الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ -
الصوتيات

التنبيهات السنية على فضل الدعوة السلفية

02-04-2009 | عدد المشاهدات 5283 | عدد التنزيلات 1683

 [التنبيهات السنية على فضل الدعوة السلفية(102)]

خطبة جمعة بتاريخ: 7/رجب/1426هـ

(للشيخ العلامة المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)

=================================

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس! يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[النساء:115].

ففي هذه الآية العظيمة بيان من الله عز وجل على أن من شاقق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتبع غير سبيل المؤمنين؛ وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن ذلك يوليه الله سبحانه وتعالى ما تولى؛ بسبب إعراضه وبعده، ويكله إلى نفسه: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[الصف:5], ومن إثر ذلك هذا الذي يوليه الله ما تولى يكون قد عرض نفسه لعذاب الله: ﴿وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[النساء:115].

ومن هنا فالواجب على المسلمين أن يكونوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم معتصمين، وعلى طريقة السلف الصالح سالكين، وعن هذا المنهج الحق ذابين حتى يتخلصوا من العذاب المهين.

أيها الناس! روى الإمام الترمذي في جامعه من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ما يدل على أن سلوك السلف وأن طريقة السلف رضوان الله عليهم أمنةٌ من الهلاك والفتن والضلال، ونحن إذ نذكر السلف رضوان الله عليهم فإن ذلك شامل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أقبلت فاطمة يوماً تمشي لا تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دنت أجلسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بجانبه، ثم سارها فبكت، ولم تكن تخبر بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عائشة، ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سارك فبكيت ثم سارك فضحكتي؟ قالت: إنه قال لي: إن جبريل كان يعارضني القرآن كل عام مرة، وإنه عارضني العام مرتين ولا أرى الأجل إلا قد دنى، فاتق الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك»، فسلفنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسلفنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا أمانٌ من الضلال؛ للحديث المذكور آنفاً قال العرباض: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبدٌ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور».

وهذا الحديث شمل الأمر ولزوم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولا يكون ذلك إلا بفهم من أدرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وذروتهم الخلفاء رضوان الله عليهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «وأصحابي أمنة للأمة، فإذا ذهب أصحابي أتى الأمة ما توعد»، إن سلوك طريقة السلف رضوان الله عليهم على هذا الحال وعلى هذا المنوال الذي تقدم ذكره؛ من اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لهو من أسباب مرضاة الله عز وجل، يقول الله عز وجل: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[التوبة:100], فكل من اتبع هؤلاء السابقين الأولين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحسان وبتحر للحق فإنه يكون ممن رضي الله عنه، كيف لا واتباع طريقة السلف رضوان الله عليهم، مما دل عليه حديث عمران بن حصين على أنهم خير القرون دائماً وأبداً، وخير الأمة وأزكاها علماً، وأقلها تكلفاً كما قال ابن مسعود: من كان متأسياً فليتأس بمن مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، وإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أزكى نفوساً وأكثر علماً وأقل تكلفاً، كيف لا يكون كذلك وفي حديث عمران رضي الله عنه: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون أناسٌ يخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويشهدون ولا يستشهدون وظهر فيهم السمن», دل هذا على أن خير القرون هي التي اختارها الله لنبيه ولصحبة نبيه ومن سلك مسلكهم في ذلك.

إن هذا المنهج لهو الحق منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، والتمسك بذلك يعتبر تمسكاً بالحق، ففي الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه وجاء عن غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفةٌ على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى قيام الساعة», وفي لفظ: «حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك», ألا فمن أراد الحق فليتمسك بهذا المنهج، فلا حق إلا فيه، ولا نصر إلا فيه، ولا عز إلا فيه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾[النور:55], والله لقد مكن الله لنبيه ولسلف هذه الأمة، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مكن الله له، بعث إلى الأحمر والأسود، ونصر بالرعب هو وأصحابه رضوان الله عليهم مسيرة شهر، وكان رسول الله صلى عليه وعلى آله وسلم هو وأصحابه رضوان الله عليهم ينزل عليهم النصر من السماء، في يوم بدرٍ نزلت الملائكة تقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نصر عظيم وعز عظيم لمن تمسك بمنهج السلف: ﴿يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾[آل عمران:125], وفي الآية الأخرى: ﴿بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾[آل عمران:124], وكان الرجل إذا أراد أن يقتل المشرك لا يصل إليه إلا وقد قتل، الملائكة تنزل بالنصر من عند الله عز وجل عزاً لهذا المنهج الحق ونصراً لهذا المنهج الحق؛ منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، الدعوة السلفية نصرٌ: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[الحج:40], يخالَفون فلا يضَرون، ويخذلون فلا يضرَون؛ ولا يزالون معززين مكرمين لأن ذلك هو الإسلام حقاً من جميع جوانبه: العزة لله ولرسوله وللمؤمنين: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾[فاطر:10], فمن أراد النصر فعليه بهذا المنهج منهج السلف رضوان الله عليهم، واتباع ذلك عز محسوس وملموس، نصر الله به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقرأ في البداية والنهاية وقبل ذلك في كتاب الله عز وجل ومن صحيح البخاري ترى فتوحات عظيمة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما يقابل العدد القليل الآلاف من المشركين والكافرين فيهزم الله المشركين وينصر الله المؤمنين: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[الأنفال:10]؛ ذلك لتمسكهم بهذا المنهج الحق، إن منهج السلف منهج شمولية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[البقرة:208], منهج يعرف للراعي حقه وللمرعي حقه وللصغير حقه وللكبير حقه وللحيوان حقه وللرجل حقه وللمرأة حقها وللجار حقه وللوالد حقه وللابن حقه، بل للكفار يعرف كيف يتعامل معهم، منهج شمولية، منهج يعرف فيه أنه ما دل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وستون شعبة فأعلاها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان», الحياء شعبة من الإيمان، فهذا المنهج فيه لا يهمل شيءٌ من الدين فكله دين على مستوى إماطة الأذى دين، ومن أسباب زيادة الإيمان.

أيها الناس! إن الأعراض عن هذا المنهج الحق شقاوة، إن الأعراض عن هذا المنهج الحق يعتبر ضنكاً: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾[طه:123-124], ولقد رأينا ورأيتم أن من لم يتبع هذا المنهج الحق وأعرض عنه أنه صار في نكد وصار في تعاسة وصار في ضنك، سواء من المشركين الكافرين؛ من اليهود والنصارى أو من المبتدعة الضالين، فإنهم يتناكدون ويفتنون في قلوبهم وأعراضهم ودينهم ودنياهم: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور:63], فبسبب تنكبهم عن هذا الصراط المستقيم عاقبهم الله بفتنٍ وبلايا بما عندهم: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى:30].

إن هذا المنهج الحق يجمع شملك ويعصمك بالحق؛ يجعلك سالكاً طريقاً واحداً مستقيماً واسعاً، طاهراً زكياً نقياً، ليس فيه اعوجاج، وليس فيه تشعبات، وليس فيه قلاقل ولا تحزبات: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153], اتباع هذا المنهج طريق واحد، إن هذا المنهج الحق لهو من أسباب دخول الجنة، ومن أسباب الاستظلال في ظل طوبى، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بدأ الإسلام غريباً», وقد علمت بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان غريباً معه حرٌ وعبد، أبو بكر وبلال، «ولما أتاه عمرو بن عبسة إلى مكانه في مكة وأسلم أو قال: اتبعك الآن، قال: ارجع إلى أهلك، فإذا علمت أني قد ظهرت فائتني».

منهج غريب، منهج يتنكر له الفسقة، يتنكر له الكفار، يتنكر له المبتدعة، يتنكر له الشياطين، منهج غريب بالنسبة لأهل الأهواء والزائغين، ولكنه الحق: «فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس»، الذين يقومون ما اعوج فيه الناس، هؤلاء موعودون من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وسلم بطوبى: ﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾[الرعد:29], ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾[النساء:77], منهجٌ لا يزال على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن تشبه الناس باليهود والنصارى في التفرق والاختلاف فلا يتأثر هذا المنهج بتفرق الناس: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي», وهذه الزيادة ثابتة بما يؤيدها من الأدلة الكثيرة، فدل هذا أن كثيراً من الناس تشبهوا بالكافرين في تفرقهم واختلافهم، وأن هذا المنهج لا يتأثر بالكثرة الهائلة المخالفة، ولا يزال على الحق، وأن هذا الحديث يعتبر ميزاناً للتمسك وللاتباع لهذا المنهج، وليس كل من ادعى دعوى أنه من السلف يوافق على دعواه، وإنما من كان على ما دل عليه هذا الحديث وعلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهنيئاً له, أن هذا المنهج الحق اتباع السلف رضوان الله عليهم أمانةٌ من الفتن، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يشتبك الناس فيكونوا هكذا، رأيتم إن كان فيكم أناس مرجت عهودهم وقلت أمانتهم واشتبكوا فكانوا هكذا؟ قالوا: ما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: تأخذون أمر خاصتكم وتدعون أمر عامتكم تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون», وخاصة الأمة هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سلك مسلكهم على ذلك.

فالواجب على المسلمين أن يأخذوا هذا الأمر الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى به.

إن طريقة السلف هي الجماعة التي يجب على الناس جميعاً تلقيها واتباعها وأخذها ولا يشذ عنها إلا مخالفٌ ومن أراد لنفسه الفتنة، ففي الصحيحين أن حذيفة رضي الله عنه قال: «كان الناس يسألون عن الخير وكنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في الجاهليةٍ وشر فجاء الله بهذا الخير»، هذا المنهج خير: «فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم», ولا شك أن أناساً خرجوا، وأن أناساً بعد ذلك ارتدوا وهذا شر، الذي حصل من أهل الردة، والذي حصل أيضاً من الخوارج، والذي حصل من القدرية، والذي حصل من الروافض؛ كل ذلك يعتبر شراً وتعتبر فتنة, «قلت: يا رسول الله فهل بعد ذلك الشر من خير: قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: أناسٌ يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها», ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وجماعة المسلمين: هم من دلت عليهم هذه الأدلة المذكورة؛ من كان على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولو كان واحداً، فقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك، وإبراهيم كان جماعة: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[النحل:120], والأنبياء أنفسهم ومن معهم ومن وافقهم ومن اتبعهم جماعة، ولو كانوا أقل من غيرهم من المشركين، وأهل الحديث المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله يعتبرون جماعة، فلربما يكون الجماعة والطائفة واحداً، كما قال الإمام البخاري رحمه الله: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾[الحجرات:9], قال: والطائفة قد تصدق على الواحد، فدل هذا على أن الجماعة ما وافق الحق ولو كان قليلاً أو كثيراً، وأن المسلم يجب عليه أن يلزم هذه الجماعة؛ جماعة المسلمين ولا يتفرق، ولا يقلد الكافرين بالتفرق: ﴿وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[الروم:31], ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران:105], ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[الأنعام:159].

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فوالله لو علم المسلمون بفضل منهج السلف، وعرفوا منهج السلف معرفة حقيقيةً لسارعت جميع الشعوب والدول إلى اتباع هذا المنهج الحق، والله لو عرفوا منهج السلف وما فيه من الخير على الفرد والمجتمعات، ووفقهم الله لذالك لكان لهم خير معين على طاعة الله، وخير معين على البعد من الفتن.

إن من أبرز معالم هذا المنهج العظيم -منهج السلف رضوان الله عليهم- هو العناية بتوحيد الله عز وجل الذي خلق الله العباد من أجله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات:56-58], ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل:36], قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء:107], فمنهج السلف رحمة، ومنهج السلف أمانٌ، ومن أبرز هذا المنهج الدعوة إلى الأمن والأمان، والتحذير من القلقلة والفتن، من أبرز معالم هذه الدعوة الحرص على أمر الدنيا والدين، وعلى أمن الدنيا والآخرة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾[فصلت:30], أمان: ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾[فصلت:30-31], فدعوة السلف تدعو إلى الاستقامة التي فيها أمان الدنيا والدين، وإن من لم يكن على ذلك لا أمان له؛ من لا يكون على استقامة لا أمان له، لا في الدنيا من الفتن، ولا في الآخرة على الصراط، ولا عند الميزان ولا عند الحوض، ولا في سائر المواقف، لا يزال في خوف على ما يقدم، وفي ضلال في الدنيا، وفي نكد مهما كان حاله وكثرة ماله.

أيها الناس! إن هذا المنهج من أبرز معالمه العناية بالعلم والتعليم، والإقبال على ذلك والجد فيه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين», فمن أراد الله به خيراً في الأخلاق أو المعاملات أو العقيدة أو غير ذلك مما يتعلق بحياة الإنسان فإنه يقبل على علم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويتفقه في ذلك، وينهل في ذلك ويعمل بذلك، ويعتقد ذلك؛ يعتقد كلاً بحسبه.

وقد أراد الله بذلك خيراً للراعي وللرعية، في البيع، في الشراء، في المعاملات.. في سائر الحياة، من تفقه في دين الله فإن الخير يلازمه، والخير معه بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من أبرز معالم هذه الدعوة العظيمة الدعوة السلفية البعد عن الفتن، فلا انقلابات، ولا ثورات، ولا بدع وخرافات، فإن هذا من الفتن، ولا جشع بعد الدنيا وتهالك عليها وتضحية بالنفوس من أجلها، ولا تفرق واختلاف، فقد أبان الله سبحانه وتعالى أن هذه الدعوة تعتبر رحمة، قال الله: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾[هود:118-119], فالذين تفرقوا واختلفوا من اليهود والنصارى هلكوا، والذين قلدوهم على ذلك هلكوا، وأما أصاحب هذا المنهج الحق فإن الله رحمهم بالاتفاق على هذا المنهج: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾[آل عمران:103], أهل العلم يقولون عند هذه الآية: إن أهل الحق لا يختلفون، لا يحصل بينهم اختلاف تضاد، فترى الذي في المشرق والذي في المغرب، والذي في الجنوب، والذي في الشمال، وسائر أقطار الدنيا من أهل الحق كلهم يأخذون من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم متفقون على ذلك، أما أهل الأهواء فمتفرقون طرائق قدداً وطرق شتى.

إن من أبرز معالم هذه الدعوة السلفية وأوضحها وأجلاها لهو الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتمسك بذلك والحث على ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: «فعليكم بسنتي», وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم», لما اختلفوا على سلفهم من الأنبياء، وعلى سلفهم الصالح هلكوا، فنعيذ المسلمين أن يقلدوا أولئك الكافرين في الاختلاف، وفي الفرقة، وفي الفتنة.

وهكذا يجب على المسلم أن يكون متحرياً للحق، وهذه الدعوة من أبرز معالمها العدل والحق: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾[النحل:90], ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾[الأنعام:152], ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾[الأنبياء:105], سواء كان في الدنيا أو كان أيضاً في الآخرة، فإن المؤمن يعتبر وارثاً لهذه الأرض؛ بإيمانه، بتقواه، بنصحه، بدعوته.. ولو كان فقيراً، هو الوارث لها، أما إنسان يتمتع فيها ويأكل فيها ويشرب فيها، وهو معرض عن دين الله، فإن هذا فقير منها، ولم يستفيد من حياته شيئاً، ولم يدخر لرحلته شيئاً، إلا إذا تاب إلى الله عز وجل.

إن من أبرز معالم هذه الدعوة السلفية المباركة محبة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى ذلك، ومحبة من يدعو إلى ذلك، وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوءٍ فهو على غير السبيل، ويقول الطحاوي رحمه الله: ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً.

الفرقة زيغ وعذاب التي يقع فيها غير أصحاب هذا المنهج الحق.

إن من أبرز معالم هذه الدعوة السلفية العظيمة لهو العناية بما ينفع الناس في دينهم ودنياهم، ومحبة إيصال الخير إليهم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه», «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً», «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

إن من أبرز معالم هذه الدعوة السلفية التناصح وإنكار المنكرات بقدر الاستطاعة: «من رأى منك منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان», «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم».

ونسأل الله التوفيق.