السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ -
الصوتيات

إرشاد الصديق إلى معرفة أهم أحكام وآداب الطريق

13-04-2011 | عدد المشاهدات 6805 | عدد التنزيلات 1396

 

 
إِرْشَادُ الصَّدِيقِ
إِلىَ مَعْرِفَةِ أَهَمِّ أَحْكَامِ وَآدَابِ الطَّرِيقِ
 
عبارة عن خطبة جمعة
لفضيلة شيخنا أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
-حفظه الله تعالى-
 
ألقيت في 24 رجب 1430 هـ


الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له،  وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:71].
أمّا بعد:
 
روى الشيخان في صحيحيهما عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما  إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم، قَالَ: «مَنْ الْقَوْمُ» أَوْ «مَنْ الْوَفْدُ»، قَالُوا: (رَبِيعَةُ)، قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ» أَوْ «بِالْوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى»، فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلاّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ. وَسَأَلُوهُ عَنْ الأشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بالإيمان بِاللهِ وَحْدَهُ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الإيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ ؟» قَالُوا: (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ)، قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاة، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ». وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ «عَنْ الْحَنْتَمِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ»، وَرُبَّمَا قَالَ: «الْمُقَيَّرِ»، وَقَالَ: «احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ». الحديث.
هذا الحديث العظيم لفت انتباهنا إلى ما يتعلق بأمن الطريق وأهمية ذلك: وأنَّ الطريق إنْ لم تُؤمّن يحصل من وراء ذلك أضرار كثيرة:
منها عدم أداء الواجبات: كالصلوات، والحجّ، وصلة الأرحام، والغزو، وزيارة أهل الفضل والعلم.
فإن يتوفر الأمن في ذلك توفر ذلك كله, لهذا شكى ربيعة إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن الذي عاقهم وأخّرهم عن زيارة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هم كفار مضر الذين كانوا يقطعون الطريق, ولا يسلم الناس من شرهم إلاّ في شهر حرام لا سيما في رجب, فقد كانوا يعظمون شهر رجب فإذا جاء شهر رجب قالوا: (منصل الأسنة) ووضعوا السلاح ويمر الناس بأمان.
 
أيّها الناس، إن هذا الحديث يشرح لنا أنّ الطريق له حقوق وله أحكام,كما أن المساجد لها حقوق وأحكام، والبيوت لها حقوق وأحكام, والإنسان إما مسافر أو قاطن، وإما مقيم أو ظاعن، وكل حياته لها أحكام, فلا ينفك في سائر أحواله وحياته عن أحكام يعلمها ويطبقها.
وقد أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نصاً أن الطريق له أحكام كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»: هذا حكمٌ من أحكام الطريق، تجنب الجلوس عليها لأن ذلك يؤدي إلى أضرار بالمارّين من نظر وغيره.
فَقَالُوا: (مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا): أي أن هذه المجالس التي نجلس فيها هي أماكننا، ولا بد من الجلوس فيها باعتبار أنهّا بجوار بيوتنا وإن كانت على الطريق.
قال: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاّ الْمَجَالِسَ»: أي إن كان لا بدّ من ذلك:
«فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا»: فهذا نصٌ بأن الطريق له حقّ.
قَالُوا: (وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟)، قَالَ: «غَضُّ الْبَصَر»: من حقوق الطريق أن يغضّ البصر عن المارّين، فإنّه يمرّ بالطريق رجال ونساء، ويمرّ بالطريق ما يلفت الأنظار، فإذا أطلقت الأبصار على من مرّ كانت هذه إساءة إلى هذا الحقّ العظيم وكان ظلماً للمارّين, فلا بد من غضّ البصر، قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾[النور:30]: يغضون أبصارهم عن ما حرّم الله.
والحقّ الثاني: «كفّ الأذى»: لا بدّ من حقوق الطريق كف الأذى عن المارّين, فإنّ الذي يمرّ في الطريق غالباً إما غريبٌ وإما في غير رحله وداره من قرب أو بعد, فكان والحال هذا أنّه قد يُؤذى, ولهذا أبان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحثّ على أنّ من رأى قريةً ويريد دخولها أنْ يقول: «اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها».
فالقرى لها شرور، ولها خير، والمرور فيها قد يؤدّي إلى ضررٍ على ذلك المار أو يسلم ويمرّ فيها بخير.
فمن حقوق الطريق أن لا يُؤذى المار في ذلك الطريق, وأن يكفّ عنه الأذى, وأنّ كفّ الأذى عن الطرقات يعتبر من أفضل القربات الذي أخلّ به أناسٌ كثير، واحتقروا شأنه وصارت الطرقات محلّ الترويع والفتن والقلاقل.
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: «لقد رأيت رجلاً يتقلّب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس»، هذا رجلٌ دخل الجنة وصار يتقلّب في نعيمها بسبب أنّه نحى أذى عن طريق الناس, من غُصن شجرة، يمرّ المار ربمّا يُؤذيه ذلك الغُصن.
فيا لها من مصيبة في حقّ من يقطع الطريق أو يُؤذي المار في الطريق فإنّه يعتبر مفسداً في الأرض ينطبق عليه قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[المائدة:33]، شجرة تُؤذي المسلمين يأتي من يُنحّيها فيدخل الجنة بسببها.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة  رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: (لا إله إلا الله) وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق»، كيف يحتقر شيءٌ يعتبر أصلاً من أصول دين الله عز وجل !
من الإيمان: تأمين الطرق، وإزالة الأذى عن الطرق والقلاقل والمؤذيات منها. من أسباب دخول الجنة وأصلٌ من أصول دين الله وهو الإيمان !
فوالله إنّ هذا الأمر انتهك بجدّ، وانتهك بشدة، وأوذي المسلمون في طرقهم وبغير حقّ, روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبّر الله، وحمد الله، وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق الناس، أو شوكة، أو عظما من طريق الناس، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين فإنّه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار»، كل هذا حقٌ من حقوق الطريق أنّك إذا زحزحت عن طريق الناس ما يؤذيهم، تزحزح نفسك عن عذاب الله وعن نار جهنّم, وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كُلُّ سُلامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأذى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».
لماذا هذا التفريط في هذه الصدقات ! صدقة إعانة المار على دابته وراحلته, ربما تقف سيارة الشخص على قارعة الطريق وقتاً لا يجد من يعينه ولا يجد من يسعفه ببعض ما يحتاج, وانظر إلى هذا الحديث العظيم وفيه أن الإنسان لو حُمل على راحلته أو وضع متاعه على راحلته كانت صدقات, وهكذا إماطة الأذى, أي أذى قلّ أو كثُر، دقّ أو جلّ، هذا الأذى إماطته صدقات, فلماذا التفريط أيّها الناس معشر المسلمين عن هذه الصدقات مع تلمّس مغفرة الذنوب وأسباب مغفرة الذنوب كثيرة ومنها هذه.
أمر الطريق له حقوق ومنه كف الأذى, كف الأذى عن الناس أمر مهم جداً, فإن المار في الطريق يروع ويُؤذى، وتكون عليه (كآبة السفر) و(كآبة المنظر)، ويضاف إلى ذلك الأذى والترويع والقلق, فإنّه قد ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم في الصحيح أنّه إذا خرج من بيته مسافراً قال: «سبحان الذي سخّر لنا هذا، وما كنّا له مقرنين، وإنّا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطوي عنّا بُعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل» كل ذلك الاعتماد على الله باعتبار أن المسافر قادم على مكان لا يدري ما فيه، وغير ذلك مما يحتاج فيه إلى الاعتماد على الله في سفره وفي حضره وفي السفر أشدّ.
وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا ودع مسافراً قال له: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك» فإنّه معرض في سفره إلى أن يحصل له في دينه ما يضرّه, وهكذا أمانته ربمّا يحصل فيها من نظر وغيره، فلهذا بحاجة إلى هذا الاستوداع.
 
أمر ابن السبيل: الطريق يقال له السبيل, وابن السبيل له أحكام معلومة في كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم, أمر الله بأداء تلك الحقوق قال الله عز وجل: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾[الروم:38] تريد الفلاح !؟ اعط الناس حقوقهم.
ومن حقوق الناس حقوق ابن السبيل:
- ليس من حقّه قطع الطريق عليه،
- ولا من حقّه البغي عليه،
- ولا من حقّه تروعيه،
- ولا من حقّه سلب ماله،
- ولا من حقّه ضربه وأذيته،
- ولا من حقّه الاقتطاع عليه.
كل هذا ظلم, من كانت له حقوق فليطلب حقّه من أبوابها ومن سُبُلها ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾[البقرة:189], أما قطع الطريق فجرم يلعن الله من فعل ذلك, فقد أخرج مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنّه قال أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال «لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غيَّر منار الأرض»، الشاهد من الحديث: (تغيير منار الأرض): أي سبل الأرض وعلامات الأرض.
من معاني (منار الأرض) أن الناس كانوا يجعلون علامةً في هذا الموضع، وعلامة على مد البصر، تعلم بها طريق جهة كذا وكذا، عبارة عن هذه اللوحات المستجدة، مثلا: (طريق مكة)، (طريق صنعاء)، (طريق كذا). فإذا أزيلت تلك المنارات، وغُيّرت وأبعدها الفسّاق أو من يريد للناس التيه فإنّ المار تختطفه ويضل، ويتعب وربما وصل إلى متاهات وانقطعت به راحلته وهلك ﴿وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153].
فلما كان كذلك وأنّ من أساء إلى الطريق وغيّر منارها، وتسبّب في تيه أصحابها صار ملعوناً، ما بالك بمن يقطع عليه الطريق ويؤذيه ويأخذ عليهم أموالهم ! ويسلبهم ويروّعهم ويقلقلهم ! هذا أشدّ بغياً وعَدوا ! ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا $ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾[الإسراء:26،27] فقد قرن حقّ ابن السبيل بأمور مهمّات، بحقوق واجبات، لا بدّ من أدائها، وأوجب الله سبحانه وتعالى لابن السبيل في الزكاة لما له من الأهمية لأنّه قد ينقطع في الطريق ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ﴾[التوبة:60] هذه الفريضة فرّضها الله سبحانه لابن السبيل حفاظاً عليه ألا ينقطع ويهلك ولا يحصل له ضرر، وذلك المجرم القاطع للطريق يتعرّض لفتنته وأضراره، بغير حقّ بغياً وعدوا، إن هذا جرم عظيم !
إنّ ابن السبيل غريب، وينبغي أن يكون ملازماً في حال سفره للرفق والأدب، هذا أمر لا بدّ منه، فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» قال الحافظ رحمه الله فيما يتعلق بهذا (ابن السبيل): «ربما يكون منكسراً ويكون كذلك لا أنس له بالناس ومستوحشاً وغير ذلك».
وعلى هذا فابن السبيل في ذلك الحال يحتاج إلى إعانة وإلى رفقٍ وإلى تعاونٍ معه، شأن المسلم مع المسلم، وشأن من وفّقه الله، حتّى في إعانة عطشه إن عطش، ولو كان من غير بني آدم !
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي في طريقٍ اشتدّ عليه العطش فوجد بئراً فنزل فشرب ثم رأى كلباً يلهث يأكل الثرى من العطش، فنزل البئر فملأ خفه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له» حتّى ولو كان من الحيوانات وهو مار بالطريق ورحمته من أجل ذلك أو ممّا هو فيه من الضعف، وما هو فيه من الضرر، ذلك من أسباب رحمة الله عزّ وجلّ بك، فما بالك برحمتك بإنسانٍ يقول: (لا إله إلاّ الله) ! ويعبد الله عزّ وجلّ، هذا أمر مهمٌّ أيّها الناس فليتنبه له !
 
وإنّ من منع ابن السبيل مما هو له ولو كان شربة ماء، فإنّه لا يكلّمه الله يوم القيامة، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: رجل كان على فضل ماءٍ بالطريق فمنعه من ابن السبيل»: عنده ماء زائد عن حاجته لا يحتاج له، لكن نفسه لم تسمح أن يعطي ابن السبيل لضعف رحمته، ولعدم شفقته على الناس، فلما كان كذلك استحقّ هذا الوعيد ! (لا يكلّمه الله يوم القيامة ولا يزكيه ولا ينظر إليه وهو متعود بالعذاب الأليم) !
والثاني:«رجل بايع إماماً لا يبايعه إلاّ من أجل الدنيا إن أعطي منها وفّى وإن لم يعط لم يف» هذا من أجل الدنيا فإنّه عبد الدرهم والدينار ! ويبايع لها، ومن أجلها، لما كان كذلك لم يكن عمله لله، فلا يكلمه الله وهكذا الآخر:
«رجل كان على سلعةٍ فبايعه من بايعه بعد العصر فحلف له بالله أنّه أخذها بكذا وكذا ولم يكن كذلك فصدّقه» ويكون باعها على حساب دينه ! وهذا أيضاً لا عناية له بدينه، ومن هنا فإنّه غرّر بغيره، وظلم غيره بحيث أنّه حلف له واشترى تلك السلعة على حساب دينه، ولا سيما حلف بعد العصر، والأيمان بعد العصر مغلظة، وأيضاً بعد العصر لا رغب للناس في شرى بعض السلع لكونه اشتروا حوائجهم، فلما كان كذلك إنمّا أخذها منه على حساب دينه فصار ذلك الشخص «لا يكلّمه الله ولا ينظر إليه ولا يزكّيه وله عذابٌ أليم»، هذا أمر مهمّ جداً عباد الله.
إن أهمّ ما تقطع به الطرق، وتعلم أحكامها وتصرف فيها الأوقات هي: طاعة الله !
ومعنى قولنا (أهمّ ما تقطع به الطرق) أي السير فيها، لا على أنّه يقتطع فيها «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة»، فلتكن الطرقات مؤبدةً نظيفةً عن الأذى والقذر من أجل سلامة الناس بل وعن المهلكات وعن التقطعات !
ما بالك بكون الناس يلعنون من يحصل منه أذى من (غائط) أو (بول)، فما بالك بغيره من: (قتل) و(قتال) و(سلب) و(هلكة) !
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اتقوا اللاعنين فلما سألوه عنهما قال الذي يتغوط في طريق الناس أو في ظلهم» فلو أن إنساناً عمد إلى ممار الناس وقضى حاجته في ذلك الموضع أو في ظلٍ على ممار الناس لكان عرضة إلى لعن اللاعنين.
وقوله: (ظلهم): الضمير يعود إلى المارة لا إلى مجرد ظل في صحراء فقد قضى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حاجته في حائش من نخل، وإنما المقصود في ظل يستظل فيه الناس، فلما كان بهذا الأذى سبب ذلك اللعن له ! كلّ إنسان يمرّ فليحصل له من الأذى يؤدي ذلك إلى لعن من سبب ذلك الأذى كعادة الناس.
فكم من الداعين على (قطاع الطرق) وكم من المتضرعين إلى الله عزّ وجلّ أن يريح المسلمين منهم، فوالله لدعوة واحدة ربمّا تنكب أمةً أو قبيلةً أو بلداً على حساب قطع الطريق وشدّة الأذى عليهم والترويع، هذا أمرٌ خطيرٌ جدّاً أيّها الناس ألا فلينتبه له !
فإن الطرق لها آداب، والطرق لها أحكام، والطرق لها شؤون ! والطرق تعتبر غربة لأصحابه في سيرهم فيه الله سبحانه وتعالى جعل للمسافر ولابن السبيل حقوق !
سمي: (ابن السبيل) باعتبار أنّه سار ويذهب فيه حتى أضيف إليه ونسب إليه.
فيأيّها الناس الرحمة الرحمة ! والرفق الرفق ! وتقوى الله سبحانه وتعالى بابن السبيل، وبالمسافر ،وبمار الطريق، وهناك أحكام تعلم للطريق وأن من خرج في طريقٍ وهو لمرضاة الله سبحانه فإن ذلك الخروج في ذلك الطريق يكون محفوفاً بطاعة الله، ومحفوظاً من الله عزّ وجلّ.
 
مما يتقى به قطاع الطرق:
فأنت أيّها المسافر أو أيّها الخارج: اخرج في طاعة الله، وبإذن الله عز وجل أن الله يدافع عنك، وملائكة الله عز وجل تجعل تكلؤك، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما من خارج يخرج من بيته إلاّ كان له رايتان، راية بيد ملك وراية بيد شيطان فإن خرج في طاعة الله تبعه الملك برايته وإن خرج فيما يغضب الله تبعه الشيطان برايته» فإذا خرجت في طريقٍ في سبيلٍ، اخرج في سبيل الله عز وجل وفي طريق الخير وظلّ الملائكة عليك بإذن الله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾[الأنبياء:42]﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ$نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَاتَدَّعُونَ﴾[فصلت:30،31].
- ومن تلك الولاية رفقتهم لمن يخرج في طاعة الله عز وجل. فليكن هذا من النماذج ومن الأصول التي تتّقي بها قطاع الطرق والّتي تتّقي بها ما يحصل في الطرق.
- وهكذا ما تأخذه من الرفقة الصالحة معك فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب».
- وهكذا الاعتماد على الله سبحانه تتّقي بها أضرار تلك الطريق.
- وذكر الله، ثبت عن جابر وغيره أنه: «كانوا إذا صعدوا كبّروا وإذا نزلوا سبّحوا» هذا من أحكام الطرقات، ومن شؤونها.
لا الأغاني ولا المزامير ! ولا الطبول.
ولا الغيبة ولا النميمة !
ولا ما يفعله كثير من الناس من المعاصي في الطرقات إذ يقطعونه بمعصية الله، «فإن كان في سفره إلى حج أو عمرة لب فلا يسمع صوته شجر أو حجر أو مدر إلاّ لب أو ذكر الله عز وجل بذكره حتى تنقطع الأرض» هذه أمورٌ ينبغي أن تعلم.
 
ومن الآداب الّتي علّمنا إيّاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
- إذا نزل منزلاً وكانوا جماعة لا يتفرّقون، النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما رآهم تفرقوا قال: «فإن تفرّقكم هذا من الشيطان» فأمرهم عند النزول على الطريق أن يجتمعوا فإنّه إذا حصل تفرّقٌ وتشتّتٌ، ولم تسير القافلة على ما هي عليه من الإنضمام والالتئام.
- وهكذا إذا نزلوا منزلاً يأمرهم وعلمهم أن يقولوا: «نعوذ بالله من كلمات الله التامة» قال عليه الصلاة والسلام من قال حين ينزل منزلاً: «نعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لا يضره شيء حتى يرتحل».
- وإذا نزلوا منزلاً وكانت لهم رواحل من الحيوانات لا يصلون سبحة الضحى أو لا يتنفلون حتّى يريحوا رواحلهم، هذا من أحكامها.
- الرفق بالحيوانات فيها: وهكذا إصلاح السيارة والعناية بها من باب الرفق بالركاب وما إلى ذلك، هذا أمر مهم.
- التنفل فيها: هذا مريح للمسافر وللجاد الطريق وللمار الطريق للحديث المذكور عن أنس وهو حديث صحيح «لا يصلون سبحة الضحى حتى يريحوا رواحلهم».
- القيلولة: ثابتة في الصحيح لما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في طريقهم في بعض الغزو تركوا شجرة ظليلةً يقيل فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أمور مهمة في الطريق ينبغي أن تعلم وينبغي أن تفهم أحكامها.
- هكذا الراحلة، سوى من الحديد أو غيرها، ينبغي تفقُّدها وتفهُّم أحوالها حتىّ لا يحصل بها الضرر الانقطاع في الطريق، فيا له من ضرر عظيم في انقطاع المراكب الحديثة، أشدّ ربما من انقطاع المراكب القديمة وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقّها من الأرض» من حيث الأكل وإنهّا إذا كانت خصباً أينما مرت تأكل ؛
«وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير» أي حتى لا تنقطع يسرعون عليها للوصول إلى المكان ؛
«وإذا عرستم فاجتنبوا ممار الطريق فإنها ممار الهوام» هذا أدب عظيم أن الذي يريد أن يستريح في طريقه يجنب عن طريق الناس فلربما إذا وقف على الطريق أصيب بمارة من المارات سواء كان من الثعابين أو الوحوش التي تتلمس المارين أو كان من السيارات المارات في هذه الأزمنة فتلقمه سيارة ولا يشعر وغير ذلك، فليكن هذا من الأحكام المهمة والآداب المهمة والله الموفق.
 
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
 
نحن عباد لله عز وجل، ما من حركة ولا سكنة إلاّ وقد تعبدنا الله عزّ وجلّ فيها بأمر من الأمور أو نهي من المناهي، سواء كان واجباً أو مندوباً أو كان محرّماً أو مكروهاً ! أو ما أباحاه الله عز وجل له. لا يخلو الإنسان عن ذلك.
فلذلك من أهمّ ما يعلم معرفة هذه الطرقات وأحكام هذه الطرقات وأنّه يجب أن يعتنى بها عنايةً كما أراد الله سبحانه وتعالى من عباده.
ومن أفضل ما تقطع فيه الطرقات وتمشى فيه إلى الطاعات ألا وهو الخروج إلى الصلوات، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كل ما غدا أو راح».
وهكذا قال عليه الصلاة والسلام حين قال بنو سلمة (يريدون النقلة إلى قرب مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم): «بني سلمه دياركم تكتب آثاركم» أي لأجل مجيئهم إلى الصلوات تكتب خطواتهم.
وروى مسلم في صحيحه عن عبيد بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل لا أعلم أبعد من المسجد منه من الأنصار، وكان لا تخطئه صلاة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا له: (لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء والرمضاء)، قال: (أحب أن يكتب لي ممشاي إلى الصلاة أو المسجد ورجوعي إلى أهلي)، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال:«قد كتب الله له ذلك كله».
وقال عليه الصلاة والسلام كما في السنن لأبي داود عن بريده: «بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة».
وفي الصحيح: «من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلاّ الصلاة، لا تنهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحطّ عنه خطيئة حتى يدخل المسجد» كل هذا من فضل المشي في الطرقات إلى طاعة الله سبحانه وتعالى.
ومن أهمّ ذلك: المشي إلى طلب العلم: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[التوبة:122]، ﴿فَلَوْلا نَفَرَ﴾: سواء كان راكبا أو ماشيا، والسير في الطرقات إليه والرحلة إلى ذلك، ﴿مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾: أمر الله بالنفور لذلك وأمر الله بالنفور لطاعته: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ $ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[التوبة:41،42].
 
اخلص أيّها المسلم في سفرك، وفي سيرك، وفي طريقك، فإن السفر إمّا أن يكون طاعة وإمّا معصية، «يا كعب ابن عجرة الناس غاديان فغاد في الجنة وغاد في النار» وقال عليه والصلاة والسلام: «كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها».
فاخلص عملك لله عز وجل سواء في حجّ أو عمرة أو زيارة لأخ في الله، فإنّ هذا يحتاج إلى إخلاص فيه ! وبقدر ذلك الإخلاص تكتب له خطواته كلّها سواء سافر أو عاقه عائق، قال الله عز وجل في كتابه: ﴿مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ $ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[التوبة:120-121] فبقدر إخلاص الإنسان في سفره، أي مرحلة يرحلها، أي خطوة يخطوها، أي حركة يتحركها وسكنة يسكنها كل ذلك في ميزان حسناته، لتعلموا فضل من صار في طريق طاعة الله عز وجل وأخلص عمله لله سبحانه وتعالى.
ولو كان أيضاً مقيماً وله نية صالحة: «إنّ بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلاّ كانوا معكم حبسهم المرض».
 
إن أفضل ما تسار في الطرق لهو الحج إلى بيت الله عز وجل: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ $ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾[الحج:27،28] من كلّ فجّ عميق يسافرون ويقطعون الطرقات، كلّ ذلك ﴿لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج:29]، لذا قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من حجّ فلم يرفث -أو لم يفسق- رجع من حجّه كيوم ولدته أمه» وثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الحجّاج العمّار وفد الله، دعاهم فأجابوه، سألوه فأعطاهم» هذا لأنهّم قطعوا الطريق من أجل الله سبحانه وتعالى.
نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام شدّ الرحل إلى مجمع البحرين من أجل حصول العلم وفي النهاية حين وجد صاحبه وبغيته قال: ﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا $ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا $ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا $ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا $ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا $ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾[الكهف:64-69] وسار في ذلك الطريق إلى ما ذكره الله في القرآن وهكذا ما ذكره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في السنّة.
كل ذلك فيه دليل على أهميّة معرفة الطريق والصبر عليها وتحمّل المشقّة عليها في سبيل الله سبحانه وتعالى من علم، وجهاد في سبيل الله عز وجل بشتى أنواعه، وحجّ وسفر، لصلة الأرحام، وزيارة للإخوان، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «زار أخ له في قرية، أرصد الله على مدرجته ملكاً، قال: (أين تريد)، قال: (أريد أخا لي في هذه القرية)، قال: (هل لك من نعمة تربها عليه ؟)، قال: (لا إلا أني أحببته في الله)، قال: (إني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته)» هذا شخص زار شخصاً فما بالك بمن زار اثنين أو ثلاثة وعشرة وعشرين وثلاثين وألف وألفين، كلّ ذلك يستحقّ الأجر على ذلك أضعافاً مضعّفة، كيف إذا انضاف إلى ذلك طلب علم وقطع طريق وجد فيها من أجل ذلك كله «ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنّة».
 
والحمد لله ربّ العالمين
ويمكنكم تحميل هذه المادة على صيغة PDF على هذا الرابط