الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ -
الصوتيات

تنبيه المسلم الغيور على أحكام القبور

12-07-2009 | عدد المشاهدات 14302 | عدد التنزيلات 2412

 

تنبيه المسلم الغيور على أحكام القبور
خطبة جمعة:
(18/جمادى الثاني/1427هـ)
(للشيخ المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)
=======================
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))[آل عمران:102]، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))[النساء:1]،((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ))[المؤمنون:12-16].
في هذه الآيات أطوار الإنسان وأن مرده إلى الله سبحانه وتعالى؛ يبعث من قبره، ثم إلى أرض الموقف والمحشر، ثم إلى الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذا وعد الله، الإنسان من هذه التربة خلق وإليها يعاد: ((مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى))[طه:55]، لا مفر لأحد من ذلك، خلق منها ويخرج منها: ((وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ))[يس:51] من الأجداث من القبور: ((قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ))[يس:52]، يجابون بهذا الجواب أن هذا وعد الله، وأن المرسلين أرسلوا بذلك، وبلغوا قومهم ذلك؛ أن كل حي سيموت وأن كل إنسان يقبر وأنه يخرج من قبره: ((يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ))[المعارج:43-44].
كل إنسان مصيره ذلك: ((قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ))[عبس:17-22].
وليس هذا خاصاً بملة دون ملة، ولا أمة دون أمة، من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهذا شأنهم؛ أنهم يحيون ثم يموتون ثم يقبرون: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ))[المائدة:27-31].
دل هذا أن كل ملة هذا أمر مفروض عليها؛ دفن أمواتها، وأن القبور منذ الخليقة إلى يوم النشور، وإذا كان الأمر كذلك وأن الإنسان مقبور وبين منعم مأجور، وبين هالك مثبور، قال الله سبحانه وتعالى: ((وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ))[المؤمنون:100]، فمنهم من يكون عليه ذلك البرزخ وذلك القبر روضة من رياض الجنة، تفتح له نافذة إلى الجنة فيأتيه من طيبها وريحها، ويقول: رب أقم الساعة لأذهب إلى أهلي ومالي، ومنهم من يكون ذلك القبر عليه حفرة من حفر النيران، تفتح له نافذة إلى النار، ويأتيه من سمومها وحميمها، ومنهم من يكون عليه ذلك القبر موسعاً فسيحاً، ويفسح له في قبره مد بصره، ومنهم من يكون عليه ذلك القبر ضيقاً شديداً، فيضيق عليه حتى تختلف أضلاعه، وهذه الدور ثلاثة التي يتنقل فيها الإنسان: دار الدنيا الفانية: ((يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ))[غافر:39]، ودار البرزخ: ((وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ))[المؤمنون:100]، ودار القرار كما تقدم الدليل على ذلك، والشاهد من هذا أنه لابد لكل إنسان من أن يقبر، كل إنسان مصيره إلى القبر، وتلك دار بعد هذه الدار، دار الدنيا ثم النقلة إلى دار أخرى هي دار البرزخ دار القبور، ثم النقل من دار القبور إلى دار القرار إما الجنة وإما النار، كل على حسب ما يستحق، ومما يدل أن القبور ديار أهلها، ما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم إذا أتى أحدهم القبور، أن يقول: {السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية}.
والشاهد من هذا الحديث: إثبات أن القبور ديارهم وأنها لهم وحقهم في ذلك لا يعتدى عليها ولا تنبش ولا تمتهن إلا ما جاء فيه الدليل من نبش قبور الكافرين الذين لا حرمة لهم أحياء ولا أمواتاً، فقد نبش رسول الله صلى الله عليه وسلم قبور المشركين حين وجد خرباً وقبوراً ونخلاً، قطع النخل وأمر بالخرب فسويت، وأمر بقبور المشركين فنبشت، ثم بنى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده، لا حرمة لقبور المشركين، أما قبور المسلمين فلها حرمة في حدود الشرع، ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ليلتها يذهب إلى بقيع الغرقد، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين}، ولاحظ كلمة: دار قوم مؤمنين: {أتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد}، أتاكم ما توعدون غداً وأنتم في منزلكم وفي أماكنكم مؤجلون إلى أن يأتي وعد الله، وإلى أن تقوم الساعة، فتخرجون من هذه الأجداث إلى ذلك الموقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، وإذا كانت ديارهم، فإن من الظلم أن يعتدى عليها كما يحصل في كثير من البلدان، وكما تكثر الاستفسارات في ذلك؛ لشدة ما حصل في هذا الجانب الخطير من المعصية والظلم ظلمات يوم القيامة، سواء كان هذا الظلم للأحياء أو كان هذا الظلم للأموات، فقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الظلم ظلمات يوم القيامة} من حديث جابر في مسلم، ومن حديث ابن عمر متفق عليه.
فمن الظلم نبش قبور المسلمين، وإزاحة قبور المسلمين والبناء عليها، ومن الاعتداء والبغي: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))[يونس:23]، {ما من شيء أجدر أن يعجل الله له العقوبة من الدنيا من البغي وقطيعة الرحم}، ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد بني على قبور المسلمين في كثير من بلاد المسلمين وبالأخص في هذه البلاد بلاد اليمن، فبنيت فيها المدارس، وصنعت فيها الملاعب، وجعلت مواقف للسيارات، وجعلت أندية وأسواقاً، وعبث بها، ولا يجدون لها أي حرمة على حساب فتاوى بعض الضلال الذين أحدهم لم يبرز دليلاً على ما يقول في هذه المسألة، وإنما فكرة عقلانية يدعيها أن الحي أفضل من الميت، وهذا كذب وليس على إطلاقه أن الحي أفضل من الميت، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ميت وهو خير الخليقة وسائر الأنبياء كذلك خير الخليقة الذين ماتوا، والشهداء والصالحون وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البشر بعد أنبياء الله، ومع ذلك يأتي بمثل هذه المقولة المخالفة لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ((هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ))[آل عمران:163]، ((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا))[الأنعام:132]، فكيف يثبت للأحياء أنهم أفضل من الأموات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم}، وقال صلى الله عليه وسلم: {خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي أناس يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن}، وهذا على سبيل فضيلة القرون المفضلة، وهكذا يقول ربنا سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا))[النساء:69]، كل هؤلاء المتأخرون والأحياء أفضل منهم ممن قد ماتوا، أهذه آية من عند الله أم هذا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ تحت ستاره تمتهن قبور المسلمين، وتصير لا قيمة لها تداس بالسيارات وتداس بالحمير وتداس بالأقدام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: {لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يطأ على قبر}، وثبت عند أبي داود من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لأن أمشي على سيف أو على جمرة أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم، وما أبالي قضيت حاجتي في وسط السوق أو في المقبرة}، هؤلاء يتخذونها عبارة عن حمامات يقضون فيها حاجاتهم وعبارة عن مرعى للمواشي، وعبارة عن ملاعب، وغير ذلك مما قد علم حاله، ولقد عاقب الله كثيراً من الناس بسبب سكناهم على قبور المسلمين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً}، نهى رسول الله عن اتخاذها قبوراً، وأن يبنى عليها، سواء كان هذا البناء مساجد أو غير مساجد، نهى أن تجصص أو يبنى عليها أو يكتب عليها؛ كل ذلك منهي عنه شرعاً؛ لأنه ذريعة إلى الشرك بالله سبحانه وتعالى: ((وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا))[نوح:23-24]، فقوم نوح كان سبب شركهم أنهم لما مات صالحوهم بعد حين بنوا على قبورهم، فجاء أناس لا يحسنون ولا يفقهون فعبدوهم من دون الله سبحانه وتعالى، لذا من أحكام القبور ألا يبنى عليها، وألا تتخذ أوثاناً، مع أنها لا تمتهن، ففي الجانب الآخر أيضاً لا تقدس، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: {أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بالحبشة وما فيها من الصور، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن أولئك إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله}، شرار الخلق يعظمون القبور تعظيماً زائداً، ويفرطون فيها ويغلون فيها، ويتخذونها أوثاناً ومعابد ومقدساً من دون الله سبحانه وتعالى، وفسقة الخلق وعصاة الخلق يكونون في الطرف الآخر فيدوسونها ويمتهنوها ويحتقرونها، وصلحاء الأمة يجتنبون هذا وهذا، فلا إفراط ولا تفريط، كل شيء له قدر وميزان.
ومن ذلك ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: {أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل به الموت أخذ خرقة فجعل يضعها على وجهه فإذا اغتم كشفها، وهو يقول: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا، قالت أم المؤمنين: ولولا ذلك لأبرز قبره}؛ سداً لذريعة أن يتخذ وثناً، وقد كان قبر دانيال عليه السلام بارزاً فعماه الصحابة رضوان الله عليهم حتى لا يتخذ وثناً، وهكذا قاعدة وأمر مهم سد ذرائع الشركيات.
وروى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك}، دل هذا أن اتخاذ القبور مساجد صنيع اليهود والنصارى وأنه تشبه بهم، وكل من صنع ذلك من المسلمين فهو متشبه في ذلك بالكافرين علم أو جهل عرف أو لم يعرف، ودل ذلك على أن هذا فعل شرار الخلق، ودل ذلك أن هذا منهي نبوي عن هذا الفعل: {فإني أنهاكم عن ذلك}، وثبت عند أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن من شرار الخلق من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد}، فلا إفراط في هذا الدين ولا تفريط، وربنا سبحانه يقول: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا))[البقرة:143]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {والوسط العدل الخيار} هكذا في الصحيح، فالعدل إقامة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإقامة الحق، فمن العدل والإنصاف في القبور ألا يكون هناك فيها تفريط ولا إفراط ولا دعاؤهم من دون الله، قال الله سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ))[المؤمنون:117]، ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ))[الأعراف:55-56]، ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ))[الأحقاف:5].
ومن أحكام القبور التي فرط فيها كثير من الناس وفي تعلمها وتعلم أحكامها ألا يصلى في المقبرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه من حديث أبي سعيد أنه قال: {أذنت الصلاة في سائر الأرض إلا المقبرة والحمام}.. الحديث، دل هذا أن الصلاة في المقبرة غير مأذون فيها إلا فيما خص بدليل، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: {أنه سأل عن امرأة سوداء كانت تقم المسجد فأخبروه أنها ماتت، فقال: ألا آذنتموني؟ ثم انطلق فصلى على قبرها}، وبما أن الإنسان قد صلى عليها فلا ينبغي أن يصلي على القبور إذا صلى عليها خارج المقبرة.
ومن أحكام القبور ما ثبت عن بشير بن الخصاصية رضي الله عنه: {أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسماه بشيراً، قال: فبينما أنا أمشي معه، إذ مر بقبور المشركين، فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً -أي: ما حصلوا على خير- ونظر إلى قبور المسلمين، فقال: لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيراً، ثم حانت منه لفتة إلى رجل يمشي بنعليه بين القبور، فقال: يا صاحب السبتيتين ويحك الق سبتيتك، قال: فنظر فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقها}، الرجل نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقاها، استجابة سريعة.
هذا من الأمور المنهي عنها، ومن امتهان القبور الذي هو حاصل بين الناس المشي في القبور لا يشكل على ذلك حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {فإذا انصرفوا عنه إنه ليسمع قرع نعالهم}، فإن هذا لا يلزم منه أن يمشي بها بين القبور، وإنما حاصله أن الميت في ذلك الحين بخصوصه أو فيمن أسمعهم الله توبيخاً لهم كأهل قليب بدر في ذلك الحين بخصوصه يسمع قرع نعالهم، وسواء كانوا من على الطريق أو بعيدين عن المقبرة شيئاً ما، أما المشي بينها فلا يراد به الأدلة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فمن أحكام هذه القبور أن يستغفر لأصحابها من المؤمنين: ((وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ))[محمد:19]، وثبت عن عثمان رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دفن ميتاً قال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت}، والله سبحانه وتعالى يقول لنبيه في شأن المنافقين: ((وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ))[التوبة:84]، قال بعض أهل التفسير: ((وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)) أي: في تلك الحدود تلك الكلمات وذلك الدعاء أن يقول: اللهم اغفر له وثبته ثم ينصرف، وأما ما جاء عن أبي أمامة الباهلي في أنه يقعد على قبره ويقال: يا عبد يا ابن عبديه! إذا جاءك الملكان، فقل: الله ربي والإسلام ديني ومحمد رسولي والكعبة قبلتي.. إلى آخر ذلك الكلام في ذلك الحديث، فإنه حديث منكر أنكره الإمام أحمد وساق إنكار ابن القيم والصنعاني في سبل السلام.. وغير هؤلاء من الأئمة، فالحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أحكام هذه القبور ألا يغرس عليها الأشجار كما يفعل بعض الناس هداهم الله، فإن هذه من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذ مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة فشقها وغرسها، قال: إنه ليخفف عنهما ما لم ييبسا}، وهذا دليل على الخصوصية، فليس أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ويعلم ما في القبور، ففي ذلك الحين أعلمه الله عز وجل، بل وفي غير ذلك لا يعلم هو ولا غيره: {إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك}، ((وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ))[فاطر:22]، ((فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ))[الروم:52].
أوحى الله إليه أنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أي: فعله، ألا بعض التأويلات لأهل العلم: {وما يعذبان في كبير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى إنه لكبير}، الشاهد من ذلك لا أحد يستطيع أن يحكم أن صاحب هذا القبر يعذب؛ لأنه ما أوحي إليه بذلك، ولا أحد يستطيع أن يعلم أن هذا يخفف عنه بذلك.
فحاصل ذلك أن هذه من الخصوصية، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجعل على القبر حجراً للرجل وحجرين للمرأة أو العكس من ذلك، فقد جاء ذلك، ولكنه حديث ضعيف، أن النبي صلى الله عليه وسلم {أخذ حجراً، وقال: لأتعالم به قبر أخي، فوضعه عليه حين مات حمزة رضي الله عنه}، ولم يثبت في هذا شأن النبي صلى الله عليه وسلم، ففعل ذلك محدث.
ومن أحكام القبور أن تكون مسلمة على الصحيح، لما ثبت عن سفيان التمار في الصحيح وهو صحيح عند ابن أبي شيبة أيضاً أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسنماً، وهذا أفضل من حيث أن الماء يتزلق عنه هكذا وهكذا، فلو كان مسطحاً لركد عليه الماء، ولنزل عليه ولحصل ضرر على الميت.
ومن أحكام القبور أن تكون متجهة إلى القبر؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن القبلة: {قبلتكم أحياء وأمواتاً}، وهذا من شعار المسلمين، صار شعاراً للمسلمين اتجاه أهل القبور.
أيها الناس! إن الإنسان في غفلة عما يقدم عليه في دار أخرى، وفي مسكن آخر، وفي دور من الطين تأكل جسمه الديدان وتتقطع أشلاؤه وتتمزق أوصاله في ذلك الدار، الذي هو دار أحكامه تختلف عن هذه الأحكام وحياته تختلف عن هذه الحياة، فشأنه عظيم والله، وكل تلك الدار امتدادها من هذا الدار من خير أو شر: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه))[الزلزلة:7-8]، ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ))[التكاثر:1-3].. الآيات، قال ابن كثير عند هذه الآية: زرتم المقابر أي: حتى متم وصرتم من أهل المقابر، واستدل بحديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم: { أتى رجلاً يعوده، فقال: لا بأس عليك طهور طهور، قال: طهور! بل حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور}.
ومن أحكام هذه المقابر أنها تذكر الآخرة، فأنت اليوم على ظهر الدنيا وغداً من سائر تلك الدار، أنت اليوم من أهل هذه الدار، وغداً أو بعد ساعة أو دقائق أو يوم أو شهر أو سنة أو أكثر أو أقل من أصحاب ذلك الدار، قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه عند الإمام مسلم : {زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة}.
ومن أحكام هذه المقابر ألا يسرج عليها فإن ذلك من شأن الجاهلية ومن شأن المجوس: {نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسرج على القبور}؛ لأنه تشبه بالكافرين وذريعة إلى عبادة غير رب العالمين، أي: ما ثبت عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {أنهم رأوا سراجاً في المقبرة فأتوا إلى المقبرة وإذا النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يقول للحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه}، فهذا اتخاذ سراج للحاجة، يجوز دفن في الليل ولا يتأتى ذلك إلا بأخذ السراج، إنما المنهي عنه أن تجعل السرج عندها كما يفعل المشركون.
ومن أحكام هذه المقابر تعمقيها وتوسيعها، فقد {أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحافر أن يوسع القبر وأن يحفر وأن يعمق}.
ومن أحكامها أيضاً أنه إذا حصل فيها ذلك الإعماق لا بأس أن يدفن عند الحاجة الاثنان والثلاثة أو الأكثر، ويقدم في القبر أكثرهم قرآناً، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم تشريف له أن يوضع على الأرض مباشرة الحافظ والأكثر قرآناً، ثم يوضع فوقه من هو دونه ومن هو دونه وهكذا..
هذه بعض أحكام القبور وأهمها لدينا أن يلتفت وينتبه من ولاة الأمور ومن كل غيور إلى ما يحصل للقبور من الوطء والامتهان أو من الغلو والشرك بها ودعائها من غير الله سبحانه وتعالى.
وبالله التوفيق.
تتمة لهذا الموضوع:
الشيخ: فائدة وتتمة: حول ما يتعلق بالقبور من كتاب نفيس للإمام الشوكاني يسمى شرح الصدور في تحريم رفع القبور:
الملقي: بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشوكاني رحمه الله في كتابه شرح الصدور في تحريم رفع القبور.
[ وفي صحيح مسلم وغيره عن أبى الهياج الأسدي قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته} ].
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)، هو من باب قول الله سبحانه وتعالى: ((فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا))[الشمس:14-15]، أي: أن الله أهلكهم ودمر عليهم مساكنهم وبنيانهم، وليس من باب التسوية والترميم كما يقال والإشادة، فهذا فهم خاطئ خلاف ما دل عليه القرآن وما دلت عليه السنة، وخلاف فهم السلف رضوان الله عليهم.
الملقي: [ وفي صحيح مسلم أيضاً عن ثمامة نحو ذلك.
وفي هذا أعظم دلالة على أن تسوية كل قبر مشرف بحيث يرتفع زيادة على القدر المشروع واجبة متحتمة.
فمن إشراف القبور أن يرفع سمكها أو يجعل عليها القباب أو المساجد، فإن ذلك من النهي عنه بلا شك ولا شبهة، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لهدمها أمير المؤمنين علياً، ثم أمير المؤمنين بعث لهدمها أبا الهياج الأسدي في أيام خلافته ].
الشيخ: وبعث جرير بن عبد الله وقومه إلى قبة يقال لها الكعبة اليمانية، كانت تعبد من دون الله، أمره بهدمها، فما رجعوا حتى جعلوا كالجمل الأجرب، هدمهما جرير وأصحابه فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي تفسير قول الله عز وجل: ((أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى))[النجم:19-21]، قالوا: اللات كانت آلهة، وقيل: كان قبر عند صخرة، وكان بعض الناس يمرون بذلك الموضع ويلتون السويق عند ذلك الموضع ويقدمونه قربات، فأخبر الله سبحانه وتعالى أن هذا اشتقاق من أسماء الله، وأن هذا إلحاد وأن هذا الفعل شركي، في الآية الأخرى: ((قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ))[الشعراء:75]، ((أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى))[النجم:19-22] ].
الملقي: [ وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان من حديث جابر قال: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يوطأ} ].
الشيخ: تجصيص القبور خلاف السنة فهذا الفعل محرم؛ لأن فيه نوع تعظيم لتجصيصها، والبناء عليها سواء كان هذا البناء من الطين أو كان من الحجر أو كان من غير ذلك محرم لما دل عليه هذا الدليل، والكتابة عليها محرمة ولو كان الحديث فيه كلام؛ وذلك لأن هذا لم يكن موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أصحابه، وإنما كان من الدولة العباسية من بعض المبتدعة قاموا بهذا الشأن كما هو مبين في كتابنا جامع الأدلة والترجيحات.
مداخلة: لفظ (أن يوطأ) خارج مسلم.
الشيخ: نعم.
الملقي: [ وزاد هؤلاء المخرجون لهذا الحديث عن مسلم: {وأن يكتب عليه}. قال الحاكم: النهى عن الكتابة على شرط مسلم، وهي صحيحة غريبة.
وفي هذا التصريح بالنهى عن البناء على القبور، وهو يصدق على ما بني على جوانب حفرة القبر، كما يفعله كثير من الناس من رفع قبور الموتى ذراعاً فما فوقه؛ لأنه لا يمكن أن يجعل نفس القبر مسجداً، فذلك مما يدل على أن المراد بعض ما يقربه مما يتصل به ].
الشيخ: وهذا تنبيه مهم، فبعضهم يقول: القبر خارج المسجد، لكن المسجد مؤسس على حافة القبر، بحيث أن بعض القبر داخل المسجد ولو كان شيئاً يسيراً، وأكثره خارج المسجد، وفي مثل هذا معناه أن المسجد مني على قبر وأن الصلاة فيه لا تصح ولو لم يكن كل القبر داخل المسجد لعموم الأدلة في ذلك: {لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، وفي الحديث الآخر: {ألا فلا تتخذوا المساجد فإني أنهاكم عن ذلك}، وليس في هذه الأدلة أنه لا تتخذوا القبور مساجد أي: لا تصلوا إليها أو لا تقفوا عليها للعموم، فإنه لا يجتمع قبر ومسجد في دين الله عز وجل، قال الإمام أحمد الحكم للأول، فإن كان القبر هو الأول هدم المسجد -ولو كلف أبلغ التكاليف يهدم-، وإن كان المسجد هو الأول أخرج القبر من المسجد.
الملقي: [ ويصدق على من بنى قريباً من جوانب القبر كذلك، كما في القباب والمساجد والمشاهد الكبيرة، على وجه يكون القبر في وسطها أو في جانب منها، فإن هذا بناء على القبر، لا يخفى ذلك على من له أدنى فهم، كما يقال: بنى السلطان على مدينة كذا، أو على قرية كذا سوراً، وكما يقال: بنى فلان في المكان الفلاني مسجداً، مع أن سمك البناء لم يباشر إلا جوانب المدينة أو القرية أو المكان، ولا فرق بين أن تكون تلك الجوانب التي وقع وضع البناء عليها قريبة من الوسط، كما في المدينة الصغيرة والقرية الصغيرة والمكان الضيق، أو بعيدة في الوسط كما في المدينة الكبيرة والقرية الكبيرة والمكان الواسع، ومن زعم أن في لغة العرب ما يمنع من هذا الإطلاق فهو جاهل لا يعرف لغة العرب، ولا يفهم لسانها ولا يدري بما استعملته في كلامها.
وإذا تقرر لك هذا علمت أن رفع القبور ووضع القباب والمساجد والمشاهد عليها قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله تارة، -كما تقدم- وتارة قال: {اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد}، فدعا عليهم بأن يشتد غضب الله عليهم بما فعلوه من هذه المعصية؛ وذلك ثابت في الصحيح ].
الشيخ: يعني في الصحيح ليس في أحد الصحيحين، ولكنه في الحديث الصحيح ثابت. نعم.
الملقي: [ وتارة نهى عن ذلك وتارة بعث من يهدمه، وتارة جعله من فعل اليهود والنصارى، وتارة قال: {لا تتخذوا قبري وثناً}، وتارة قال: {لا تتخذوا قبري عيداً} أي: موسماً يجتمعون فيه، كما صار يفعله كثير من عباد القبور؛ يجعلون لمن يعتقدون من الأموات أوقاتاً معلومة يجتمعون فيها عند قبورهم، ينسكون لها المناسك، ويعكفون عليها، كما يعرف ذلك كل أحد من الناس من أفعال هؤلاء المخذولين، الذين تركوا عبادة الله الذي خلقهم ورزقهم ثم يميتهم ويحييهم، وعبدوا عبداً من عباد الله، صار تحت أطباق الثرى، لا يقدر على أن يجلب لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، كم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله أن يقول: ((لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا))[الأعراف:188].
فانظر كيف قال سيد البشر وصفوة الله من خلقه بأمر ربه إنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، وكذلك قال فيما صح عنه: {يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً} ].
الشيخ: وأشد الناس وقوعاً في هذه الجرائم؛ جرائم الشركيات وتقديس القبور والأموات هم الصوفية والرافضة قل أن تجد مسجداً من مساجد الصوفية يخلو من هذه الوثنيات وبنيات المساجد على القبور وكذا مساجد الشيعة.
الملقي: [ فإذا كان هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه وفي أخص قرابته به وأحبهم إليه، فما ظنك بسائر الأموات الذين لم يكونوا أنبياء معصومين ولا رسلاً مرسلين، بل غاية ما عند أحدهم أنه فرد من أفراد هذه الأمة المحمدية، وواحد من أهل هذه الملة الإسلامية، فهو أعجز وأعجز أن ينفع أو يدفع عنها ضرراً.
وكيف لا يعجز عن شيء قد عجز عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر به أمته كما أخبر الله عنه، وأمره بأن يقول للناس: بأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، وأنه لا يغني عن أخص قرابته من الله شيئا، فيا عجباً! كيف يطمع من له أدنى نصيب من علم، أو أقل حفظ من عرفان أن ينفعه أو يضره فرد من أفراد أمة هذا النبي الذي يقول عن نفسه هذه المقالة! والحال أنه فرد من التابعين له المقتدين بشرعه.
فهل سمعت أذناك -أرشدك الله- بضلال عقل أكبر من هذا الضلال الذي وقع في عباد أهل القبور؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أوضحنا هذا أبلغ إيضاح في رسالتنا التي سميناها: الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد، وهي موجودة بأيدي الناس، فلاشك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور، ووضع الستور عليها، وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينتها، وتحسينها بأكمل تحسن، فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج المتلألئة، وقد سطعت حوله مجامر الطيب، فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيماً لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة؟ ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكائد الشيطان للمسلمين، وأشد وسائله إلى ضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً، حتى يطلب من صاحب ذلك القبر ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه، فيصير في عداد المشركين].
الشيخ: وهذا أمر شيطاني مدبر، قال الله سبحانه وتعالى: ((إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))[آل عمران:175]، فربما يجعل في قلب ذلك العامي أو ذلك المشرك من الرعب مما في ذلك القبر والتعظيم له من دون الله سبحانه أو مع الله ما يجعله يدعوه أو يرجوه أو يخافه أو ما إلى ذلك من العقائد الشركية؛ كل ذلك من تزيين الشيطان، فالواجب البعد عن ذلك.
الملقي: [ وقد يحصل له هذا الشرك بأول رؤية لذلك القبر الذي صار على تلك الصفة، وعند أول زورة له إذ لابد أن يخطر بباله أن هذه العناية البالغة من الأحياء بمثل هذا الميت لا تكون إلا لفائدة يرجونها منه، إما دنيوية أو أخروية، فيستصغر نفسه بالنسبة إلى من يراه من أشباه العلماء زائراً لذلك القبر، وعاكفاً عليه ومتمسحاً بأركانه].
الشيخ: فيه أن من كان منتسباً إلى العلم ضرره أكثر من الجهال على الناس، فإذا رأى الجهال وأشباه الجهال ذلك الذي ينتسب إلى العلم ويفعل تلك الأفاعيل في القبور؛ إما بالتمسح أو الدعاء يكون تغريراً بهم بليغاً ولو لم يأمرهم بذلك، وأن الدعوة تكون فعلية وقولية، فهو إذا لم يأمره يقلده عوام وطغام فيقعون في الضلال كما وقعوا وكما قيل:
إن الفقيه إذا غوى وأطاعه

 
قوم غووا معه فضاع وضيعا

مثل السفينة إذا هوت في لجة

 
تغرق ويغرق كل من فيها معا

الملقي: [ وقد يجعل الشيطان طائفة من إخوانه من بني آدم يقفون على ذلك القبر، يخادعون من يأتي إليه من الزائرين، يهولون عليهم الأمر، ويصنعون أموراً من أنفسهم ].
الشيخ: حصل في جامع الهادي وهذا مشهود به من أيام ومن ثقات: أن بعض الناس يأتي يصلي، ثم يمر على القبر ويشم ريحاً من ريح المسك، فيقول: ما هذا الريح؟ فيأتي بعض هؤلاء الذين ذكرهم الشوكاني رحمه الله، فيقول: هذا يثغب دماً من رجل الهادي من ذلك اليوم وهو لا يزال يصب دماً مثل المسك، يعني: منذ أعداد السنين ومئات السنين، وما زال جرحه يصب دماً، وذلك الدم يتغير إلى المسك! والواقع أن هؤلاء الجهلة وهؤلاء المشعوذين وهؤلاء الذين في ذلك المسجد يذهبون يلوكون التراب هناك ويصبون عليه بشيء من المسك حتى يغرروا بالجهال، وبعض الدعاة ذهب إلى ابن علوان، وكانوا وضعوا في بداية خروج المسجلات والراديو شريطاً يتكلم بين الحين والآخر يأتي هذا ويدق على ظهر القبر التابوت وثم يقول: ماذا تريد؟ فيقول: أريد كذا وكذا! وهو يكرر، ماذا تريد استجيب لك، سمع دعاؤك، وهكذا وهو كلام مسجل كما ذكر الشوكاني رحمه الله.
الملقي: [ وينسبونها إلى الميت على وجه لا يفطن له من كان من المغفلين، وقد يصنعون أكاذيب مشتملة على أشياء يسمونها كرامات لذلك الميت، ويبثونها في الناس، ويكررون ذكرها في مجالسهم، وعند اجتماعهم بالناس، فتشيع وتستفيض، ويتلقاها من يحسن الظن بالأموات، ويقبل عقله ما يروى عنهم من الأكاذيب، فيرويها كما سمعها، ويتحدث بها في مجالسه، فيقع الجهال في بلية عظيمة من الاعتقاد الشركي، وينذرون على ذلك الميت بكرائم أموالهم، ويحبسون على قبره من أملاكهم ما هو أحبها إلى قلوبهم، لاعتقادهم أنهم ينالون بجاه ذلك الميت خيراً عظيماً وأجراً كبيراً، ويعتقدون أن ذلك قربة عظيمة وطاعة نافعة وحسنة متقبلة، فيحصل بذلك مقصود أولئك الذين جعلهم الشيطان من إخوانه من بني آدم على ذلك القبر.
فإنهم إنما فعلوا تلك الأفاعيل وهولوا على الناس بتلك التهاويل، وكذبوا تلك الأكاذيب، لينالوا جانباً من الحطام من أموال الطغام الأغتام، وبهذه الذريعة الملعونة، والوسيلة الإبليسية تكاثرت الأوقاف على القبور، وبلغت مبلغاً عظيماً، حتى بلغت غلات ما يوقف على المشهورين منهم ما لو اجتمعت أوقافه لبلغ ما يقتاته أهل قرية كبيرة من قرى المسلمين ].
الشيخ: وهذه الأوقاف باطلة؛ لأن ما أوقف للقبور أو لمحرم من المحرمات لا يصح، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له}، وهي لا تكون جارية وواصلة إلى صاحبها إلا إذا كانت على طريق شرعي، وهكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} من حديث عائشة رضي الله عنها، في الرواية الأخرى: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}، وهكذا: {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً}، وهذا الفعل ما هو طيب، هذا بطال محرم، فكل الأوقاف على القبور ولإشادة القبور أو البناء القباب عليها أو ما إلى ذلك من الأوقاف المحرمة باطلة يجب أن تعاد إلى الورثة أو إن كان الورثة قد زالوا ولا يعلم منهم أحد كأن تكون من مئات السنين لا يعرف لهم آثار ولا ورثة تعاد إلى بيت المال ويجعلونها في مصالح المسلمين العامة.
الملقي: [ ولو بيعت تلك الحبائس الباطلة لأغنى الله بها ].
الشيخ: وهذا كلام الشوكاني: الحبائس الباطلة يعني: أن هذا الوقف باطل من أصله.
الملقي: [ لأغنى الله بها طائفة عظيمة من الفقراء، وكلها من النذر في معصية الله، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا نذر في معصية الله}، وهى أيضاً من النذر الذي لا يبتغي به وجه الله ].
الشيخ: اجتمع في هذا الوقف على أنه نذر معصية، واجتمع فيه عدم الإخلاص: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، فمناه: أنه لا يقبل هذا شرك.
الملقي: [ وقد قال صلى الله عليه وسلم: {النذر ما ابتغي به وجه الله}، بل كلها من النذور التي يستحق بها فاعلها غضب الله وسخطه؛ لأنها تفضي بصاحبها إلى ما يفضي به اعتقاد الإلهية في الأموات مِن تزلزل قدم الدين؛ إذ لا يسمح بأحب أمواله وألصقها بقلبه إلا وقد زرع الشيطان في قلبه من محبة وتعظيم وتقديس ذلك القبر وصاحبه والمغالاة في الاعتقاد فيه ما لا يعود به إلى الإسلام سالماً. نعوذ بالله من الخذلان.
ولاشك أن غالب هؤلاء المغرورين المخدوعين لو طلب منهم طالب أن ينذر بذلك الذي نذر به لقبر ميت على ما هو طاعة من الطاعات وقربة من القربات لم يفعل، ولا كاد.
فانظر إلى أين بلغ تلاعب الشيطان بهؤلاء، وكيف رمى بهم هوة بعيدة القعر، مظلمة الجوانب، فهذه مفسدة من مفاسد رفع القبور وتشييدها، وزخرفتها وتجصيصها.
ومن المفاسد البالغة إلى حد يرمى بصاحبه إلى وراء حائط الإسلام، ويلقيه على أم رأسه من أعلى مكان من الدين: أن كثيراً منهم يأتي بأحسن ما يملكه من الأنعام، وأجود ما يحوزه من المواشي فينحره عند ذلك القبر، متقرباً به إليه ].
الشيخ: وهذا شرك، وانظر ماذا يقول الشوكاني أنه يبعد صاحبه إلى حائط بعيد عن الإسلام أو نحو ذلك.
فالشاهد من ذلك أن هذا شرك أكبر، قال الله عز وجل: ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ))[الكوثر:1-3]، وقال: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ))[الأنعام:162-163]، فمن ذبح لغير الله ملعون؛ لما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لعن الله من ذبح لغير الله}، ومع أنه ملعون أيضاً مشرك واقع في شرك أكبر والله المستعان، هذا حاصل عند المسلمين، وأشد من يقع في ذلك الصوفية والشيعة ومن اغتر بهم.
الملقي: [ يأتي بأحسن ما يملكه من الأنعام وأجود ما يحوزه من المواشي فينحره عند ذلك القبر متقرباً إليه راجياً ما يضمر حصوله له منه، فيهل به لغير الله، ويتعبد به لوثن من الأوثان، إذ أنه لا فرق بين النحائر لأحجار منصوبة يسمونها وثناً، وبين قبر لميت يسمونه قبراً ].
الشيخ: انظر لا فرق بين من يذبح على قبر، وبين من يذبح لوثن من الأوثان حجر من الأحجار صنم، فشرك هؤلاء هو نفسه شرك مشركي قريش، قد كان أحدهم يأتي بالزبد واللبن.. وما إلى ذلك ويضعه عند القبر، فيذهب ولا يجرؤ أحد أن يتناول ذلك الزبد ولا ذلك الموضوع عند القبر كائناً ما كان، ويمر الكلب ويأكل ذلك الزبد ويشرب ذلك اللبن ويبول على الصنم، وهذا ثابت في مقدمة سنن الدارمي كما ستراه بالسند الصحيح، وكان هذا من أسباب إسلام بعض الصحابة رضوان الله عليهم، أما تلك القصة أو الأبيات فالذي أعرف أن فيها ضعفاً:
أرب يبول الثعلبان برأسه    قد ضل من بالت عليه الثعالب
ففيها ضعفاً وتراجع.
الملقي: [ ومجرد الاختلاف في التسمية لا يغني من الحق شيئاً، ولا يؤثر تحليلاً ولا تحريماً ].
الشيخ: يعني: سواء سموه قبراً أو ولياً أو سموه ما سموه فهو وثن، يعبدون وثناً: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد}، وتغيير الأسماء من لفظ إلى آخر لا يغير معانيها، الخمر سماه بعض الناس: مشروباً روحياً، هل معناه أنه ما يحد صاحبه ولا يعاقب ولا يذنب ولا يكون مرتكباً لكبيرة إذا شربها بسبب تغيير ذلك اللفظ؟ لا أبداً، هكذا أيضاً المكارمة لهم عدة أسماء في بلد يسمون أنفسهم نخاولة: عبارة عن عمال في النخل في المدينة، وفي الهند يسمون أنفسهم بهرة عبارة عن عمال في البهارات تجار في البهارات، هل هذا يغير من كفرهم شيئاً؟ العقيدة هي العقيدة، فالتسميات لا تغير من معانيها. نعم.
الملقي: [ فإن من أطلق على الخمر غير اسمها وشربها، كان حكمه حكم من شربها وهو يسميها باسمها، بلا خلاف بين المسلمين أجمعين ].
الشيخ: هو ما أظنه هو الذي فعل ذلك إنما فعله الجهال وذمته بريئة هو أو غيره، فربما يأتون لهم بقبر يسمونه قبر نبي والله ما هناك نبي نعلمه مقبوراً في اليمن، ولا نعلم تعيين قبر نبي من الأنبياء غير قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما عدى ذلك من الأنبياء لا يعلم تعيين قبره بدليل صحيح، ومع ذلك هذا يسميه قبر هود، وذاك يسمه قبر النبي كذا، دعايات أقوال ما عليها براهين.
فائدة تتعلق بموضوع القبور والبناء عليها: قد رأينا مقبرة في مصر كبيرة جداً بالقرب من مشيخة الأزهر أو دار الإفتاء، هذه المقبرة رأيناها كلها بيوت من طابق ومن طابقين، ثم سألنا سائق سيارة، وقال: إنهم يبنون البيت ويجعلون القبور داخل بعض الغرف، ويسكنون في البيت، علماً أن البيوت بالمئات -يعني: كثيرة- والإخوان الذين كانوا معي قد شاهدوا ذلك.
الصلاة على قبر باطلة سواء كان في البيت أو في المسجد، لما تقدم من الأدلة: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً}، ولحديث عائشة الذي ذكر وغير ذلك فالصلاة باطلة، ثم أين إنكارهم للمنكر؟ أين مفتوهم أين دعاتهم؟ ما هم عند هذا، الصوفية والأشاعرة قليلو الغيرة، بل والرافضة وسائر أهل الباطل قليلو الغيرة إن لم يكن أحدهم قد عدمت غيرته على التوحيد، وعندهم غيرة على الدنيا يتهالكون، لو رأيت قبل أيام كيف يتشاجر أصحاب الأزهر والقرضاوي مع عمرو خالد من أجل المحاورة، ليطب أحدكم بها نفساً: إنها تدنس عند أقدام اليهود والنصارى، سواء تدنس بذلك القرضاوي أو تدنس بها بعض المفتين هناك أو عمرو خالد، كلكم تعتبرون بذلك أهنتم أنفسكم وأهنتم ما تحملونه من الدين إن بقي عندكم من ذلك شيء.
 
السؤال: وقد سأل أحد الإخوان عن حديث قال: {وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ترك نعي الميت، بل كان ينهى عنه، ويقول: هو من عمل الجاهلية}؟
الجواب: قد كره حذيفة أن يعلم به الناس إذا مات، وقال: أخاف أن يكون من النعي، وكان من هديه أن أهل الميت لا يتكلفون الطعام إلى آخره؟
 
السؤال: وآخر يقول: مسجد في آخره قبر لا يصلى إليه، لكنه داخل المسجد ما حكم الصلاة في هذا المسجد؟
الجواب: باطلة لما سمعت من الأدلة، فلا نحتاج إلى تكرارها.
 
السؤال: وآخر يقول: عندنا مقبرة كل نباتها شوك حيث يستحيل دخولها بدون نعال، فهل يجوز في هذه الحالة الدخول إليها بالنعال؟
الجواب: يزال الشوك وما كان يتضرر منه المارون في طريق من الطرق من الطرق ثم يمر منها، فلا يمر بالنعال بين القبور، وليست محصورة بالسبتية التي هي من الجلد، بل سواء كان من البلاستيك، أو كانت نعالاً أو خفافاً أو ما إلى ذلك، إنما لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشيء حذر منه وغيره مثله مما هو في معناه.
 
السؤال: قال: ما حكم من يدخل المقبرة ويبصق الشمة أو القات بجانب القبور أو عليها؟
الجواب: المنهي عنه هو قضاء الحاجة في وسطها؛ لحديث عقبة بن عامر، وإذا تعمد البصاق على قبر لقصد الامتهان حرم عليه ذلك، أما إن لم يكن هناك عمداً إنما بصق لغير تعمد، فإن البصاق ليس بنجس.
 
السؤال: قال: إذا كانت القبور لا يعلم حال أصحابها خاصة من كان قاطع صلاة، هل يقال: السلام عليكم.. إلى آخره، الحديث؟
الجواب: الأصل في قبور المسلمين الإسلام، ولا يخرج عن ذلك إلا ببرهان فيسلم عليهم، وفي الحديث: {السلام عليكم دار قوم مؤمنين}، ومن لم يكن من المؤمنين لا يشمله السلام، وفي الحديث الآخر: {السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين}، فهو مخصص، صار السلام على من كان فيه تلك الصفات.
 
السؤال: إذا كانت هناك بقية أرض من المقبرة، هل يجوز زرع هذه الأرض بين القبور، وما عدى ذلك؟
الجواب: إن كانت مقبرة موقوفة ما يجوز الاعتداء على الوقف: ((فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ))[البقرة:181]، وإن كان هو الذي أوقف تلك القطعة وأبقى قطعة يزرعها بما لا قبور هناك، ومتأكد أنه ما يزرع على القبور فلا بأس بذلك، أما أن يزرع فوق القبور، فهذا مع الامتهان الحاصل أيضاً ففعله اعتداء أيضاً، وهو آثم على ما تقدم.
مداخلة:............
الشيخ: لم يقبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد، ثبت: {أنه ما نبي إلا ويقبر حيث مات} قال هذا أبو بكر رضي الله عنه وثبت عنه ذلك وكان الحجة والحكم في هذه المسألة ما نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته دفن في بيته، ثم أتى بعض الأمويين ووسع المسجد حتى جعله مستوعاً لبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار هذا التصرف من تصرفات بعض الأمراء الخاطئة، فلا يستدل بخطأ على خطأ، وقد بين هذا شيخنا رحمه الله في رسالة وهي ضمن رياض الجنة، في أواخره، فاقرأ بحث نفيس.