القرآن، ترغيب القرآن أحكام الله، أحكام دين الله كل ذلك..

أيها الإنسان! إذا كنت على الحق فاعلم أن معك من الله سبحانه وتعالى حافظ ونصير؛ لأن هذا دينه، الحق دين الله، الحق أمر الله.. الحق شرع الله.. الحق من أجله خلقك: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56], فالله خلق العبد ليعبده وليقيم هذا الحق، وذم الله سبحانه وتعالى الذين يعدلون أن يجورون: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾[الأنعام:1], أي: يشركون، يشركون به غيره، وهذا ليس من الحق هذا من الباطل؛ لذا حذر الله من الشرك لأنه غاية الباطل، وأمر الله بتوحيده لأنه غاية الحق؛ ولذا قال في حديث الأشعري: «أرأيتم أن مثل ذلك كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق ثم قال هذا داري وهذا مالي اعمل في ما يؤدي إلى داري فذهب يعمل فيما يؤدي إلى غير داره, أيكم يرضى أن يكون عبده كذلك» لاشك أن هذا جور.

من الحق بر الوالدين: ﴿وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾[الإسراء:24].

من الحق أيضاًَ صلة الأرحام لما لهم من القرابة، ولما لهم من النصرة، من الحق أيضاً رحمة الصغير لما له أيضاً من الضعف.. وغير ذلك من الحقوق المذكورة في آية الحقوق العشرة، سواء في سورة النساء أو التي في سورة الأنعام، كل ذلك حقوق، المرأة لها حق، والرجل له حق، والصغير له حق، والكبير له حق، والدواب والطيور لها حقوق، والجن لها حقوق كل ذلك مضبوطة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من افتأت على ذلك أذله الله بقدر بعده عن الحق آمنا بذلك كله.

ولن ينصر الله سبحانه وتعالى هذه الطائفة المنصورة إلا لما عضت عليه بالنواجذ من الحق لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى قيام الساعة», فما أجمل الحق! وما أعظم النصر به!

هذه الطائفة ربما تكون أقل الطوائف، وأيضاً هذه الطائفة ربما يكون غيرها لها العدة والعدد.. وغير ذلك، ولكن الله نصرها بالحق، فمن أراد نصر الله فليأخذ بغرز هذه الطائفة المنصورة التي نصرها الله عز وجل بالحق: «لا تزال طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة», مهما خذلوا ومهما خولفوا ومهما خذلوا ومهما بغي عليهم الضرر ليس هناك ضرر: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ﴾[آل عمران:111], الضرر ليس هناك ضرر، وغاية ما في الأمر أذى يحصل للبر والفاجر والمصلح والمفسد، قال الله عز وجل: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ﴾[النساء:104], وقال سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾[الفرقان:20].

الخطبة الثانية:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فهذا الاسم العظيم من أسماء الله عز وجل يتضمن أحكاماً كثيرة، ومن عمل بمقتضاه فإنه يكون عمل بمراد الله سبحانه وتعالى وبما أوصى به، وبما خلق العباد من أجله.

هذا الاسم العظيم اسم الحق لا تجد أمر في الدنيا ولا في الآخرة إلا ويدخل تحت هذا الاسم العظيم ويتضمنه هذا الاسم العظيم، وانظر إلى حكمة الله سبحانه في خلقة وفي عباد قال الله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا[الملك:1-2], كل هذا البلوى بالحق ليعلم المفسد من المصلح وقال: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾[العنكبوت:3].

أيها الناس! إن الحق مؤثر على النفوس جداً، الحق مؤثر على النفوس لمن كان من ذويه، ومن لم يكن من ذويه فإن الحق دامغ له قال الله: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾[الأنبياء:18], وقال: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾[الإسراء:81], وأخبر الله عن الذين يؤثر فيهم الحق والذين يلتمسونه ويبتغونه قال: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ﴾[المائدة:82-84], فهذا شأن مبتغي الحق إن زل أو طاش أو حصل له طائف من الشيطان تذكر فإذا هو مستبصر كما قال الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾[الأعراف:201-202], الحق مؤثر، الجن صاروا اشد تأثراً به فضلاً عن الإنس: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾[الأحقاف:29-32], أي الذي لا يذعن للحق ما يعجز الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز اتباع إلا من يدعو إلى الحق ويهدي إليه، أما من أعرض عن الحق فإنه لا يجوز اتباعه مهما كان وأياً كان: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾[يونس:35], قال الله سبحانه مبيناً على أن الحق واحد ولا يمكن للحق أن يتبعثر وأن يكون ملتبساً على ذويه أبداً: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾[يونس:32].

والحمد لله رب العالمين