الاثنين ، ٠٦ مايو ٢٠٢٤ -
الصوتيات

الدرس الثامن عشر: من التعليق على كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث

17-12-2021 | عدد المشاهدات 444 | عدد التنزيلات 320




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

التعليق على كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث _  للحافظ الذهبي _

‌‌‌‌

الدرس الثامن عشر: من التعليق على كتاب الموقظة في علم مصطلح الحديث

 

‌‌فصل

لا تُشتَرَطُ العدالةُ حالةَ التحمُّل، بل حالةَ الأداء. فيَصِحُّ سماعُهُ كافراً، وفاجراً، وصَبيّاً. فقد رَوَى جُبَير بن مُطْعِم - رضي الله عنه - أنه سَمِعَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -  يقرأ في المغرب بـ "الطُّوْر"، فسَمِعَ ذلك حالَ شِرْكِه، ورَوَاه مُؤْمِناً.

واصطلح المحدِّثون على جَعْلِهم سَمَاعَ ابن خمس سنين: سَمَاعاً، وما دونها: حُضُوراً. واستأنَسُوا بأنَّ محموداً عَقَل مَجَّةً ، ولا دليلَ فيه. والمعتبَرُ فيه إنما هو أهليةُ الفهم والتمييز

‌‌(1) مسألة:

يَسُوغُ التصرُّفُ في الإسناد بالمعنى إلى صاحب الكتابِ أو الجزء. وكرِهَ بعضُهم أن يزيدَ في ألقابِ الرواة في ذلك، وأن يزيدَ تاريخَ سماعِهم، وبقراءةِ مَن سَمِعُوا، لأنه قَدْرٌ زائدٌ عَلَى المعنَى.

ولا يَسُوغُ، إذا وَصَلْتَ إلى الكتاب أو الجزء، أن تَتصرَّفَ في تغيير أسانيدِه ومُتُونِه. ولهذا قال شيخنا ابنُ وهب: "ينبغي أن يُنظَرَ فيه: هل يَجبُ؟ أو هو مُستَحْسَن؟ وقُوَّى بعضُهم الوجوبَ، مع تجويزهم الروايةَ بالمعنى، وقالوا: ما لَهُ أن يُغيِّر التصنيفَ. وهذا كلامٌ فيه ضَعف

أمَّا إذا نقلنا من "الجزء" شيئاً إلى تصانيِفنا وتخارِيجِنا، فإنه ليس في ذلك تَغْيِيرٌ  للتصنيف الأول". قلتُ: ولا يَسُوغُ تغييرُ ذلك إلا في تقطيع حديثٍ، أو في جَمْعِ أحاديثَ مفرَّقةٍ إسنادُها واحد. فيقال فيه: "وبِهِ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ".

‌‌(2) مسألة:

تَسمَّحَ بعضُهم أن يقول: "سَمِعتُ فلاناً" فيما قَرَأه عليه، أو يَقرؤُه عليه الغيرُ. وهذا خلافُ الاصطلاح، أو من بابِ الرواية بالمعنى. ومنه قولُ المؤرِّخين: "سَمِع فلاناً وفلاناً".

‌‌(3) مسألة:

إذا أَفرَد حديثاً مِن مِثْل "نسخة هَمَّام"، أو "نسخة أبي مُسْهِر": فإنْ حافَظَ على العبارة، جاز وِفاقاً، كما يقول مسلم

"فذكَرَ أحاديثَ، منها: وقال رسولُ - صلى الله عليه وسلم - ". وإلا فالمحقِّقون على الترخيصِ في التصريفِ السائِغ.

‌‌(4) مسألة:

اختصارُ الحديث وتقطيعُه جائزٌ إذا لم يُخِلَّ معنىً. ومِن الترخيصِ تقديمُ مَتْنٍ سَمِعهَ على الإسناد، وبالعكس. كأن يقول: "قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (النَّدَمُ تَوْبَة) . أخبَرَنا به: فلان، عن فلان".

‌‌(5) مسألة:

إذا ساقَ حديثاً بإسنادٍ، ثم أَتبعَه بإسنادٍ آخَرَ وقال: "مِثْله"، فهذا يجوزُ للحافظ المميِّز للألفاظ. فإن اختَلَف اللفظُ، قال: "نحوه"، أو قال: "بمعناه"، أو "بنحوٍ منه".

‌‌(6) مسألة:

إذا قال: "حدَّثَنا فلانٌ مذاكَرةً"، دَلَّ على وَهْنٍ مَّا، إذْ المذاكرةُ يُتَسمَّحُ فيها. ومِن التساهلِ السَّماعُ من غير مقابلة: فإن كان كثيرَ الغَلَط، لم يَجُز. وإن جَوَّزْنا ذلك، فيَصِحُّ فيما صَحَّ مِن الغلط دون المغلوط. وإن نَدَر الغَلَطُ، فمُحَتمَلٌ. لكن لا يجوزُ له فيما بعدُ أن يُحدِّث مِن أصلِ شيخِه


‌‌(23) آدابُ المحدِّث:


تصحيحُ النيَّةِ من طالب العلم متعيَّنٌ. فَمَن طَلَب الحديثَ للمكاثرة، أو المفاخرة، أو ليَروِيَ، أو لِيتناوَلَ الوظائفَ، أو ليُثْنَى عليه وعلى معرفتِه: فقد خَسِر. وإنْ طلَبَه لله، وللعمل به، وللقُربةِ بكثرة الصلاة على نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، ولنفعِ الناس: فقد فاز. وإن كانت النيَّةُ ممزوجةً بالأمرينِ: فالحكمُ للغالب.

وإن كان طَلَبَه لفَرْطِ المحبةِ فيه، مع قطع النظر عن الأجْرِ، وعن بني آدم: فهذا كثيراً ما يَعتري طلبةَ العُلُوم، فلعلَّ النيَّةَ أن يَرزُقَها اللهُ بعدُ. وأيضاً فَمَن طَلَب العلم للآخِرة: كَسَاهُ العِلمُ خَشْيَةً لله ، واستَكانَ وتواضَعَ. ومَن طَلَبَه للدنيا: تكبَّرَ به وتَكَثَّر وتجبَّر، وازدَرَى بالمسلمين العامَّة، وكان عاقبةُ أمرِه إلى سِفَالٍ وحَقَارة.

فليحتسِب المحدِّثُ بحديثهِ، رجاءَ الدخولِ في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (نَضَّرَ اللهُ امرءاً سَمِعَ مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى مَن لم يَسمعها)

وَلْيَبْذُلْ نفسَه للطلبةِ الأخيار، لا سيما إذا تَفرَّد. وَلْيَمْتَنِعْ مع الهَرَمِ وتغيُّرِ الذهن. وَلْيَعْهَد إلى أهله وإخوانه حالَ صحته: أنكم متى رأيتموني تغيَّرتُ، فامنَعُوني مِن الرواية.

فمن تَغيَّرَ بسُوءِ حفظٍ، وله أحاديثُ معدودة قد أَتقَنَ روايتَها: فلا بأس بتحديثِه بها زمنَ تغيُّره. ولا بأس بأن يُجيزَ مرويَّاتِه حالَ تغيُّره، فإنَّ أصولَه مضبوطةٌ ما تغيَّرَتْ، وهو فَقَدْ وَعَىَ ما أجاز. فإن اختَلَط وخَرِفَ، امتُنِعَ مِن أخْذِ الإجازةِ منه.

ومِن الأدب أن لا يُحدِّثَ مع وجودِ مَن هو أَولَى منه، لِسِنِّه وإتقانِه. وأن لا يُحَدِّث بشيءٍ يرويه غيرُه أعلى مِنه. وأن لا يَغُشّ المبتدئين، بل يَدُلّهم على المُهِمّ، فالدِّينُ النصيحة. فإنْ دَلَّهم على مُعَمَّرٍ عامِّيٍّ، وعَلِمَ قُصورَهم في إقامِة مرويَّاتِ العامِّيِّ، نَصَحهم ودَلَّهم على عارفٍ يَسمعون بقراءتهِ، أو حَضَر مع العامِّيِّ ورَوَى بنُزولٍ، جَمْعاً بين الفوائد.

 

 

سجل هذا الدرس

 

ليلة الجمعة 12 جمادى الأولى 1443هجرية